منذ 4 سنوات | لبنان اقتصاد / ALMONITOR

أعلن مصدر حكومي لرويترز في 12 شباط / فبراير أن لبنان سيطلب من صندوق النقد الدولي مساعدة فنية لوضع خطة لتحقيق الاستقرار في ما يتعلق بأزمته المالية والاقتصادية، بما في ذلك كيفية إعادة هيكلة دينه العام.

في الوقت الذي نالت الحكومة في لبنان برئاسة حسان دياب الثقة في البرلمان، بـ63 صوتاً في 11 شباط/فبراير، تتفاقم الأزمة الماليّة والنقديّة في لبنان، البلد الناشىء الثالث من حيث الدين العام في العالم، وتتوالى الأحداث التي تقلق اللبنانيّين، بدءاً من الخطر الذي بدأوا يلتمسونه على ودائعهم في المصارف التي شدّدت القيود على سحب الأموال، إذ لا تمنح المصارف المودعين أكثر من 200 أو 300 دولار أميركي أسبوعيًا، إضافةً إلى منع تحويل المال إلى خارج لبنان ما أثّر سلبًا على الطلاب اللبنانيين وغيرهم الذين يتابعون دراساتهم في دول غربية والذين ينتظرون الأموال من أهاليهم في لبنان، وذلك رغم طمأنة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المودعين إلى أنّهم لن يخسروا ودائعهم وأنّ سعر صرف الليرة سيبقى بحدود الـ1500 ليرة للدولار. إذ يخشى اللبنانيون من تراجع القدرة الشرائية أكثر مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء ولدى الصرافين، إذ بلغ بين 2280 و2300 ليرة لبنانية لدى أحد الصيارفة في البقاع، الذي سأله "المونيتور" في 11 شباط/فبراير.

لبنان يواجه سندات قيمتها 1.2 مليار دولار تستحق في مارس/آذار ويتوجّب عليه دفعها، قبل استحقاق سندات أخرى في نيسان بقيمة 700 مليون دولار، و600 مليون دولار خلال حزيران/يونيو.

وتعليقاً على الأوضاع الراهنة، أكّد النائب السابق لحاكم مصرف لبنان غسّان العيّاش في حديث لـ"المونيتور" أنّ "لبنان يواجه أزمة مصرفيّة ونقديّة لا سابق لها منذ نشوء الدولة اللبنانية"، لافتاً إلى أنّ على الحكومة الجديدة، ألاّ تدفن رأسها في الرمال وتنكر وجود الأزمة المصيريّة، التي أوضح أنّها ليست موقّتة، وتجاوزها لا يقاس بالأشهر أو بعد نيل الحكومة الثقة، لكنّه يحتاج إلى سنوات.

وأشار إلى أنّ حوالى 60 مليار دولار من المبالغ بالعملات الأجنبيّة التي وظّفتها المصارف في القطاع العام، أيّ في سندات اليوروبوندز وإيداعات القطاع المصرفي في مصرف لبنان "قد تبخّرت" وهذا الرقم يشكّل 23 في المئة من موجودات المصارف و36 في المئة من ودائعها.

ولفت إلى أنّه لا يمكن استعادة هذه الأموال لأنّها استعملت في تلبية الطلب على الدولار لتمويل عجز الميزان التجاريّ أو تحويل الأموال إلى الخارج أو تسديد ديون الدولة بالعملات الأجنبية أو الهروب من الليرة اللبنانيّة بعد انهيار ثقة المواطنين بالدولة وإدارتها وسياساتها.

ويأتي كلام العيّاش عن تبخّر الأموال، في وقت كشف رئيس مجلس النوّاب نبيه بري خلال لقاء عقده مع النواب في 5 شباط عن تحويل 5 مصارف أموال أصحابها الشخصيّة إلى الخارج، وهي تقدّر بمليارين و300 مليون دولار. وقد ردّ رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، على ما قاله بري في حديث لصحيفة "الراي" الكويتية، موضحًا أنّ "المعلومات تؤكّد أنّ المصارف كلّها، وليس 5 منها فقط، قامت بتحويل ما يقارب هذا المبلغ إلى مصارف في سويسرا، من 17 تشرين الأول 2019 وحتّى 14 كانون الثاني 2020".

وكذلك، كشف مصدر مصرفيّ لـ"المونيتور" شرط عدم ذكر اسمه أنّ قيمة احتياطات مصرف لبنان بالعملة الأجنبيّة تبلغ حوالى 31 مليار دولار، علماً بأنّ هناك احتياطيّاً إلزاميّاً مفروضاً أيّ لا يمكن إنفاقه والدفع منه يبلغ 19 مليار دولار، الأمر الذي يعني أنّ دفع الاستحقاقات المتوجّبة سيقلّص من الاحتياطات أكثر، فيما يحتاج لبنان إلى الدولار من أجل شراء المشتقّات النفطيّة والقمح والأدوية.

وكان سلامة أوضح في مقابلة على شاشة MTV في 9 كانون الثاني أنّ مصرف لبنان موّل الدولة على أساس أن تحصل إصلاحات، وأنّ التمويل لم يكن خلافاً للقانون لأنّه يحقّ له التدخّل في السوق وشراء سندات خزينة، فيما تُظهر البيانات الإحصائيّة المنشورة على موقع مصرف لبنان أنّ السيولة الجاهزة بالليرة تقلّصت بقيمة 297 مليار ليرة خلال الأسبوع الممتدّ من 17 إلى 23 كانون الثاني/يناير من عام 2020، نتيجة انخفاض حجم الودائع تحت الطلب بقيمة 406 مليار ليرة وارتفاع حجم النقد المتداول بقيمة 109 مليار ليرة. كما انخفضت الودائع بالعملات الأجنبيّة بقيمة 227 مليون دولار في الأسبوع نفسه. كذلك أكّد الحاكم أنّه لن يصل أيّ مصرف الى الافلاس.

بحسب دراسة أعدّها خبراء واقتصاديّون لبنانيّون ونشرها "مركز كارنيغي للشرق الأوسط"، تراكم وارتفع الدين العام في لبنان من 25 مليار دولار عام 2000 إلى 90 مليار دولار بحلول نهاية عام 2019، أيّ ما يعادل 150 في المئة من الناتج المحليّ الإجماليّ، . ولفت الخبراء إلى أنّه منذ عام 1980، حصلت 111 عمليّة إعادة هيكلة للديون حول العالم، أيّ حوالى 3 حالات سنويّاً.

وفي هذا السياق، رأى الخبير الاقتصاديّ ومدير مركز المشرق للدراسات الاستراتيجيّة سامي نادر، الذي شارك في إعداد هذه الدراسة، خلال حديث لـ"المونيتور" أنّه يجب إرفاق هيكلة الدين العام بإصلاحات تساهم في ترشيد الإنفاق العام مثل رفع عبء كهرباء لبنان عن الدولة التي تنفق على هذا القطاع مليارات الدولارات، إعادة النظر بعدد العاملين في القطاع العام وأنظمة التقاعد، وتفعيل العائدات الضريبيّة. والمعروف أنّ الكهرباء تشكّل عبءًا كبيرًا لأنّها تكبّد لبنان سنويًا نحو 850 مليون دولار لاستئجار البواخر التركية لمدة 5 سنوات. كما كان رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل قد قال في مؤتمر صحفي خصصه للحديث عن ملف الكهرباء إنّ هناك ما بين 600 و800 مليون دولار "ضائعة" في خطة الكهرباء. كذلك فقد كشف تقرير لبنك عودة أنّ هناك تهرّبًا ضريبيًا يرتبط بفواتير الكهرباء غير المسددة والسرقة من خلال تعليق الكهرباء غير الشرعي. كما بلغ التهرب الضريبي في لبنان حوالى 5 مليارات دولار في العام 2017 أي ما يوازي 10% من الناتج المحلي الإجمالي.

وإذ رأى سامي نادر أنّ "لبنان دخل مرحلة الإفلاس"، دعا مع الخبراء الذين أعدّوا الورقة البحثيّة، الحكومة الجديدة إلى الشروع فوراً في خطّة للتصدّي بشكل استباقيّ لعبء الديون، لا سيّما أنّ لبنان يعاني من 3 أزمات متزامنة، هي: الأزمة المصرفيّة وعدم الملاءة والشحّ في السيولة والأزمة في ميزان المدفوعات والعملة، مع توقّع أن تصل الفجوة بين عرض الدولار الأميركيّ والطلب عليه إلى 8 مليارات دولار خلال العام الجاري. وفي حال عدم إيجاد حلّ، سيواجه لبنان صعوبة في سداد الدين الخارجيّ ونقصاً في السلع المستوردة، إضافة إلى الأزمة في الماليّة العامّة، مع بلوغ العجز 10 في المئة من الناتج المحليّ الإجماليّ خلال عام 2019.

وتخوّف نادر من تفاقم الأزمات الاجتماعيّة، نتيجة الانهيار الاقتصاديّ الذي سيؤدّي إلى تدمير الثروات، لا سيّما لدى الطبقة الوسطى، وارتفاع معدّل الفقر إلى أكثر من 40 في المئة من اللبنانيّين، بحيث يصبح 1.6 مليون لبنانيّ غير قادرين على تأمين قوتهم وحاجاتهم الأساسيّة غير الغذائيّة، إضافة إلى الخشية من ارتفاع معدّلات البطالة، فيما تواجه الطبقة الوسطى خطر الانحسار.

من جهته، أوضح منسّق الأمم المتّحدة في لبنان يان كوبيتش خلال لقاء مع الصحافيّين في نقابة المحررين في 5 شباط الجاري أنّ مساعدة لبنان ترتبط بالإصلاحات التي دعت "مجموعة الدعم الدوليّة" لبنان إلى تنفيذها. والمعروف أنّ هذه الإصلاحات تتمثّل بتنفيذ خطة إصلاح للكهرباء، ومكافحة الفساد والتهرب الضريبي ودعم استقلالية القضاء.

والجدير ذكره أنّ وزير المال غازي وزني كان قد صرّح لقناة MTV بالقول إنّ الحكومة الجديدة تسعى لتجنب الإنهيار الحاصل وعملية الإفلاس وأنّ همّه هو كيفيّة منع الإنهيار من التحوّل الى إفلاس. كما أشار إلى أنّ "الأزمة المالية والنقدية التي يشهدها لبنان غير مسبوقة، وإذا استمرت فسوف نصل إلى الإفلاس".


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024