بعد مرور الأسبوع الأول من معركة الموصل، أجمع خبراء دوليون على أن الوقت قد حان لشن عملية عسكرية على مدينة الرقة السورية، بالتزامن مع عملية السيطرة على مدينة الموصل في العراق، لاسيما أن العملية الأخيرة لن تكون سهلة أو قصيرة المدى.

ويتوقع أن يستخدم تنظيم "داعش" فيها جميع تكتيكاته العسكرية وفي مقدمتها انسحاب قادته المعروفين بالقتال الشرس لتلك المدينة الواقعة على بعد ٤٠٠ كيلومتر إلى الغرب.

وقال خبراء دوليون إن البدء في هجوم متزامن على الرقة سيشكل حصاراً حقيقياً على تنظيم "داعش"، يمنعه من الاحتفاظ بالموصل من جهةـ أو التمدد في غرب العراق وشرق سوريا من خلال انسحاب الجزء الأكبر لمقاتليه هناك، فيما ذهب خبير منهم إلى أن إحراز تقدم في أي عملية عسكرية في الرقة مرهون بعاملين، مشاركة القوات التركية التي ستحدث فارقاً في حال تدخلها ووجود إدارة أميركية جديدة قادرة على الالتزام تجاه تركيا مقابل مشاركتها.

حصار داعش

أندريس كريج، أستاذ الدراسات الدفاعية في جامعة كينجز في لندن (بحثية حكومية)، يقول إن الاستعداد لشن عملية هجوم على مدينة الرقة سيكون بمثابة حصار حقيقي لـ"داعش" الذي يمني نفسه بالانسحاب للرقة وإدارة الحرب من هناك، قائلًا: "التعامل باستراتيجية مع داعش هو ما ينقص".

وأضاف: "أعتقد أنه حان الوقت في التفكير جدياً في هجوم متزامن مع الموصل، خاصة بعد ما عانينا منه من عدم وجود استراتيجية حقيقية لنهاية المعركة، فالتحالف لم يركز قبل المعركة على أسئلة هامة مثل كيف لا نضمن عودة داعش هنا أو هناك؟ ماذا سيحدث بعد تحرير المدينة؟ من سيحكمها ويدير شؤونها؟".

وأضاف الخبير الدولي أنه على الجانب العملي فإن هزيمة "داعش" في الموصل ممكنة، وقال: "أعتقد أن التحالف قادر على اغتنام الفرصة إذا تمكن من محاصرة المدينة".

وتابع: "لكي يحدث ذلك، يتطلب الأمر إغلاق الممر الغربي، ووقتها سيتمكن عدد قليل فقط من عناصر داعش من الهروب لسوريا، في إشارة للهروب للرقة".

تكتيكات داعش

كريج رسم تحدياً آخر أشد خطورة من فرار عناصر من "داعش" للرقة بقوله: "الاستيلاء على القرى المختلفة الموجودة على أطراف الموصل بمثابة تحدٍ يجب أن ينتبه له التحالف حيث من المرجح أن تكون مفخخة عبر الألغام التي تزرعها داعش على جنبات الطريق، لهذا وجب على التحالف أن يكون حذراً للغاية وبالتالي من الممكن أن يكون هذا سبباً في المضي قدماً ببطء نحو الموصل، حتى لو كان تحرير المدينة في نهاية المطاف سيكون بتكلفة إنسانية ضخمة".

وتابع: "سوف تلجأ داعش لجميع التكتيكات العسكرية التي تجعلها تستمر في القتال حتى النهاية سواء من خلال الهجمات الانتحارية ونصب الكمائن والقنص والشراك الخداعية من أجل إبطاء تقدم قوات التحالف، لديهم أميال من أنظمة الأنفاق داخل المدينة مما يسمح لهم بالشهور فجأة خلف القوات المتقدمة، في إشارة لقدرتهم على الكر والفر، وبالتالي يجب أن يستولي التحالف على كل شارع ومنزل، واصفاً المعركة بأنها أقرب ما تكون إلى حرب المدن في شكلها الأندر".

معركة صعبة

من جانبه، توقع أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بردفورد البريطانية “أفشين شاهي” ألا تكون عملية تحرير الموصل سهلة، مرجعاً السبب لوجود عوامل كثيرة يمكن أن تطيل المعركة، منها مناورة "داعش" الذي لا يعرف بعد ما إذا كان سيختار استراتيجية الانسحاب مثلما فعل في الفلوجة عند تشديد الحصار عليه أو المقاتلة حتى النهاية مثلما حدث في معركتي الرمادي ومنبج حتى لو على حساب خسارته في النهاية. وهو السيناريو الذي نلاحظه ويجعل التحالف وبقية الأطراف حذرة في التعامل معه.

وأضاف شاهي: "على الأغلب فإن فرض حصار على التنظيم وشل في حركته في غرب العراق وشرق سوريا أصبح ضرورة ملحة الآن".

أما يزيد صايغ وهو باحث رئيسي في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت (خاص) قال: "لا أعتقد أن هناك قدرة عسكرية حالية في سوريا قادرة على هزيمة داعش في الرقة، فليس هناك من الأطراف الرئيسية في سوريا طرف قادر على استعادة المدينة، فقط المشاركة التركية العسكرية التي ستقوم بعمل فارق كبير في تلك المعركة".

وأضاف صايغ: "القيام بعملية عسكرية متزامنة في الرقة على المدى القريب ليس مرجحاً بالنسبة لي قبل انتخاب إدارة أميركية جديدة قادرة على تقديم التزامات لتركيا في مقابل مشاركتها".

وقبل يومين، أعرب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن استعداد بلاده للتحرك نحو الرقة دون مشاركة ما وصفها بـ منظمات إرهابية، قائلًا: إذا كانت قوات التحالف مستعدة للتحرك معنا سنقوم بما يجب ضد داعش في الرقة أيضاً، لكن دون مشاركة تنظيم ب ي د (حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي)، و ي ب ك (قوات وحدات حماية الشعب الكردية)، لا نريد تنظيمات إرهابية معنا". على حد تعبيره.

فيما دعا أمس وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر للبدء في عملية لعزل "داعش" في مدينة الرقة بالسرعة الممكنة، بالتزامن مع الهجوم الحالي على الموصل معقل التنظيم في العراق.
ويأتي الإعلان عن إمكانية هجوم مماثل على مدينة الرقة عقب مخاوف دولية من هروب قيادات "داعش" إلى غرب العراق وشرق سوريا، لاسيما أنه مع انطلاق معركة الموصل، أحاطت قوات التحرير المدينة من جهاتها الثلاث الشرقية والشمالية والجنوبية، تاركة معبراً للتنظيم للانسحاب كما فعلت في معركة الفلوجة في السابق.
وتسعى الولايات المتحدة لتثبيت أقدامها في الرقة، من خلال استعمال قوات "سوريا الديمقراطية" التي تضم مقاتلين كرداً، وهو ما ترفضه تركيا وتقول بوضوح إن مشاركتها مرهونة بعدم مشاركة "التنظيمات الإرهابية".

وعقب بدء عملية السيطرة على الموصل، بمشاركة الجيش العراقي إلى جانب قوات البيشمركة الكردية وعدد من المجموعات العشائرية التي قامت القوات التركية بتدريبها، بالإضافة إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، تعالت المخاوف من أن تكون المعركة المقبلة في الرقة، بسبب انسحاب أعداد كبيرة من مقاتلي التنظيم إلى المدينة. 


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024