منذ 7 سنوات | لبنان / السفير











الخميس ١٢ تشرين الثاني ٢٠١٥، السادسة والنصف مساء.

يحفظ سكان برج البراجنة هذا التاريخ عن ظهر قلب. يذكرونه أكثر من تاريخ أعياد ميلادهم أو تاريخ أي ذكرى أخرى خاصة بهم. ففي هذا اليوم المشؤوم سقط شهداء وضحايا، وكُتب عمر جديد لآخرين.

عام مرّ على «نكبة برج البراجنة»، التي وقعت في شارع عين السكة خلف مستشفى الرسول الأعظم.

بضعة أمتار ودقائق معدودة تفصل بين الانفجارين اللذين استهدفا المنطقة. لكنها تحمل مئة حرقة وغصة، لا تزال معالمها بادية على أهالي المنطقة والناجين وأهالي الشهداء الـ43 والجرحى الـ٢٣٩ الذين سقطوا جراء الانفجارين.

تغلّب سكان المنطقة على جراحهم وأخفوا كل الآثار التي خلّفها الانفجاران. وحدها صورة الـ٤٣ شهيداً وشهيدة المرفوعة عند زاوية خُصّصت كمنصة تذكارية لهم، تحكي عن المأساة.

في المكان، تتجمع مجموعة من الشبان وهم يدخنون النارجيلة. لم يفقد الشارع اكتظاظه السكاني، كذلك لم تفقد محلاته التجارية حيويتها اليومية. تعبّر عن إصرار سكان المنطقة على الحياة ، لكنهم في الوقت نفسه لا يخفون خوفهم من تكرار ما حصل «لان الارهاب لا دين له»، بحسب تعبير أحد اصحاب المحلات التجارية.

نسأل إذا كان سبب تجمعهم يعود الى الحفاظ على الامن في المنطقة. فيسارع أحدهم إلى القول: «نحن بأمان طالما هناك من يسهر لحفظنا من شر الارهاب».

«تنذكر ما تنعاد»

يقف حسين طه أمام عربته التي يستعملها لبيع الخضار والفواكه، منتظراً كعادته زبائن المنطقة. والرجل السبعيني هو واحد من الذين نجوا من الانفجارين، بعدما كان قد قرّر في ذاك اليوم، أن يغادر قبل انتهاء دوام عمله.

يتذكر أنه لحظة وصوله إلى منزله الذي يقع في الشارع نفسه ويعيش فيه منذ 13 عاماً، سمع دوي الانفجار، فركض لتفقد عربته، ليجدها كومة مزنرة بأشلاء الشهداء. يصعب على طه أن يروي ما حصل، مؤكداً أنه لا يستطيع أن ينسى هذا المشهد الدموي، و «كأن الانفجار وقع امس»، على حدّ تعبيره.

حتى الآن، يصعب على عباس ضيا أن يستوعب كيف تحول المكان الى أنقاض في غضون ثوانٍ قليلة. يصف ذلك اليوم بـ «الكابوس»، خصوصاً أنه كان حاضراً أمام محله للالبسة الرياضية، وشهد على الانفجارين. حاول ضيا حينها إسعاف بعض الجرحى، لكن ضخامة الانفجار أعاقت طريقه ومنعته من التحرك بسهولة. اليوم، يعرب عن أسفه لخسارته شابين كانا يعملان في محله، واستشهدا في الانفجار. يفضّل عدم الشعور باليأس. ويؤكد أن المنطقة «استعادت الحياة بعد مرور أربعة أشهر على الانفجار». وفي الذكرى السنوية الاولى، يقول عباس: «ما عم نقدر ننسى».


«رأس الإرهابي»

لم يغادر أي شخص من سكان المنطقة أو أصحاب المحلات هذا المكان، برغم الحدث الارهابي الذي طاله. يخرج تلامذة مدرسة «التكامل الرسمية»، الملاصقة لمكان الانفجار، من باب المدرسة، متوجهين الى منازلهم سيراً على الأقدام. ترك الانفجار أثراً كبيراً عند هؤلاء. يقول أحدهم، ويدعى علي (12 سنة)، إنه يفضل الدوام الصباحي على الدوام المسائي للمدرسة «لان الارهابي بفجّر نفسه بعد صلاة المغرب». وشاء القدر منذ سنة، أن ينجو عشرات التلامذة من مجزرة كبيرة، وغادروا المدرسة قبل وقوع الانفجارين بربع ساعة.

من جهته، لا ينسى عبد عطوي، وهو أحد سكان المنطقة، منظر رأس الارهابي وهو منفصل عن جسمه. يقول إنه يصعب عليه نسيان ما حصل، أو حذفه من الذاكرة، خصوصاً أنه شارك في عمليات اسعاف الجرحى ونقلهم الى المستشفيات.

يفتقد سكان الشارع وقاصدوه لـ«أبو محمد»، صاحب المحل الشعبي «بيضون». يزدان محله بصوره المنتشرة في كل مكان. اليوم، يتولى نجلاه محمد وحسن الاهتمام بـ «مصلحة» والدهما الشهيد. «لا تفارق روح والدي، هذا المكان، نفتقده كثيراً، لكنه ما زال يعيش معنا وبيننا»، يقول محمد، الذي بدوره كان متواجداً مع والده لحظة وقوع الانفجارين، الا ان العناية الالهية أنقذته حينها.


حيدر وقهوة أبيه

استطاع سكان شارع «عين السكة» أن يتأقلموا مع واقعهم المأساوي. يرفضون تحوّيل المكان الى مصدر شؤم. على الرغم من ذلك، تنهار علية طالب كلما عبرت هذا الشارع، بعدما فقدت شقيقتها ليلى التي استشهدت مع زوجها حسين داخل سيارتهما أثناء مرورهما من المكان، بينما نجا طفلهما الوحيد حيدر بأعجوبة.

بعد مرور سنة، تنقل علية عن حيدر (٤ سنوات) تمنياته لو أن والده لم يتوقف حينها لشراء القهوة، قبل ثوانٍ من الانفجار. يعي حيدر كل ما يقوله حين يسرد ما جرى مع والديه، بحسب تعبير علية طالب. لكن هناك مشهدا آخر يؤلم الخالة هو مشهد حيدر الذي ينتابه الشعور بالخوف في كل مرة يمرّ من هنا، ليخبئ نفسه وراء مقعد السيارة... ببساطة لا يريد حيدر أن يرى وأن يسمع وأن يتذكّر.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024