مواقف مختلفة للساسة العراقيين أفرزتها نتيجة الانتخابات الأميركية وفوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة التي طالما لعبت دوراً سياسياً وأمنياً كبيرين في البلاد قبل عام 2003 وبعده.

الوضع في العراق يبدو مختلفاً بعض الشيء عنه في الدول الأخرى، فالولايات المتحدة الأميركية أدارت شؤون البلاد في شكل كامل تقريباً منذ إطاحة نظام صدام حسين عام 2003. وصاغ الرؤساء الأميركيون واحداً تلو الآخر منذ ذلك الوقت الخريطة السياسية والأمنية في البلاد وحسموا الكثير من الخلافات القائمة بين القادة العراقيين من السنة والشيعة في مواقف متعددة، مثلما لعبوا دوراً في حسم خلافات عدة بين العرب والأكراد في شكل سمح بتمثيل كردستان في حكومة بغداد.

الاستراتيجية الأميركية في البلاد تغيرت مراراً بين عامي (2003- 2011) من المقاومة والعنف ضد السنة وتقريب الشيعة الى تسليح العشائر السنية ودعم مجالس الصحوات لمحاربة تنظيم «القاعدة» آنذاك، وإدخال أطراف كانت خارج العملية السياسية الى اللعبة واستمرار الدور الأمني في العراق حتى بعد انسحاب القوات الأميركية منه عام 2011، إذ عاد المستشارون الأميركيون للعمل مجدداً في مرحلة سيطرة «داعش» على الموصل والأنبار وتكريت ومدن أخرى، واليوم يلعب الطيران الأميركي دوراً كبيراً في محاربة «داعش» في معركة تحرير الموصل وطرد المتشددين منها.

أول رد فعل على نجاح ترامب هو تصريحات البرلمانيين العراقيين بين مهنئ له وداع الى تحقيق العدالة في البلاد، فيما وصف الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في بيان له الخميس ترامب بأنه «مقامر يتاجر بالدماء والحروب»، معتبراً أن سياسة أميركا العدائية لن تتغير بتغير الرئيس.

وانتقد الصدر في بيانه التصريحات التي أطلقها الرئيس الأميركي الجديد أثناء حملته الانتخابية ضد الإسلام والمسلمين وقوله أنه «لا يفرق بين التيارات الإسلامية المتشددة والمعتدلة». ورأى أن «تشدده ضد المسلمين سينتج منه تشدد بالمقابل».

ودعا الصدر في بيانه ترامب الى «عدم زج نفسه في مقامرات جديدة لأن المقامرة في السياسة ستؤول الى الخسائر الكبيرة».

توقعات التغيير الذي سيحدثه فوز ترامب في الانتخابات الأميركية وتأثيرها المباشر وغير المباشر في السياسة الأميركية في العراق تختلف من كتلة سياسية الى أخرى، وتقول نهلة الهبابي عضو كتلة «التحالف الوطني» عن «دولة القانون» أن الحكومات الأميركية لا تتأثر كثيراً بسلوك الرئيس وتوجهاته لأن أميركا هي دولة مؤسسات وكل رئيس فيها يكمل طريق من سبقه.

وتضيف: «لن يتغير شيء في السياسة الأميركية ازاء العراق وسيستخدمون البلاد في إقامة قواعد عسكرية في مرحلة ما بعد داعش، كما ستبقى الولايات المتحدة تلعب الدور الضاغط ذاته في الوضع السياسي في المرحلة المقبلة».

وعلى رغم اتفاق النائب عن الأنبار في «الكتلة الوطنية» حامد المطلق مع الهبابي في رأيها حول دولة المؤسسات وكون السياسة الأميركية مرسومة سلفاً والرئيس ينفذها فحسب، يأمل بأن يقوم ترامب بتصحيح أخطاء الإدارات الأميركية السابقة. ويقول لـ «الحياة» أن «مواقف الرئيس الجديد لا يمكن قياسها وفق تصريحات الحملة الانتخابية، لكن على رغم ذلك ترامب له مواقف إيجابية حول بعض القضايا في العراق، فهو ضد داعش وضد تقسيم المنطقة ويعارض التدخلات الخارجية في شؤون البلاد ونأمل بأن تكون سياسته متوازنة لضمان حق العراق وحقوق الشعوب في المنطقة».

ويزيد: «عانينا الكثير بسبب أخطاء السياسة الأميركية وترامب معارض لتلك السياسة ولذلك نتوقع أن يقوم بمعالجة تلك الأخطاء الكارثية التي وقعت بعد دخول القوات الأميركية الى العراق عام 2003 وتسببت في نتائج كارثية للبلاد وللمنطقة بأجمعها، فهو يمتلك فرصة تاريخية لمنع التدخلات الخارجية في سياسة العراق الذي بات لا يملك إرادته ويخضع لسياسات دول الجوار».

التوقعات الأمنية للبلاد قد تختلف بعض الشيء عن السياسية، فالأمر المهم للعراق الآن هو التخلص من تنظيم «داعش» الذي سيطر في ليلة وضحاها على ثلثي البلاد في حزيران (يونيو) 2014 وتم لاحقاً استرجاع معظم تلك المناطق، فيما يخوض الجيش والشرطة والحشد الشعبي وقوات البيشمركة الكردية وتشكيلات أخرى تابعة للأقليات حرباً شرسة ضد «داعش» في الموصل وتأمل بتحريرها قبل نهاية العام، ومن المهم لجميع تلك الفصائل أن تحصل على دعم الرئيس الجديد لمواصلة حربها وطرد المتشددين، لاسيما أن الطيران الأميركي لعب دوراً كبيراً في حسم معارك تحرير المدن الأخرى مثل تكريت والأنبار.

المحلل الأمني هشام الهاشمي قال لـ «الحياة» أنه من دراسة الخطابات السابقة للرئيس الأميركي الجديد يتضح أنه سيترك الوضع على ما هو عليه في العراق حتى آذار (مارس) المقبل، إذ سيبدأ بعدها محاولات لتركيز قواعد عسكرية للتدخل البري وفي شكل مباشر في العراق وسورية متقاسماً هذه الخطوة مع روسيا.

ويضيف: «تأثير ترامب سيظهر من خلال منعه بعد تلك المرحلة التدخلات الاقليمية من ايران وتركيا وسيعالج تلك التدخلات وكل من يخرج عن الخطة التي سيضعها مع روسيا بطرق بعيدة تماماً عن الحوار».

اختلاف المواقف أو اتفاقها حول سياسة الرئيس الأميركي الجديد لا يقلل من وجود مخاوف حقيقية لدى بعض الساسة، إذا لم يتم استنتاجها من برنامج ترامب فقد استنتجت من تصرفاته الشخصية وأحاديثه وتصريحاته أثناء الحملة الانتخابية.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024