يشكّل الوضع المالي - الاقتصادي هاجساً كبيراً لدى معظم اللبنانيين الذين يخشون من ان يباغتهم الانهيار الشامل في «ليلة ما فيها ضو قمر» أو حتى.. «ضو شمعة». وإذا كان معظم المسؤولين يحرصون على التأكيد انّ الأزمة قابلة للمعالجة والإحتواء، على الرغم من تعقيداتها وتحدّياتها، إلاّ انّ هناك في الغرف المغلقة من ينزع القفازات والأقنعة، ويبوح بكلام قد لا يتجرأ كثيرون على الإفصاح عنه علناً.

لعلّ أحد أبرز المؤشرات الى «الخصوصية اللبنانية» هو انّه عندما يُسأل أصحاب القرار والخبرة عن سرّ الصمود الاقتصادي والمالي حتى الآن، مع انّ الارقام والوقائع قاتمة على كل المستويات، يراوح الجواب بين حدّين، فإما ان يُقال لك انّ العناية الالهية هي التي تحمي لبنان، وإما ان يجري إقناعك بأنّ المجتمع الدولي يمنع حصول الانهيار الكبير، خشية من ان يتدفق نحوه النازحون السوريون، وهذا ما يفسّر مؤتمرات الدعم التي كان آخرها مؤتمر «سيدر».

غير أنّ حسابات الورقة والقلم، والمقاربات العلميّة المجرّدة، تقود الى الاستنتاج، أنّ كل ما يجري على الصعيدين المالي والاقتصادي هو «تخبيص بتخبيص»، على ما تؤكّد شخصية خبيرة في هذا الشأن، وسبق لها ان شاركت في إحدى حكومات العهد الحالي.

وتنبّه تلك الشخصية في مجلس خاص، الى أنّ الإنحدار نحو الأسفل لم يتوقف بعد، وهو لا يزال مستمراً من شهر الى آخر، إنما مع فارق في الوتيرة، حيث انّ هذا المسار الانحداري او الهبوط الفوضوي قد يتسارع أحياناً نتيجة عوامل مستجدة، وقد يتباطأ أحياناً أخرى بفعل مسكّنات ظرفيّة أو معالجات موضعية وسطحيّة لا تلامس عمق الأزمة وجذورها.

وانطلاقاً من حصيلة مراقبتها للمشهد العام، لا تخفي الشخصية نفسها عدم ثقتها في نمط المقاربات المعتمدة للسيطرة على المأزق المتفاقم والخروج منه، مشيرة الى أنّ لديها انطباعاً بأنّ ما يحصل من محاولات انقاذيّة لم يتجاوز بعد إطار «لعبة الطرابيش» التي ترمي الى تمويه الحقيقة وتضليل الناس. مضيفة: «بشيلوا وبيحطوا، بيطلعوا رقم وبينّزلوا رقم، حتى في الآخر يضيع الشنكاش وما يعود حدا قادر يلحقن، او يلحّق عليهن..».

وبالعودة الى الوراء قليلاً، تلاحظ الشخصيّة نفسها أنّ الأزمة كانت قبل سنوات «ممسوكة» وتحت السيطرة الكاملة، «ويمكن القول من باب تقريب الصورة، إنّ الأمر كان في السابق يشبه احتمال السقوط من الطابق الأول على سبيل المثال، حيث انّ أقصى الضرر المُحتمل عندها لا يتعدّى حدود الإصابة برضوض أو كسور خفيفة في أسوأ الاحتمالات، أما الآن فإنّ ما نواجهه هو خطر الوقوع من الطابق العاشر، وبالتالي فإنّ السقوط من هذا الارتفاع الشاهق ستترتب عليه حُكماً نتائج وخيمة».

ولئن كان بعض أطراف السلطة يراهن على ان تتمكن موازنة 2019 من إيجاد ممرات، ولو ضيّقة، للخروج المتدرّج من نفق المأزق، إلاّ انّ الشخصية التي تجيد لغة الأرقام، تعتبر انّ الدولة تتصرّف كمن يحاول ان يغطي كومة نفايات بالتراب بدلاً من ان يزيلها، «وهي بذلك ربما تنجح في إخفاء تلك الكومة، لكنها لن تستطيع القضاء على رائحتها الكريهة ومفاعيلها المضرّة».

وتلفت الشخصية إيّاها، الى أنّ الانطباع السائد لدى كُثُر، ومن بينهم مسؤولون وسياسيون، هو انّ لبنان يهتز من وقت الى آخر إلاّ انه لن يقع، مهما اشتدت الضغوط، عملاً بقاعدة «لا استقرار ولا انفجار» التي تتحكّم به منذ عقود، «ولكن ماذا لو حصل أي خطأ في التقدير؟ وماذا لو رُفع الغطاء فجأة عن لبنان؟ ومن يضمن عدم تبدّل المصالح الدولية في لحظة غير محسوبة؟ وهل يصح اصلاً ان يُربط مصير دولة سيّدة ومستقلة بضمانات او بمعادلات خارجية؟».

وعلى قاعدة وجوب التحسّب لأقسى الاحتمالات، ولو انّها تبدو مستبعدة في هذه اللحظة، تشدّد الشخصية على ضرورة صنع صمامات أمان داخلية، تعمل بقوة دفع محلية وليست أجنبية، مشيرة الى انّ الدينامية الاقتصادية والمالية التي تستند الى عناصر قوة لبنانية يجب أن تكون هي الحصانة الأساسية في مواجهة المخاطر الداهمة.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024