ساعد التفاوت الاقتصادي والاجتماعي وانعدام المساواة في مصر على إشعال الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك منذ 5 سنوات. ويعاني الاقتصاد حاليا تدهوراً هائلاً، حيث تتزايد حدة الغضب في الدولة العربية الأكبر من حيث تعداد السكان.

وينتشر نقص الغذاء وترتفع الأسعار إلى حد كبير. ويزداد أعداد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر، بينما يظل معدل البطالة مرتفعاً، خاصة بين الشباب. فهناك أزمة حالية، حيث تتراجع ثقة المستثمرين، رغم تدفق مساعدات تبلغ قيمتها مليارات الدولارات واستثمارات هائلة قادمة من دول الخليج العربي.

تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، الأربعاء 19 أكتوبر/تشرين الأول 2016، عن أحمد سليمان، صانع الأحذية البالغ من العمر 31 عاماً، قوله: "لا نجد السكر والأرز والعديد من الأغذية الأخرى. وحينما نجدها لا نستطيع سداد أسعارها. فلم نعد نشتريها مثلما كنا نفعل في الماضي".

وأضاف: "كلما ازدادت الضغوط، سيكون الانفجار أكبر".

وليس معروفاً حتى الآن ما إذا كانت المشكلات الاقتصادية المزمنة في مصر ستؤدي إلى اندلاع ثورة اجتماعية أخرى. والواضح أن الإحباط من حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي يشعر بها كافة طوائف المجتمع.

ولا تؤثر تلك الفوضى على الفقراء فحسب، بل على الطبقة المتوسطة إلى حد ما وعلى الأثرياء أيضاً. وكتب عضو البرلمان السابق مصطفى النجار، الذي يكتب مؤخراً بصحيفة "المصري اليوم" اليومية المستقلة: "نمر بمرحلة صعبة تشعر بها كل أسرة مصرية. والدولة مسؤولة عن التضامن الاجتماعي. أتمنى أن يلطف الله بالمصريين".

وأدت السياسات الاقتصادية المتحررة في مصر خلال السنوات السابقة لثورة 2011 إلى ازدهار النشاط التجاري وحققت الدولة معدل نمو سنوي يبلغ في المتوسط 7%، ومع ذلك، أخفق مبارك في مواجهة الفقر المتفشي والفساد الحكومي وارتفاع معدل البطالة والافتقار إلى توفير فرص عمل للشباب، وهي الأسباب التي ذكرها البعض كمبرر لاندلاع الثورة.

وبعد أن أُجبر مبارك على الابتعاد، تم انتقاد الحكومة الإسلامية المنتخبة للرئيس محمد مرسي بقسوة أيضاً لعدم قدرتها على التعامل مع الملف الاقتصادي والإخفاق في تضييق فجوة التفاوتات الاجتماعية، حيث سعى وراء إحكام السيطرة من الناحية السياسية. وتعهد السيسي، الجنرال العسكري الذي تولى سدة الحكم بعد الإطاحة بمرسي، بإجراء تعديلات اقتصادية وتحسين حياة المواطن المصري.

المؤشرات الاقتصادية المحبطة

وترتفع اليوم نسبة التضخم إلى أعلى معدلاتها منذ سنوات. وهناك نقص هائل في العملات الأجنبية اللازمة لإجراء المعاملات التجارية الدولية. ويعيش نحو ربع تعداد سكان مصر البالغ 94 مليون نسمة تحت خط الفقر. ويصل المعدل الرسمي للبطالة إلى 13%، و3 أضعاف هذه النسبة من الشباب المصري.

أدت المؤشرات الاقتصادية المحبطة إلى إجبار الحكومة على السعي وراء الحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. ويأتي برنامج القرض مصحوباً بإجراءات تقشفية مشددة تزيد من تفاقم أزمات المصريين خلال الشهور والسنوات القادمة.

وذكر السيسي في لقاءات له مع 3 صحف قومية خلال عطلة نهاية الأسبوع أن الإجراءات التي يتخذها "حتمية لإنقاذ الوضع الاقتصادي".

وأضاف: "إننا في عنق الزجاجة وسنخرج منه؛ ولكن إذا كنا نريد الخروج، فلابد أن نتخذ قرارات صعبة ونتحمل تلك القرارات ونصبر عليها وسوف تكون النتائج عظيمة في الأيام القادمة للأجيال القادمة".

ويمكن أن ترجع المشكلات الاقتصادية في البلاد بصفة جزئية إلى انهيار صناعة السياحة والمخاوف المتعلقة بالإرهاب. وقد تراجعت أعداد السياح الوافدين إلى مصر في أعقاب إسقاط طائرة الركاب الروسية في العام الماضي فوق شبه جزيرة سيناء على يد أتباع تنظيم الدولة الإسلامية في مصر وحادث طائرة مصر للطيران الغامض فوق مياه البحر المتوسط هذا العام.

انهيار السياحة

وفي أعقاب انهيار السياحة التي تمثل المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية، جاء حادث تعذيب ومقتل الطالب الإيطالي في القاهرة هذا العام ومصرع السياح المكسيكيين عن طريق الخطأ على يد قوات الأمن المصرية في سبتمبر/أيلول 2015.

ومع ذلك، فقد ألقى المنتقدون اللوم على السيسي أيضاً بسبب المشروعات العملاقة التي أنفق عليها المليارات من المساعدات وأموال دافعي الضرائب. وتتضمن توسعة قناة السويس، التي أخفقت في زيادة عائدات القناة، فضلاً عن خطط إنشاء عاصمة جديدة بالصحراء على غرار إمارة دبي. وقد اقترح أيضاً إنشاء جسر يربط مصر بالسعودية، إلا أن ذلك واجه احتجاجات وتداعيات قانونية بعدما قرر السيسي إعادة جزيرتين بالبحر الأحمر إلى المملكة العربية السعودية.

وذكر السيسي: "أنا المسؤول عن هذه الدولة وعن حمايتها ومستقبلها ومستقبل أبنائها. ولو كنت أسعى وراء تحقيق مصالحي الشخصية فهناك أمور كثيرة ما كنت لأفعلها".

حي الجمالية الفقير

تتزايد حدة الإحباط في حي الجمالية الفقير، حيث نشأ السيسي. ويشكو الزبائن في السوق المركزي من ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز حيث تظل رواتبهم كما هي دون تغيير. فقد أدى انخفاض قيمة العملة إلى ارتفاع أسعار البضائع المستوردة التي تعتمد عليها مصر إلى حد كبير. وقد أغلقت العديد من المتاجر والشركات أبوابها.

وذكر أحمد محمد البالغ من العمر 29 عاماً الذي يمتلك أسطولاً من الشاحنات: "كنت أقوم بتحميل شاحناتي الأربع بالبضائع من أجل توصيلها إلى الصعيد والمناطق الريفية. والآن لا يمكننا تحميل نصف شاحنة. لم يعد الناس يستطيعون شراء أي شيء".

وأشار مالك أحد متاجر الحلي والذهب إلى "أن الناس هنا لا يبالون بمن يكون الرئيس. بل يهتمون فقط بالعمل والربح في ظل رئاسة أي شخص. كنت أجني أموالاً أكثر منذ 3 سنوات".

واستطرد: "من يستطيع شراء الذهب الآن؟"، واشترط عدم ذكر اسمه خشية أن يستهدف اللصوص أو رجال الشرطة الفاسدين متجره. "الناس لا يكادون يستطيعون شراء الطعام حالياً".

هل تندلع ثورة شعبية جديدة؟

دعت بعض مجموعات النشطاء بصورة علنية إلى التظاهر جراء تدهور الوضع الاقتصادي في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، المعروف إعلامياً باسم 11/11.

واستبعد السيسي خلال لقاءاته إمكانية اندلاع ثورة شعبية أخرى. وقال: "المصريون لديهم وعي أكبر مما يتصوره أحد. وكل هذه الجهود التي تبذلها العناصر المناهضة للدولة وأهل الشر مصيرها الفشل".

ومع ذلك، قال سليمان إن الاحتجاجات "ستمنح الناس الفرصة للتنفيس عن الضغوط التي يعانون منها وربما تمنحهم أملاً في المستقبل".

وأضاف أنهم على الأقل سيرسلون رسالة إلى السيسي.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024