منذ 7 سنوات | خاص / خاص - LIBAN8

كانت صور حزينة، يائسة توقفت فيها أجراس الكنائس وأصوات المآذن، حتى أمواج بحرها خفّت لدرجة أنها ماتت، ولكن أبناء صور الذين قهروا الإسكندر المقدوني، وصمدوا في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي، أرادوا عودة الحياة إلى منطقتهم، إلى مدينتهم، إلى قراها وبحرها وأشجارها ومياهها، وعلموا أن العائق والحائل دون ذلك، هم أولئك الجلاوزة من جنود قوات الإحتلال الذين عاثوا فيها فساداً، وجعلوا يوم الحادي عشر من تشرين الثاني يوماً لا ينسى، حيث شكّل ذلاً كبيراً للعدو وفخراً عظيماً لنا، هذا اليوم هو يوم الشهادة والاستشهاد، ذكرى فاتح العمليات الإستشهادية الشهيد أحمد قصير.

أحمد قصير من مواليد 1963 من بلدة دير قانون النهر - قضاء صور، كان أول منفذٍ لعمليةٍ إستشهادية ضد قوات الإحتلال الصهيوني في جنوب لبنان، بعد 5 أشهرٍ و7 أيامٍ على بداية الإجتياح الإسرائيلي، وسقوط ألاف الشهداء والجرحى اللبنانيين، فضلاً عن آلاف المعتقلين.

ففي مثل هذا اليوم، عند الساعة السابعة صباحاً من يوم خميس11 تشرين الثاني من العام 1982، قاد ذلك الفتى الذي لم يتجاوز عمره 18 عاماً سيارته المفخخة بكمياتٍ كبيرة من المتفجرات، واقتحم بها مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي لمنطقة صور الواقع في "بناية عزمي" الذي كان يضمّ القيادة العسكرية، وفجّر نفسه بالمبنى المؤلف من 8 طبقات ويضمُّ مكاتب تابعة مباشرةً للمخابرات الإسرائيلية، بينما خُصِّص أحد الطوابق كمقر لوحدة المساعدة التابعة للقيادة الإسرائيلية في المنطقة، وحوِّل الطابق الرابع إلى مقرٍ يبيتُ فيه عددٌ من الضباط والرتباء ممن يُكَلَّفونَ بمهماتٍ محدودة كالمخابراتِ واللوجيستيك والارتباط.
ومع حدوث الانفجار سرعان ما هوى المقر على من فيه، وشبَّ حريقٌ هائلٌ وارتفعت سحب الدخان، وامتزج صراخ الجنود مع طلقاتٍ ناريةٍ متقطعة، وتحوّل المكان الى ساحة من الجثث المتناثرة التي وصل عددها باعتراف من الناطق العسكري الإسرائيلي الى 74 ضابطا ًوجندياً بمن فيهم الحاكم العسكري، واعْتُبِرَ 27 منهم في عداد المفقودين، وفي محصّلةٍ أوردتها الصحف الإسرائيلية بعد بضعة أيام أن هناك 141 قتيلاً و10 جنود في عداد المفقودين.

بدوره مجلس وزراء إسرائيل أعلن الحداد في يوم 1982/11/15، حيث أُطلقت صفارة في جميع أنحاء الكيان الصهيوني، تلتها دقيقة من الهدوء التام، فيما واصلت وسائل الإعلام قطع برامجها وبث الموسيقى الحزينة، في حين خصصت المدارس ساعة من حصصها للحديث عن العملية.

وقد إحتار الإسرائيليون في تفسير العملية، ودفعهم ذلك الى القول حيناً "إن ما جرى بسبب خلل في البناء، وحيناً آخر باستبعاد تفجير سيارة مفخخة، فالانفجار تمّ بعبوات ناسفة زرعت تحت أعمدة المبنى وأدت الى انهياره كلياً، هكذا كانت تحليلات الضباط الصهاينة ومنهم رافائيل إيتان رئيس الأركان وضابط كبير آخر، إلا انه تبين أن الهجوم ناجم عن سيارة مفخخة بكميات كبيرة من المتفجرات قادها شاب في مقتبل العمر لم تعرف هويته ولا الجهة المسؤولة في حينه، إلا أنّ الشّهيد أحمد كان ينتمي إلى أفواج المقاومة اللبنانيّة - أمل و تمّ الإعلان عن اسمه في وصيّة الشّهيد القائد محمّد سعد المخطّط للعمليّة .

بعد تلك العملية انهارت معنويات الاحتلال الغاشم، وتوالت العمليات. ومع روح هذه العملية الجريئة إنطلقت قافلة كبيرة من المجاهدين الإستشهاديين، الذين روّعوا جنود العدو الصهيوني في أنحاء لبنان كافة، هذه المسيرة التي انطلقت يوم 11 تشرين الثاني 1982، وسمع العالم كلّه أنين هذا الجيش الذي كان يقال عنه إنه الجيش الذي لا يقهر، عضّت القيادة الصهيونية أصابع الندم وسالت دموع الحسرة والألم، لملموا ذيول هزيمتهم وبدأت مسيرة الانسحابات والتقهقر، حتى رسمنا بدم الشهداء الأبرار طريق الانتصار الذي كان ولا زال محطّ كل الأنظار.

وها نحن اليوم نكتب بحبر دماء الشهداء التي تروي قصصاً وحكاياتٍ نفخر بها لتكون الشهادة عنواننا وسر حياتنا، الذي نحلم به.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024