منذ 7 سنوات | لبنان / السفير






أثبت لبنان مجددا عدم جهوزيته لإدارة أموره برموزه المحلية، لكأن «فلتة الشوط» الرئاسية، إذا تم التسليم بـ «لبنانيتها»، وهو أمر مشكوك فيه، تحتاج الى تدعيم بتفاهمات سياسية، إلا إذا قرر أهل الحل والتعقيد، استنساخ التجربة الرئاسية حكوميا، وفي هذه الحال، لا بد من انتظار عقدة تلو عقدة، في بلد مشرع داخليا على صراع خفي ومعلن على السلطة، ومشرع خارجيا على أزمات إقليمية تتخذ مسميات عدة، من سوريا المرتبطة عضوياً بلبنان، إلى السعودية وإيران الممسكتين بمفاصل كثيرة لبنانياً في صراعهما المفتوح في طول الإقليم وعرضه.

استطاع «حزب الله» أن ينال شهادة سياسية وأخلاقية كبيرة في الصدق والوفاء، بإصراره على تبني ترشيح العماد ميشال عون ومن ثم وصوله إلى رئاسة الجمهورية، ويكفي أنه تمكن أن يزرع في الوجدان المسيحي هذا المعطى للبناء عليه مستقبلياً، بينما أظهر سعد الحريري أنه قادر على توفير كل «عدة الشغل» من أجل إقناع جمهوره ومرجعيته، بعناوين حماية الطائف وحيادية لبنان، أما الهدف فلا يختلف اثنان عليه: العودة الى السرايا الكبيرة.

ويسجل لسمير جعجع أنه تمكن بدهائه من صياغة تفاهم سياسي مع ميشال عون، لا يمكن لأحد لا في الشارع المسيحي ولا في كل الجمهورية وخارجها أن يقف بوجهه، بل على العكس، جعل الجميع في موقع الاضطرار للتهليل له، بينما الكل يتهيب من نتائجه المتوسطة أو البعيدة المدى، من الحكومة الى الانتخابات النيابية والتعيينات الإدارية وصولا الى إعادة صياغة حضور المسيحيين في السلطة، ربطاً بما يُرسم من خرائط جديدة في الإقليم.

كان لا بد لميشال عون من أن يقطع كل هذه المسافات وأن يجتاز كل هذه الممرات الإجبارية، قبل أن يستريح في بعبدا. تنصل من حكومة العهد الأولى عندما وجد أن دون الحكومة التي يشتهيها مطبات وشهيات مفتوحة الى حد «الفجع»، من أقرب المقربين إليه، إلى أعتى خصومه رئاسياً، مروراً بكل «الفواتير الإلزامية».

كان الحري بـ «الجنرال ـ الرئيس» أن لا يعد نفسه وجمهوره بحكومة عهد من نوع آخر بعد الانتخابات النيابية المقبلة. إنه لبنان الذي عاشه بكل جمهورياته ورؤسائه ومجالسه وحكوماته وتحولاته، فكيف يعتقد أنه بمقدوره معاندة إرادة طائفة لبنانية حتى لو كانت أقلية الأقلية، وهو المحرج بوعد قطعه قبل أيام لرؤساء الطوائف المسيحية الأقلوية بتعيين وزير يمثل الأقليات في أول حكومات العهد؟

قالتها «كتلة الوفاء للمقاومة» بالفم الملآن أمس، بدعوتها «القوى السياسية الوازنة في البلاد لأن تترجم حرصها على الشراكة فتأخذ بعين الاعتبار أهمية توسعة قاعدة التمثيل في الحكومة توخياً للصدقية وتجنباً لبعض الحساسيات والاعتراضات».

لعل في الإعادة إفادة. فالأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، كان قد نصح «أهل التأليف» بتوسيع قاعدة المشاركة، من أجل إرضاء كل من «ضحوا» على درب وصول «الجنرال»، وأولهم الرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجية وأحزاب «8 آذار» التي صوّتت لمصلحة عون.

عون يجمّد تشكيلة الحريري!

في هذا السياق، رفع سعد الحريري لميشال عون ـ في اجتماعهما الأخير ـ تشكيلة نهائية، لكن رئيس الجمهورية لم يوافق عليها واستمهل لدراسة التفاصيل المتعلقة ببعض الحقائب، وقال للحريري الذي بدا مصدوماً بردة الفعل الرئاسية: «اتركها عندي.. أنا ممنونك».

واللافت للانتباه، أن الحريري، قبل أن يتوجه الى بعبدا، ليل أمس الأول، جرى تواصل بينه وبين بري الذي كان يتوقع أن تُنجز الحكومة في الليلة نفسها (أمس الأول)، وذلك استناداً الى مداولاته مع الرئيس المكلف. وانتظر حتى لحظة خروج الأخير من القصر الجمهوري، ليتبين أن عبارة «إن شاء الله خيراً»، تعني أن أمراً استجد وتأجل معه الإعلان عن الحكومة.

صباح أمس، تجدد التواصل بين بري والحريري الذي أطلع رئيس المجلس على أجواء لقائه مع رئيس الجمهورية. في الخلاصة، تبين أن الشيطان يكمن في التفاصيل لا في العناوين، ولذلك، قال الرئيس المكلف إن الطبخة الحكومية لم تنضج بعد ولا يزال حسمها يحتاج الى بعض الوقت، من دون أن يلغي ذلك احتمال ولادة الحكومة قريبا (طبعا ما يزال الحريري يأمل ولادتها قبل عيد الاستقلال).

وفيما كان يجري الحديث حتى ساعة متأخرة من ليل أمس الأول، عن حكومة من 24 وزيراً، فإن تطورات الساعات الأخيرة، وما تخللها من تعديلات في الحقائب لمصلحة هذا الطرف أو ذاك، جعلت أحد المتابعين لمسار التأليف يرجح أكثر فرضية العودة الى حكومة الثلاثين وزيراً، خصوصاً أنها توفر فرصة أكبر لترضية خواطر معظم المكوّنات السياسية.

وظل الرئيس بري يتصرف حتى أمس، على قاعدة تفاهمه منذ اللحظة الأولى لمشاورات التأليف مع الحريري بأن «حركة أمل» تريد «المال» و«الأشغال»، إضافة الى حقيبة أخرى، على أن تكون حصة «حزب الله» هي «الشباب والرياضة»، و«الصناعة»، ما دام مخولاً بالتفاوض باسم الكتلتين وعلى قاعدة أن الحكومة المطروحة من 24 وزيراً، وقال للحريري: «أريد الوزارة المالية (وليس وزارة المال) وأريد العلي حسن خليل لها ونقطة على السطر»، في رسالة أراد من خلالها قطع الطريق على ما كان قد بلغه عن تفاهمات تجري من تحت الطاولة لإبقاء المالية بعهدة الطائفة الشيعية لكن بشرط عدم عودة خليل إليها!

وما قاله بري لعون والحريري لم يتراجع عنه باستعداده لتسهيل التأليف حتى الحد الأقصى الممكن، وهو كان لديه استعداد لإقناع سليمان فرنجية بإبداء مرونة، من قبيل أن يقبل بوزارة التربية على سبيل المثال لا الحصر، لو أن العقبة الأخيرة والوحيدة التي لا تزال تعترض ولادة الحكومة تتصل بموقف زعيم «المردة»، «لكن ما دامت الأمور لم تصل بعد الى هذه المرحلة، فلماذا أتدخل..»؟

اشتباك مفاجئ بين بعبدا وعين التينة

ومن خارج السياق الرئاسي ـ الحكومي، حيث سجل، أمس، أول خرق للهدنة التي فرضتها الاستحقاقات الأخيرة على خط بعبدا ـ عين التينة، فلم يشأ رئيس المجلس النيابي أن يترك ما قاله رئيس الجمهورية في بكركي عن أن «جميع مؤسساتنا أصيبت بالوهن، بسبب التمديد المتمادي لمجلس النواب، والعجز الذي وقعت فيه السلطة..» من دون رد فوري. فقال «إن التمديد سيئ فعلاً والمؤسسات أصيبت بالوهن كما قال فخامة الرئيس، ولكن تعطيل انتخاب الرئيس كان أسوأ على المؤسسات، بما في ذلك المجلس النيابي».

وفي السياق نفسه، كان لافتاً للانتباه أن يرد نائب رئيس «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى» الشيخ عبد الأمير قبلان على البطريرك بشارة الراعي في السياق نفسه أيضاً.

وإذ قال الراعي إنه «لا يجوز استبدال سلّة الشروط بصيغة التشبث بحقائب وباستخدام الفيتو ضدّ فريق آخر»، أكّد قبلان أن المسلمين الشيعة «قدموا التضحيات والتنازلات لإنجاز الاستحقاقات الدستورية وتحقيق الاستقرار السياسي».

وقال بري أمام زواره، امس، إنه تلقى باستغراب كلام الراعي ورئيس الجمهورية، «ما اضطرني الى الرد على الرئيس عون، واضطر المجلس الشيعي الى الرد على البطريرك الماروني».

وردا على سؤال حول الأسباب التي دفعته الى الرد، أجاب بري: «أنا رئيس المجلس النيابي وأنا من يمثله ما دام ليس منعقدا، وما قمت به أمر طبيعي جدا للمحافظة على كرامة هذه المؤسسة التي، هي ذاتها، انتخبت رئيس الجمهورية قبل أسبوعين، وبالتالي لا أستطيع أن أتجاوز أو أغض الطرف عن أي تعرض لها، وللدلالة على موقفي المبدئي هذا، فقد سبق لي أن رددت على عون في جلسة انتخابه، عندما اعتبرت أنه من أعمدة المجلس الدستورية».

وتابع: لا أعرف حتى الآن لماذا العودة الى الكلام حول التمديد للمجلس النيابي، برغم أنه أصبح خلفنا.

وعما إذا كان ما حصل سينعكس سلبا على المساعي المبذولة لتشكيل الحكومة، أبدى بري أمله ألا تُسجل أي ارتدادات سلبية من هذا النوع، مشيرا الى أنه لا علاقة لهذا بذاك.

يذكر أن الراعي سيرد اليوم زيارة رئيس الجمهورية، وذلك قبيل مغادرته بيروت متوجهاً الى الفاتيكان في زيارة تستمر حتى نهاية تشرين الحالي


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024