منذ 7 سنوات | العالم / Huffington Post

في مناظرة رئاسية مريرة وخالية من المتعة استمرت 90 دقيقة، انقض كل من دونالد ترامب وهيلاري كلينتون على أحدهما الآخر بضراوة تليق بمسلسل "صراع العروش"، في مشهد كنا لنستمتع بمشاهدته فقط لو كان يحدث في الكرملين. وبدا الأمر أن ترامب، مدركاً أنه لن يفوز بالمنصب الرئاسي، قرر أن يجعل المنصب ذاته لا يستحق الفوز به.

لقّب ترامب كلينتون بالكاذبة، و"امرأة بغيضة"، وشخص "لم يكن يجب السماح له بالترشح أبداً" لأنها مخادعة.

وفي المقابل، وصفته كلينتون بأنّه كاذب أيضاً، ومتحرش جنسي، و"دمية" يحركها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين و"أكثر المرشحين الرئاسيين خطورة في العصر الحديث"، وفقاً لما نشرته النسخة الأميركية لـ"هافينغتون بوست".

"سأبقيكم مترقبين"

وفي الليلة السابقة، رفض ترامب الإفصاح ما إن قرر قبول النتائج في ليلة الانتخاب إذا خرج منها خاسراً، وهو المحتمل إن لم يكن حتمياً بالفعل.

قال بمرح "سأنظر في الأمر وقتها فقط، سأبقيكم مترقّبين حتى اللحظة الأخيرة".

وردّت كلينتون: "هذا مروّع، عندما تتذمر بهذه الطريقة، يعني هذا أنك لست مناسباً للوظيفة".

حمل تهديد ترامب غير المسبوق بنشر الفوضى بدلاً من التسليم بالهزيمة علامات مخيفاً، وقد ينذر ببداية حملة شعبية مستمرة في المستقبل الوشيك لتحدي شرعية الحكومة الأميركية.

وبالتالي، كان مناسباً أن تنتهي السلسلة الدنيئة، والخالية من أي تثقيف أو معلومات فعلية، من المناظرات الرئاسية هنا في لاس فيغاس، مدينة بُنيّت على تجميل أدنى جوانب الحياة الأميركية.

وكما أسرّت كلينتون بنفسها لأصدقاء من دائرتها المقربة، قد تكون فعلاً في طريقها للفوز بالانتخابات، لكن لم تكن هذه الانتخابات التي أرادت خوضها، ولا الطريقة التي أرادت الفوز بها.

البلاد تفرّقت

قد تفوز كلينتون في الانتخابات باكتساح، لكن هذا لن يوحّد البلاد مجدداً. وقد يحصل الديمقراطيون على مقاعد أكثر في مجلس الشيوخ وفي البيت الأبيض، لكن حتى هذا لن يعطينا جبهة متحدة في واشنطن ومستعدة لإنجاز المهام.

تهدم العملية الانتخابية الحالية إيماننا بنظام الحكومة، العملية ذاتها التي تُعَد طقساً لتجديد هذا النظام.

ولم يتوقع أحد من مناظرة أمس الأربعاء أن تؤثر في المسار المحتوم للسباق الانتخابي.

لا ترامب، ولا مذيع قناة فوكس الإخبارية، ولا مدير المناظرة كريس والاس كان بإمكانهم الدفع بكلينتون لارتكاب خطأ دراماتيكي يغير مسار الانتخابات بأكملها أو التعرّض لانهيار شخصي مفاجئ.

ورغم تعرضها لضغط سببته مشاكل الإيميلات المسرّبة لحملتها الانتخابية، لكنها ردّت الهجوم بإلقاء لوم حدوث التسريبات على تورّط شخصي من بوتين.

ابتلع ترامب الطعم ومدح بوتين باستمرار، وهو أغنى وأكثر رعاة النشاط الإرهابي نفوذاً في العالم.

وفي المقابل، لم يتحوّل ترامب في المناظرة الأخيرة للسياسي العقلاني الذي لا يراه أحد فيه. وكأن مدح بوتين لم يكن كافياً، بل ذهب إلى حد أبعد بالقول إن الرئيس السوري بشار الأسد "رجل سيئ" لكنه يظل أفضل آمالنا في المنطقة.

أما بقية الحوارات عن الضرائب، والهجرة، والاقتصاد وباقي القضية لم تكن أكثر من إلقاء كل من المرشحين لنكات من سطر واحد واتهامات قالوها مراراً وسمعتها البلاد مسبقاً.

وكانت أفضل لحظات كلينتون في المناظرة في دفاعها عن التسامح واحترام المرأة والأشخاص من كل الديانات والانتماءات العرقية.

وحقيقة أن هذا الدفاع بدا كرأي سياسي – وليس شيئاً يجب الإجماع عليه - تكشف لنا كم جرّ ترامب بهذه الحملة الانتخابية إلى الوحل.

كانت هذه الحقيقة الكئيبة سبب امتناع كلينتون وضع أهداف أعلى لنفسها في المناظرة. فبدت منزعجة ولم تجد الفرصة – أو ربما الطاقة الانفعالية الكافية - للتحدث عن قضايا ملهمة أخرى.

وأثناء تعرضها لهجوم مستمر، اختارت كلينتون الهجوم بالمثل أو بشراسة أكثر، وما أظهرته في ذلك كان استعداداً من جهتها لقبول فوز مبنيّ بالأساس على رفض لترامب بدلاً من دعم شعبي لها.

وفي هذه الأثناء، يبدو ترامب متحمساً لإسقاط أجزاء من النظام بقدر ما يستطيع، وبالتالي يحقق ما لم يستطع الاتحاد السوفييتي تحقيقه، وهو تقويض إيمان الأميركيين بحكومتهم.

تضع وكالات التحقيق الأميركية شكوكاً قوية بمسؤولية حلفاء لبوتين عن اختراق حسابات البريد الإلكتروني حملة كلينتون الانتخابية. فقد كُشِف فيضان من الإيميلات المحرجة إلى العامة أعطت البلاد أدلة أكثر على الجانب الميكافيللي للسياسة ومناورات كلينتون الشخصية للوصول للسلطة.

لن يكون هذا كافياً ليجعل ترامب رئيساً. لكنه لن يساعد في استعادة الثقة بالحكومة الديمقراطية الأميركية.

إيماننا بالحكومة هو أهم قيمنا وهو أيضاً هدف بوتين الأول. وقد أصبنا هذا الهدف في مقتل ليلة الأربعاء الماضي في لاس فيغاس.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024