منذ 7 سنوات | حول العالم / وكالات

ترقص نساء بلباس ذهبي على أنغام موسيقى تقليدية أمام رجال يجلسون على الأرض حولهن ويحركون أيديهم، في مشهد يبدو مألوفاً في جزيرة بالي المعروفة بحفاظها على التقاليد القديمة، لكنّ المشاركين جميعهم في عرض بنغكالا هم من الصم.

وهم تمرنوا على هذا العرض أشهراً عدة في هذه البلدة الواقعة في شمال الجزيرة الأكثر استقطاباً للسياح في إندونيسيا، والتي تضم منذ أجيال أعداداً كبيرة جداً من الصم وضعفاء السمع بسبب انتشار جينة محوّرة. ويعاني من الطرش 40 شخصاً من سكان المنطقة المقدر عددهم بـ3 آلاف. لكن خلافاً للحال السائدة في مناطق أخرى من البلاد حيث قد تعاني هذه الفئة من السكان تهميشاً كبيراً، ينخرط الصم في شكل جيد في نشاطات بلدة بنغكالا.

فإضافة إلى رقصة الصم القائمة على إيقاعات قوية جداً، طوّر السكان لغة إشارات خاصة بهم تعرف بـ «كاتا كولوك» هي محور بحوث عند علماء.

ويخضع الصم وضعفاء السمع في هذه البلدة لدورات خاصة يتدربون خلالها على صنع قطع حرفية تباع في المواقع السياحية في الجزيرة، أو على العمل في حقول الرز. ويتساءل كيتوت كانتها الذي يدير مجموعة من القرويين تمد يد العون: «لمَ نبذ الصم؟ لا أريد ذلك في بلدتي».

وتعد المقاربة المعتمدة في بنغكالا إزاء هذه الظاهرة فريدة من نوعها في بلد غالباً ما يتعرض فيه ذوو الحاجات الخاصة للتمييز ويقيد فيه أصحاب الأمراض العقلية بالسلاسل في مراكز رعاية نفسية بطريقة غير شرعية، وفق التقرير الصادر هذه السنة عن منظمة «هيومان رايتس ووتش».

وبعيداً من المجمعات الفندقية في جنوب الجزيرة، تشبه الحياة اليومية في بنغكالا النمط السائد في بلدات إندونيسية عدة مع سكان يعيشون على الكفاف من زراعة الرز ومستوى تعليم منخفض نسبياً.

وفي الماضي، كان يظن أن العدد المرتفع للصم وضعفاء السمع في البلدة نتيجة لعنة، لكن تلك الخرافات والأحكام المسبقة اندثرت عندما خلص علماء إلى أن هذه الإعاقة ناجمة عن انتشار جينة معيبة في المجتمع المحلي. ولم تبدأ جهود إدماج هذه الفئة من السكان إلا في ستينات القرن العشرين.

ويعامل الجميع اليوم على قدم المساواة، على حد قول زعيم البلدة آي مايد أربانا الذي يضيف: «لا نميز بين السكان الصم وهؤلاء غير الصم»، مشيراً إلى أن البلدة لا تقبل بأن يشعر سكانها المصابون بهذه الإعاقة بأنهم «أدنى مستوى».

وشكل اعتماد لغة إشارات فريدة من نوعها عنصراً أساسياً لضمان هذا التعايش الفرح. ويستخدم هذه اللغة 80 في المئة من السكان تقريباً. وهي تختلف عن تلك المعتمدة دولياً أو حتى في إندونيسيا، إذ إن إشاراتها تعكس مفهوم السكان المحليين للعالم.

وتضم مدرسة ابتدائية 77 تلميذاً من الصم وغير الصم يتعلمون هذه اللغة المحلية ويتدربون أيضاً على لغة الإشارات العالمية وتلك الإندونيسية. لكن ما من مدارس ثانوية توفر هذا النهج التعليمي، ما يدفع كثراً إلى التخلي عن الدراسة.

كما أنه ليس دوماً من السهل تعليم الصم الذين يستاؤون بسرعة، على حد قول المدرس آي مايد ويسنو. لكن عزم زعيم القرية ثابت كالصخر لا يضعف في وجه هذه التحديات ولا يدّخر جهداً للحفاظ على هذه البيئة الفريدة للصم في العالم، باعتبار أن التخلي عنها أشبه بـ «الخطيئة».

ولعل رقصة الصم هي خير دليل على ذلك، وباتت تستقطب الزوار الأجانب إلى هذه البلدة النائية للزارعة في النفوس الأمل في مستقبل أفضل.



أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024