منذ 5 سنوات | لبنان / Independent

يحمل تاريخ 14 فبراير (شباط)، في لبنان، رمزية معنوية في ظاهره، إلا أن باطنه تجاريٌ بحت. إذ لم تزل السوق التجارية تستغل العشاق مادياً في عيد الحب، وتجرّده من مضمونه الأساس. فيغلب اللون الأحمر على شوارع بيروت وواجهات محالها التجارية، كما تزداد عروض المطاعم والفنادق ومحال المجوهرات. 

 
الورد أكثر الهدايا رواجاً


تعتبر الورود أكثر الهدايا رواجاً بين العشاق. إذ تعدّ الوردة الحمراء رمزاً تقليدياً للحب والرومانسية، لما ارتبطت به من معاني العشق. وهذا ما يؤكده أحمد حجازي، صاحب أحد محال بيع الزهور، الذي يصف عيد الحب هذه السنة بـ "المخيف".
يرد حجازي تخوفه إلى الأوضاع الاقتصادية والسياسية السائدة، "حتى أن غياب قروض الإسكان عائق كبير". ويضيف "الشاب يفضّل أن يدخر المال لتأمين دفعات السكن أو مستلزمات أساسية أخرى".
تخوفُ حجازي دفعه إلى "التقنين"، وفق قوله، في المشتريات. إذ إنها السنة الأولى التي يقلّص فيها بضاعته المعروضة إلى هذا الحد. ويرجع ذلك إلى بضعة أسباب، أولها أن العيد هذه السنة لن يصادف يوم عطلة، ثانيها أن الطقس العاصف يحد من نسب المبيع، ناهيك بالوضع الاقتصادي الصعب.
يقول حجازي إن سعر الدزينة من الورد الأحمر، في أسبوع عيد الحب، يراوح بين 40 و60 ألف ليرة لبنانية، تختلف تبعاً لحجم الوردة ونوعها. بينما يبلغ سعرها في الأيام الأخرى 30 ألفاً حداً أقصى. إلا أن هذا الارتفاع الملحوظ في السعر لا يصب في مصلحة البائع، وفق حجازي، بل إنه ضحيتها أيضاً. إذ يحتكر تجار هولندا سوق الأزهار ويرفعون أسعارها. ويشير إلى أن سعر الورد يختلف وفق المنطقة، فيرتفع في وسط بيروت سعر الدزينة إلى مئة دولار، وينخفض في الضواحي، ويميل إلى الانخفاض أكثر في المدن الأخرى.


آراء متباينة
يجزم أصحاب محال الأزهار أن فئة الشباب هي الأكثر شراءً للورود، وتالياً الأكثر احتفالاً بعيد الحب، إلا أن جولة سريعة بين الشباب تظهر مدى تباين آرائهم بشأن هذا اليوم وطقوسه. يعتبر علي طالب (27 عاماً) أن عيد الحب هو يوم كغيره من الأيام، إلا أنه يفضل تمضيته مع حبيبته، لما في المطاعم والطرقات من أجواء معبرة عن الحب والعاطفة.
أما حنين (22 عاماً) فتقول "أعمل في فندق وأفهم الاستراتيجيات المتبعة. هذا العيد هو خدعة تجارية بحتة لكسب المال وتنشيط عمل الفنادق والمطاعم، ذلك أن هذه الفترة التجارية (ما بين رأس السنة وعيد الفصح) تشهد حركة بيع واستهلاك ضعيفة". يأتي ذلك مخالفاً لرأي هبة مصطفى (21 عاماً)، التي ترى في عيد الحب فرصة للتعبير عن مشاعرها لمن تحب، وتبادل الهدايا معه. وعند سؤالها عن الهدية المفضلة، تقول إنها تفضل المفاجآت ولو كانت بسيطة، "فالهدية قيمتها معنوية، فقد تكون قطعة شوكولا فحسب".
من جهته، لم يحتفل أحمد مكي (29 عاماً) بهذا العيد سابقاً، إذ إن الدين الإسلامي يحرّمه لغير المتزوجين، إلا أنه يستعد في هذا العيد للاحتفال مع زوجته، "بعشاء في المنزل وهدية من اختيارها". أما نور نعمة (26 عاماً)، فتستعد مع شريكها لسهرة في أحد الملاهي الليلية في مدينة جبيل. وتفضل تمضية ليلة مميزة بـ 60 دولاراً للشخص الواحد على حصولها على هدية.
هل يؤدي الفراغ العاطفي إلى الانتحار؟
تعرّف المعالجة النفسية راغدة محفوظ عيد الحب بأنه "احتفائية حب"، يتم فيها تكثيف المعنى وطرق التعبير عنه. وتؤكد حاجة المرء إلى الحب بسبب مردوده النفسي. "فالطفل هو نصف الدائرة، والنصف الآخر هو حب الأهل والأصدقاء، الذي يشكّل هالة من العاطفة والحماية. وعيد الحب ما هو سوى تجديد لهذه الحالة، التي بدورها تنشىء غلافاً عاطفياً إيجابياً لدى الشخص".
على خلاف ذلك، قد تشكّل هذه المناسبة ضغطاً نفسياً يصل إلى حد اليأس. فقد سُجلّ العديد من حالات الانتحار في هذا اليوم تحديداً. وتعيد محفوظ ذلك إلى دوافع كامنة لدى الشخص، وإلى مشاعر يأس تهب كعاصفة في يوم رمزيّ، تفضي به إلى إنهاء حياته.
وتختم أن المغرمين يعيشون هذا اليوم في نيرفانا عالية، أما من يفقد الارتباط بشريك فيعيش حالة الخسارة الكبيرة، التي قد يرافق الاكتئاب، وفي بعض الأحيان تصل إلى الانتحار.
من جهة أخرى، قد يرتبط الاكتئاب بضغط مصطنع أطلقه الفكر التجاري، إذ ربط عيد الحب بالقيم المادية في ظل عجز معظم الشباب اللبناني عن تلبية مستلزماته. وتبيّن محفوظ أن الوردة، مثلاً، خرجت من نطاق الطبيعة ودخلت الباقة، مقابل أسعار باهظة. ولم تكتفِ الميول التجارية بذلك، بل جعلت من المناسبات الروحية فرصاً لتحقيق الربح، كفكرة "بابا نويل" في عيد الميلاد مثلاً.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024