منذ 7 سنوات | العالم / almonitor

شهدت ديار بكر في الأشهر الاثني عشر الماضية حدثين مهمّين مرتبطين بتنظيم الدولة الإسلاميّة ("داعش").

ففي 5 حزيران 2015، أدّى انفجار قنبلة في مسيرة خاصّة بحزب الشعوب الديمقراطيّ الموالي للأكراد إلى مقتل أربعة أشخاص.

وفي 26 كانون الأول، داهمت القوى الأمنيّة 17 موقعاً يستخدمه "داعش". وفي اشتباك في أحد تلك المواقع، لقي شرطيّان اثنان وسبعة مقاتلين من "داعش" حتفهم، وتمّ اعتقال أشخاص كثيرين.

وفتح المدّعي العام في ديار بكر تحقيقاً في الحادثتين. وحصلت مديريّات الأمن والمحاكم في ديار بكر وبينغول وغازي عنتاب وأديامان على وثائق مؤلفة من 15 ألف صفحة، بما في ذلك محفوظات خاصّة بـ "داعش". وتكشف هذه الوثائق، التي راجعها "المونيتور"، نواحٍ جديدة من "داعش" وتكتيكاته ونظرة الدولة إليه.

لقد تلقّت الشرطة إبلاغاً قبل ثمانية أّيام من تنفيذ المداهمات على مخابئ الخلايا التابعة لـ "داعش" أوصلها إلى أكبر عدد من محفوظات التنظيم تمّ ضبطه حتّى اليوم. وداهمت الشرطة مواقع عدّة بعد تحقّقها من صحّة الإبلاغ. وعثرت في أحد أجهزة الكمبيوتر التي ضبطتها على وثيقة باللغة العربيّة مؤلفة من 2850 صفحة. وتضمّنت الوثيقة تصاريح لزعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي، ومشاهد من عمليّات إعدام طلب "داعش" من أطفال تنفيذها. وأثناء المداهمات، فتّشت الشرطة أيضاً سيّارة زعيم التنظيم في ديار بكر، نيهات توران، وعثرت فيها على وثيقة من 384 صفحة تضمّنت معلومات عن وسائل المراقبة والوسائل الاستخباراتيّة التي يستخدمها "داعش".

وتمكّنت الشرطة، بفضل وثيقة عثرت عليها في أحد المخابئ في ديار بكر، من الحصول على معلومات مهمّة حول الوسائل التي يستخدمها "داعش" ضدّ القوّات الأمنيّة التابعة للدولة. فقد كشفت ملاحظات دوّنها مقاتل ملقّب بحمزة كيف يجمع المقاتلون المعلومات الاستخباراتيّة وينفّذون عمليّات المراقبة المباشرة. فجاء في الملاحظات مثلاً أنّ "المراقبة العلنيّة تحبط عزيمة العدوّ، وتعطّل عمله، وتجبره على كشف نفسه. من الأفضل ابتكار سيناريوهات تجبر الهدف على الكشف عن نفسه. لا ينبغي التحدّث في المقاهي والأماكن العامّة الأخرى التي يمكن أن تكون مزوّدة بأجهزة تنصّت".

وتلقّى المقاتلون أيضاً تعليمات عن الإشارات غير الشفهيّة التي يمكن استخدامها أثناء المراقبة. فقد جاء في الملاحظات نفسها: "يمكنكم ارتداء نظّاراتكم أو نزعها، وتنظيف أنوفكم، ووضع أيديكم في جيوبكم، وخلع معاطفكم، وربط أشرطة أحذيتكم، وتزرير معاطفكم". وتضمّنت الملاحظات نصائح إلى المقاتلين بالابتعاد عن الأماكن المضاءة في الليل وبتوخّي الحذر عند عبور الأبواب المفتوحة والزوايا. وجاء فيها: "ينبغي أن تتمكّنوا من تغيير شكلكم الخارجيّ أثناء المراقبة".

وتتضمّن الوثائق التي عثرت عليها الشرطة في سيّارة توران تعليمات حول استخدام الهواتف الخليويّة، وأهميّة السريّة، وتفادي استعمال الأسماء الحقيقيّة، وضرورة وضع لائحة كلمات رمزيّة. وتدعو المقاتلين إلى دراسة الطرق التي تستخدمها القوى الأمنيّة لجمع المعلومات الاستخباراتيّة وتنفيذ عمليّات المراقبة الفنيّة. وتشدّد على ضرورة استبدال الهواتف كلّ شهرين، واستخدام الرموز عند إجراء الاتّصالات.

قام "داعش" بتنظيم عمليّة تحضير "غرف آمنة" يمكن عقد الاجتماعات فيها بسريّة تامّة، وطلب من المقاتلين تفادي التجوّل في المناطق المزوّدة بكاميرات مراقبة. فقد جاء في الوثائق: "احذروا التواصل من مقاهي الانترنت. اجتمعوا في أماكن لا يمكن تعقّب أثركم فيها".

ومن أكثر الأسئلة التي تُطرح عن "داعش" سؤال يتعلّق بموارده البشريّة. كيف يجد التنظيم عدداً كبيراً من الأشخاص للانضمام إلى صفوفه؟ بحسب الوثائق، فتحت الشرطة تحقيقاً في محافظة بينغول، وهي من المحافظات التي تؤمّن أكبر عدد من المقاتلين لـ "داعش"، واعتقلت عشرة أشخاص. وقالت الشرطة، في التقرير الذي رفعته إلى المدّعي العامّ بعد العمليّة، إنّ أشخاصاً مرتبطين بمجموعات في سوريا أسّسوا منظّمة غير حكوميّة تدعى "إصلاح-در"، وإنّ معظم الأنشطة يتمّ تنفيذها تحت غطاء هذه المنظّمة. وكانت الاجتماعات تُعقد تحت ستار الدين، ويتمّ في خلالها إقناع المشاركين بالانضمام إلى الجهاد، ثمّ إرسالهم إلى سوريا عبر قنوات غير شرعيّة حيث ينضمّون إلى "داعش".

ودرست الشرطة أيضاً شكاوى العائلات التي أبلغت عن أفراد منها مفقودين بين العامين 2014 و2015. وقيل إنّ معظم المفقودين تردّدوا إلى "إصلاح-در" قبل اختفائهم. وجاء في تقرير الشرطة إنّ "داعش" نظّم نزهات باذخة في البريّة لاجتذاب مقاتلين جدد.

وبعد عمليّة ديار بكر التي أدّت إلى مقتل سبعة مقاتلين من "داعش"، أرسلت الشرطة تقريراً من 78 صفحة إلى المدّعي العامّ تضمّن معلومات مفصّلة وتحذيرات بشأن هيكليّة تنظيمي "القاعدة" و"داعش" في تركيا. وجاء في التقرير إنّ عدد المواطنين الأتراك الذين يشاركون في الاشتباكات ويضطلعوان بأدوار فاعلة في الهجمات الانتحاريّة يرتفع. وأشار التقرير إلى أنّ تركيا تتحوّل، تماماً كما حصل في الدول الغربيّة، إلى هدف رئيسيّ بالنسبة إلى "القاعدة" والمجموعات المرتبطة بها و"داعش". وشدّد التقرير على ضرورة عدم الاستخفاف بقدرة المنظّمات في سوريا على تنفيذ هجمات في تركيا.

وأشار أيضاً إلى أنّ المجموعات الإسلاميّة المتشدّدة لديها تأثير كبير على الاشتباكات المستمرّة في سوريا، وحذّر من أنّ تركيا قد تواجه أوقاتاً عصيبة أكثر مع تكثيف تلك المجموعات جهودها لإيجاد مقاتلين جدد وتنظيم الدعم اللوجستيّ من تركيا. وكشف التقرير عن ازدياد عمليّات نقل الأموال والأشخاص من تركيا.

وبحسب معلومات استخباراتيّة، يدعى أمير "داعش" في تركيا خالص بايانجوك، وهو معروف أيضاً باسم أبو حنظلة. وقد تمّ اعتقاله في فترة من الفترات، ثمّ إطلاق سراحه. وكان والده، حاجي بايانجوك، مسؤولاً رفيع المستوى في حزب الله في تركيا. وخالص بايانجوك هو كبير المسؤولين عن المجموعات المتشدّدة في ديار بكر، التي تعمل في أربعة مواقع رئيسيّة هي مدرسة/مسجد، وقاعة التقوى للتعليم والقراءة، ومكتبة "توحيد"، وصالة دار الأرقام للقراءة. وتركّز هذه المواقع على هداية الشباب غير المتديّنين وضمّهم إلى صفوف التنظيم.

ومن أهمّ المعلومات التي كشفتها القوى الأمنيّة من خلال التنصّت الهاتفيّ شبكة النقل واللوجستيّات الخاصّة بـ "داعش". وبحسب هذه المعلومات، يعمل النظام بالطريقة الآتية: من يريدون المجيء إلى أراضي "داعش" عليهم الحصول على مرجع أو "تزكية" من أحد أمراء التنظيم. ويرسل الأمير لاحقاً أسماء هؤلاء الأشخاص إلى الوحدات الجمركيّة التابعة لـ "داعش" من أجل تنظيم عمليّة العبور الحدوديّ. ويطلب الأمير من المجنّدين المحتملين الذهاب إلى غازي عنتاب بالطائرة أو بالحافلة. وترسل الوحدات الجمركيّة أسماء الأشخاص الذين سيأتون إلى الأمير المسؤول عن الحدود، إلهامي بالي. وهنا يأتي دور شبكة النقل التي أسّسها بالي عند محور غازي عنتاب-كلس-الرقة. فالجهاديّون يتصّلون ببالي بعد وصولهم إلى غازي عنتاب، ويطلب منهم بالي أن يستقلّوا سيّارة أجرة ويتوجّهوا إلى نقطة تجمّع يحدّدها التنظيم. في هذه المرحلة، يجتمع الوافدون الجدد بضابط اتّصال يقتادهم إلى بيوت للزوّار تابعة لـ "داعش" في غازي عنتاب وكلس. ويتمّ أخذ أيّ مقتنيات شخصيّة يمكن أن تعيق عمليّة العبور الحدوديّ، والاحتفاظ بها في مستودع لم يحدَّد موقعه بعد. ثمّ يرسل بالي أحد سائقي الأجرة التسعة الذين يعملون لحسابه كي يوصل الجهاديّين وعائلاتهم إلى نقطة التجمّع الثانية في بلدة ألبيلي. ويتقاضى سائقو الأجرة 40 ليرة تركيّة مقابل الجهاديّ الواحد. ويعبر الجهاديّون الجدد الحدود بمساعدة مهرّب يدعى حسين هانو.

ووجدت الشرطة أنّ النساء يرسَلن إلى نزل للنساء يخضع لسيطرة دنيز بويوكتشيليبي الملقّب بأبو انس، فيما يرسَل الرجال إلى مخيّم في تل أحمر. ويُسمح للوافدين الجدد بإحضار حقيبتين اثنتين على الأكثر للشخص الواحد. أمّا المقتنيات التي يتمّ الاحتفاظ بها في البداية في مستودع في تركيا فتُرسل لاحقاً إلى تل أحمر.

هناك طبعاً بعض الوافدين الذين يعودون إلى تركيا. ويتمّ تطبيق نظام مماثل من أجل مساعدتهم على عبور الحدود. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها تركيا، تستمرّ عمليّات العبور الحدوديّ هذه. كيف؟ تقول الشرطة إنّ التنظيم يتقصّد أن يتزامن توقيت عمليّات العبور الحدوديّ مع توقيت تناوب عمل المركبات المصفحّة على الحدود.

ويقدَّر أنّ بالي نظّم حتّى اليوم عبور أكثر من 15 ألف شخص. ويتقاضى سائقو الأجرة العاملون لحسابه ما بين 500 و600 بيرة تركيّة (196-163 دولاراً) في اليوم.

وكشف إرسين جيليك الملقّب بأبو موسى، وهو المسؤول الرسميّ في "داعش" عن الشؤون التكنولوجيّة، معلومات جديدة بعد إلقاء القبض عليه في غازي عنتاب. فقال إنّ "داعش" يحاول صنع قنبلة هيدروجينيّة ويخطّط لتنفيذ هجمات بواسطة طائرات نموذجيّة يتمّ التحكّم فيها عن بعد في تركيا. وأتى جيليك إلى تركيا للمرّة الأولى سنة 2014 لشراء طائرات نموذجيّة ثمّ غادر. وتمّ اعتقاله بعد عودته إلى تركيا.

وأعدّت شرطة أديامان تقريراً آخر مثيراً للاهتمام حول "داعش" جاء فيه أنّ الكثير من الأشخاص الذي اعتُبروا في عداد المفقودين انضمّوا إلى منظّمات متشدّدة في سوريا. ومن بين هؤلاء أورهان غوندر الذي نفّذ الهجوم ضدّ مسيرة حزب الشعوب الديمقراطيّ في غازي عنتاب. وحذّرت الشرطة من أنّ هؤلاء الأشخاص قد يشكّلون خطراً على تركيا بعد عودتهم.

وكشف المدّعي العامّ الذي ينظر في قضيّة مداهمات الشرطة على مخابئ "داعش" في ديار بكر أنّ "داعش" أرسل 15 انتحاريّاً أجنبيّاً إلى تركيا. وتوقّع أن يستهدف هؤلاء المفجّرون أنشطة لمجموعات مرتبطة بحزب العمّال الكردستانيّ، وأن يكونوا مختبئين في ملاجئ لـ "داعش" في ديار بكر.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024