شهد العراق امس اليوم الأكثر دموية منذ انطلاق الاحتجاجات المطلبية الثلاثاء وراح ضحيتها ٣١ شخصاً فيما بلغ عدد المصابين 1188 جريحا خلال المواجهات العنيفة غير المسبوقة بين المحتجين الذين تحدوا حظر التجول والقوات الأمنية التي ردت باطلاق الرصاص الحي.

 وانطلاقاً من بغداد، ثاني العواصم المكتظة بالسكان في العالم العربي، امتدت التظاهرات التي تطالب برحيل «الفاسدين» وتأمين فرص عمل للشباب لتطال معظم المدن الجنوبية.

 وامس، تدخلت مدرعات القوات الخاصة في بغداد لصد الحشود، فما أطلقت القوات الأمنية على الأرض الرصاص الحي الذي ارتد على متظاهرين نقلهم رفاقهم بالتوك توك، بحسب مصور من وكالة فرانس برس.

 وقال المتظاهر علي، وهو خريج عاطل عن العمل يبلغ من العمر 22 عاماً «نحن مستمرون حتى إسقاط النظام».

وأضاف «أنا من دون عمل، أريد أن أتزوج، لدي 250 ديناراً (أقل من ربع دولار) فقط في جيبي، والمسؤولون في الدولة لديهم الملايين»، في بلد يحتل المرتبة 12 في لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم، بحسب منظمة الشفافية الدولية.

 أما أبو جعفر، وهو متقاعد غزا الشيب رأسه، فقال «انا أدعم الشباب. لماذا تطلق الشرطة النار على عراقيين مثلهم؟ هم مثلنا مظلومون. عليهم أن يساعدونا ويحمونا».

ويبدو هذا الحراك حتى الساعة عفوياً، إذ لم يعلن أي حزب أو زعيم سياسي أو ديني دعمه له، في ما يعتبر سابقة في العراق.

 ومع سقوط ٣١ قتيلاً، بينهم شرطيان 17 منهم في محافظة ذي قار الجنوبية وحدها، تحول الحراك  إلى معركة في بغداد على محاور عدة تؤدي إلى ميدان التحرير، نقطة التجمع المركزية الرمزية للمتظاهرين.

 ووصل المتظاهرون في بغداد على متن شاحنات، حاملين أعلام العراق.

 وردد المتظاهرون هتافات عدة، بينها «بالروح بالدم نفديك يا عراق».

وفي مواجهتهم، شكلت قوات مكافحة الشغب والجيش حلقات بشرية في محيط الوزارات، خصوصاً وزارة النفط. وفي ساحة الطيران بوسط بغداد، انقض المتظاهرون على آليتين عسكريتين وأضرموا النار فيهما، بحسب ما أفاد مصور من فرانس برس.

وأطلقت القوات الأمنية مجدداً امس الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين رغم حظر التجول الذي دخل حيز التنفيذ فجراً.

ويعد هذا اليوم اختباراً حقيقياً لحكومة عادل عبد المهدي، التي تكمل في نهاية الشهر الحالي عامها الأول في السلطة.

 لكن رئيس الحكومة لم يتواصل مع المحتجين حتى الآن إلا من خلال بيانات مكتوبة، يشيد فيها ب»ضبط النفس لدى القوات المسلحة»، أو يعلن حظر التجول في بغداد.

 وإذ يبدو الحراك عفوياً، قرر الزعيم الشيعي مقتدى الصدر وضع ثقله في ميزان الاحتجاجات داعياً أنصاره الذين سبق أن شلوا مفاصل البلاد في العام 2016 باحتجاجات في العاصمة، إلى تنظيم «اعتصامات سلمية» و»إضراب عام»، ما أثار مخاوف من تضاعف التعبئة في الشارع.

وفي أماكن أخرى من العاصمة وفي مدن عدة، يواصل المحتجون إغلاق الطرقات أو إشعال الإطارات أمام المباني الرسمية في النجف أو الناصرية جنوباً. -

ويبدو أن الحكومة التي اتهمت «معتدين» و»مندسين» بالتسبب «عمداً بسقوط ضحايا بين المتظاهرين»، قد اتخذت خيار الحزم.

ودعت منظمة العفو الدولية بغداد في بيان إلى «أمر قوات الأمن على الفور بالتوقف عن استخدام القوة، بما في ذلك القوة المفرطة المميتة»، وإعادة الاتصالات.

 ومنذ مساء الأربعاء أيضاً، بدا صعباً الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي مع بطء شديد في شبكة الإنترنت. وسجل انقطاع واسع للإنترنت في العراق وصل مس  الى نحو 75 في المئة، بحسب ما أفادت منظمة متخصصة.

وسعى المحتجون في بغداد للتوجه إلى ساحة التحرير التي يفصلها عن المنطقة الخضراء جسر الجمهورية حيث ضربت القوات الأمنية طوقاً مشدداً منذ الثلاثاء.

وقررت السلطات بعد ان أعادت في حزيران افتتاح المنطقة الخضراء التي كانت شديدة التحصين وتضم المقار الحكومية والسفارة الأميركية، إعادة إغلاقها مساء الأربعاء، منعاً لوصول المتظاهرين. وعادة ما يتخذ المتظاهرون من المنطقة الخضراء وجهة لهم نظرا لرمزيتها السياسية.

 وطالت التظاهرات محافظات عدة في جنوب البلاد، كمدينة البصرة النفطية التي شهدت العام الماضي احتجاجات دامية.

 لكن رغم ذلك، لم تمتد التحركات إلى المحافظات الغربية والشمالية، خصوصاً المناطق السنية التي دمرتها الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وإقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي. ويعاني العراق الذي أنهكته الحروب، انقطاعا مزمنا للتيار الكهربائي ومياه الشرب منذ سنوات.

 الي ذلك ذكرت وكالة أنباء البحرين الرسمية أن مملكة البحرين دعت مواطنيها  إلى عدم السفر للعراق في الوقت الراهن بسبب الظروف الأمنية.

 كما دعت وزارة الخارجية البحرينية جميع المواطنين البحرينيين في العراق «إلى ضرورة المغادرة فورا وذلك ضمانا لأمنهم وحفاظا على سلامتهم».



أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024