منذ 7 سنوات | العالم / Huffington Post

قضية اللاجئ السوري جابر البكر المشتبه بتخطيطه لتفجير قنبلة، أعيت النقاد في أي الأخطاء التي ارتكبتها السلطات الألمانية كان الأشنع؟

تتساءل صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، الخميس 13 أكتوبر/تشرين الأول 2016، عن الأخطاء الجمّة والجسيمة المرتكبة طول أوروبا وعرضها فيما تتوالى إخفاقاتها في مكافحة الإرهاب. قضية جابر البكر مؤخراً أقامت الدنيا وأقعدتها في ألمانيا، فهل كانت الغلطة الكبرى تواني مسؤولي الشرطة عن مراقبته لدرجة استرعت انتباه جيرانه لكثرة التراخي فيها؟ أم لعل الخطأ الفادح كان قعودهم عن مطاردته والتفرج عليه يلوذ بالفرار بدلاً من تعقب أثره غداة اقتحمت القوات الخاصة منزله السبت الماضي؟

سلسلة أخطاء السلطات توالت الواحدة تلو الأخرى حتى انتهت في قاع الحضيض بالعثور على البكر منتحراً، والأدهى أن انتحاره جاء بعد أيام من تثبت السلطات من أن المشتبه به لن يقدم على الانتحار، حيث قال وزير العدل في ولاية ساكسونيا الألمانية الشرقية، سيباستيان غيمكو، يوم الخميس: "لم تكن احتمالية إقدامه على الانتحار خطرة".

"نيويورك تايمز" ذكرت على لسان رالف جيكوب، مدير سجن لايبزيغ، أن الطبيب النفسي الخاص بالسجن كان قد فحص البكر وخلص إلى أنه هادئ ولا خطورة أو مخاوف من إقباله على الانتحار، وهي أقوالٌ بثتها القنوات الإعلامية الألمانية مباشرة على الهواء من مؤتمر صحفي تحدث فيه جيكوب.

جيكوب أضاف أن سلطات السجن كانت بدايةً قد قررت تفقد السجين كل ربع ساعة، ثم مددت الفترة إلى كل نصف ساعة يوم الأربعاء، لكن إحدى السجانات قررت بالصدفة تفقد السجين بعد ربع ساعة من جولة التفقد الأخيرة التي كانت الـ7:30 مساء الأربعاء، لتفاجأ به قد شنق نفسه بقميصه وبمساعدة قضبان في زنزانته. وعبثاً حاول الأطباء الشرعيون إنعاشه قبل إعلانه ميتاً في الساعة 8:15 مساء.

كما عثرت السلطات في شقة جابر البكر في شمنتيز على 1.5 كيلوغرام من مادة TATP أو تراي أسيتون تراي بيروكسيد التي استخدمها منفذو اعتداءات باريس وبروكسل، وقالت إنه كان في مرحلة متقدمة من الإعداد لتنفيذ هجوم وشيك.

ويرى المسؤولون عن الغلطة أن الذنب ليس ذنبهم في إقدامه على الانتحار، لكن الخبراء والسلطات من الدول الأخرى صدرت عنهم ردود فعل مذهولة من الأخطاء المريعة التي شانت سير عملية مكافحة الإرهاب، حسبما ذكرت صحيفة The Washington Post الأميركية.

ففي ألمانيا كثرت الأخطاء وتوالى ارتكابها تباعاً حتى بات الكل يتساءل هل هو مجرد حظ ألمانيا -ليس إلا- الذي حال دون تعرضِها في الأشهر الأخيرة وحتى اللحظة لاعتداء إرهابي جماعي، يسقط الكثير من الضحايا على غرار نيس وباريس؟

سلطات البلاد تدعي أنها هي التي أحبطت العديد من المخططات، لكن الإخبارية والبلاغ الذي وشى بالبكر وكان الحاسم في كشفه وفضح أمره لم يكن لا من بطولة الأمن ولا من براعتهم، بل الشكر فيه يعود للمخابرات الأجنبية.

أضف إلى ذلك أن مخططات الإرهاب التي نفذت في وقت سابق من هذا العام فشلت في إيقاع الفوضى وإسقاط الكثير من الضحايا ليس بسبب القيادة الحكيمة ولا لتدخل السلطات في لحظات الحسم، بل فشلت بالدرجة الأولى بسبب قلة خبرة منفذي الهجمات.

فألمانيا، مثل غيرها من دول الاتحاد الأوروبي، قليلة الخبرة في التعامل مع منفذي الهجمات الذين تطرفوا دينياً منذ وقت قصير، فلعل السلطات أطول باعاً وأكثر وعياً بالجيل الأقدم من المتطرفين الذين ظهروا أوائل الألفية الجديدة، أما التغيرات والتبدلات التي طرأت على نوعية التهديد، فتعاني السلطات في مواكبتها لأن الجيل الجديد من المهاجمين أغلبهم مجرمون سابقون، ما يجعل الخيط الفاصل بين الجريمة والتطرف أرفع وأدق حتى يصعب تبينه.

في العديد من المرات اتهِم المسؤولون بالمبالغة في ردود الفعل وتهويل الأمر في استجابتهم للبلاغات الكاذبة العديدة، لكن تقاعسهم وتراخيهم كذلك في مرات أخرى لقي انتقادات لا تقل شدة. وهذه مشكلة أقضت مضجع أجهزة الأمن والسلطات الأوروبية شهوراً وشهوراً.

اليونان وفرنسا وبريطانيا: شلال من الأخطاء

كان المشتبه في تنفيذهم اعتداءات باريس في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قد تمكنوا من دخول أوروبا على هيئة لاجئين، ويُزعَم أن السبب هو نقص المعدات التقنية لدى السلطات اليونانية للتحقق من جوازات سفر هؤلاء. أحدهم، عبدالحميد أباعود، الذي كان هدد علناً بالعودة إلى أوروبا وتنفيذ اعتداءات أخرى، بدا أنه تمكن من اجتياز أمن الحدود بين فرنسا وبريطانيا قبل وقوع هجوم باريس بفترة وجيزة.

كذلك تمكن مشتبه آخر هو صلاح عبدالسلام من الهروب من باريس لكنه أوقف في العديد من نقاط التفتيش، ولم تقم الشرطة بإيقافه وقتها لأن السلطات البلجيكية لم تكن أضافت اسمه لقواعد البيانات الأوروبية.

لكن العيوب والأخطاء التي ملأت نظام تشارك المعلومات بين دول الاتحاد الأوروبي ماهي إلا مشكلة واحدة، لأنه حتى ضمن الداخل الفرنسي توجد عدة أجهزة أمنية واستخباراتية تتنافس ضد بعضها البعض، ويرى النقاد أن تحفظها على تبادل المعلومات بين بعضها قبل أو بعد وقوع الهجمات كان العامل الأبرز الذي يسّرَ على المسلحين ضرب ضربتهم واللواذ بالفرار.

بلجيكا وألمانيا.. نقص في الجاهزية

بعد اعتداءات باريس بفترة وجيزة كانت السلطات البلجيكية على موعد مع انتقادات مشابهة، فهذه الدولة الصغيرة وجدت نفسها وجهاً لوجه مع أكبر نسبة متطرفين أجانب لكل نسمة مقارنة بغيرها من الدول الأوروبية، وقد واجهت أجهزة الأمن عقبات وتحديات عديدة في محاولتها مواكبة الوضع والإمساك بزمام السيطرة عليه، وما زالت تحاول ملء أبسط الفراغات والثغرات من مثل شح أعداد الموظفين الناطقين باللغة العربية.

كذلك سقطت ورقة توت أخرى هذا الخميس عن عدم جاهزية ألمانيا وقلة استعدادها حينما عقد مؤتمر صحفي حول انتحار جابر البكر، فقد اتضح أنه لم يكن هناك من مترجم على الإطلاق حينما دخل البكر السجن؛ كذلك قبل عدة أيام واجه اللاجئون السورين صعوبات في التحدث مع الشرطة الألمانية على الهاتف حينما حاولوا شرح أنهم قبضوا على البكر.

أحد المبلغين – واسمه محمد أ - قال لمحطة N-TV الإخبارية الألمانية إنه حينما رأى بياناً عن المطلوب جابر البكر باللغة العربية وأدرك أنه يؤويه في منزله، اتصل برفاقه ليقيدوا البكر ويكبلوه منعاً لهروبه، ثم اتصل بالشرطة، غير أن عجزه عن التواصل معهم بالألمانية دفعه إلى أخذ صورة المشتبه معه على هاتفه والتوجه إلى أقرب مركز شرطة، حيث اضطر للانتظار ساعة كاملة قبل إطلاع الشرطة على صورة المشبته به مقيداً، فاندفعت الشرطة ساعتها للتصرف.

بروكسل.. رد فعل خاطئ إثر الهجوم

شر البلية ما يضحك في قصص الأخطاء والعثرات هذه؛ فقد ثار الدم في عروق البلجيكيين عندما علموا أن خطأ ارتُكِب في إرسال رسالة إلكترونية إلى العنوان الصحيح يوم 22 مارس/آذار، وكان من الممكن لهذه الرسالة أن تمنع حدوث اعتداء محطة مترو أنفاق بروكسل الذي راح ضحيته 14 شخصاً.

فالرسالة الإلكترونية المذكورة كان فحواها أمراً بإغلاق شبكة مترو أنفاق بروكسل، لكن مديرية عمليات شرطة البلاد لم تفلح بإرسال الرسالة إلى وجهتها الصحيحة إلا بعد ساعة كاملة من تعرض مطار المدينة لعدة تفجيرات هزت أرجاءه.

لكن الخيبة المريرة والمخجلة في الموضوع هو أن المديرية بعثت بأوامرها عبر رسالة إلكترونية، حيث إن شبكة الهواتف وأنظمة الاتصال الداخلية جميعها تعطلت بعد الهجوم الأولي على المطار، ما أجبر كافة المسؤولين على التواصل عبر – من سواه؟ - تطبيق واتساب.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024