منذ 5 سنوات | غريبة / اللواء

الصفحة فارغة أمامك، والأفكار كثيرة ومتعددة ولا تعلم من أين تبدأ. وإن بدأت، من سيهتم فعلاً بتجربتك، وهل هي تجربة تستحق الكتابة أو ملهمة للآخرين؟ هذه عينة من التساؤلات التي ترد إلى الذهن عندما يُطالب المرء بكتابة رواية. لكن الأمر ليس مستحيلاً ورعب البداية أمر يمكن ترويضه.

بالفعل، كتابة الروايات أمرٌ مُخيف؛ فعادةً ما تكون طويلةً للغاية ومرهقة، ويمكن أن تبدو وكأنَّها لا نهاية لها. قد يبدو أنَّ العقبة الرئيسية تتمثَّل في بدء الكتابة، ورُعب الصفحة البيضاء الفارغة، لكنَّ العائق الحقيقي يكمن في مكانٍ آخر.

لا يوجد سببٌ في العالم لعدم استطاعتك كتابة رواية، والشيء الوحيد الذي يمنعك من الإقدام على هذا هو نفسك. يبدو الأمر وكأنَّه مُهمةٌ مُستعصية، وعلى أية حال، رُبما تسأل نفسك لماذا قد يهتم أي شخص بما سأكتبه؟ من أنا ليكون لي صوتٌ ورأي؟ افتقار الثقة بالذات هو ما يُشكل العائق الرئيسي، وهو الشيء الأول الذي يتوجب على الكاتب المتعطِّش مُعالجته في كل مرة يهُم بالكتابة.

كتابة الرواية وسيلة للتعبير عن شعور عميق

يدور معنى الكتابة حول استحقاقك ملكية نفسك؛ لكي تُصبح الشخص الذي تعرف أنَّ بمقدوركَ أن تكونه. يكمن الأمر في اعترافك لنفسك والتسليم بأنَّ الكتابة ليست مجرد هواية، بل قوةٌ مُتأصلة في حياتك، شيءٌ يساعدك على الوصول لشعورٍ عميق بالتعبير عن الذات.

الرواية هي أن تترك أثراً في العالم، هي صراخٌ من القلب. لكنَّ سد هذه الفجوة قد ينتج صراعاً. سيتوجَّب عليك دفع نفسك بعيداً عن منطقة راحتك، وأن تكونَ صادقاً تماماً مع نفسك حيال ما يدفعك للكتابة وما تريد أن تكتبه. فأول سؤالٍ تطرحه على نفسك هو: ما الذي أرغبُ في قوله؟

حتى لو كان المضمون حالكاً ومخيفاً

يمكن لدفع نفسك بقوةٍ كهذه أن يُشكِّل تجربةً مُربكة، ومؤلمة حتى. طالبتان في أكاديمية Faber بلندن، كلوي اسبوزيتو و أليس فيني ، وجدتا نفسيهما تكتُبانِ محتوًى حالكاً للغاية ومُربكاً، وهو ما أخافهما بالضرورة.

كانتا مذعورتينِ من الكشف عما خطَّته أيديهما لأي شخصٍ خارج الصف، لكنَّ أستاذهما ريتشارد سكينر حاول أن يثبت لهما أنَّ هذا أمرٌ جيد، وفق ما ذكر في مقاله على صحيفة The Guardian ؛ إذ إنَّه يعني إدراكهما جانباً من أنفسهما لطالما كان مخفياً عنهما.

كانتا تصلان إلى الخبايا الأعمق في العقل؛ المكان الذي تكمن فيه أكثر الأشياء إثارةً للاهتمام. الكتابة الجيدة ليست هي وصف العالم من حولك، إنَّها خلقُ شيءٍ من عدم. وكلتاهما ألفت كُتباً بعدها كانت بين الأكثر مبيعاً.

فأثناء الكتابة تُفصح الأفكار الأعظم عن نفسها تلقائياً

يقول سكينر : «مهما بلغَ قدر اجتهادك في التخطيط لروايةٍ ما مُسبقاً، ففي أثناء فعل الكتابة ذاته عادةً ما تُفصح الأفكار الأعظم عن نفسها. وعن هذا قال الرسام الفرنسي جان باتيست كميل كورو : «على المرءِ ألاَّ يسعى، بل ينتظر». فأنتَ حين تكتب، تضع نفسك في خضم الإبداع. إنَّه مكانٌ مميز للغاية لتكون فيه، وعليكَ أن تُهيئ نفسك وحياتك للبقاء هناك قدر المُستطاع».

بإمكانِ شعور عدم الثقة بالنفس أن يُشكِّل عائقاً؛ صوتٌ مزعجٌ ومُلح يُخبرك أنَّ عملك فظيع. حين يحدث ذلك، كل ما عليك فعله هو دفع هذا الصوت خارج الغرفة وإغلاق الباب. وفي حال صعب عليك القيام بهذا، ضع في اعتبارك ضرورة القيام به. يتوجَّب عليك أن تحمي نفسك ومساحتك الخاصة؛ لأنَّ كتابة روايتك الأولى هي عمليةٌ قيِّمة للغاية. إنَّه الوقت الملائم لتترك القصة تتدفَّق خارجاً. ويمكن للاستجابة التحليلية لما قمتَ بكتابته أن تأتي فيما بعد.

بماذا ستفكر أمي؟ ماذا سيقول صديقي؟ .. عوائق لا تقف عندها

يُشكِّل الإفصاح والكشف عن نفسك خوفاً عظيماً؛ بماذا ستفكر أمي؟ ماذا سيقول صديقي؟ في اللحظة التي تبدأ فيها بالقلق حيال ذلك، يصبح فشلك حتمياً. الأمر الغريب هو أنَّك كلما سكبت روحك داخل الكتاب، كلما أصبحت خفياً.

إذا كنت تكتب بتراخٍ، سيلاحظ اختلافك الجميع، ولكن إذا التزمتَ كلياً وكنتَ صادقاً مع نفسك حيال ما ترغب في قوله، لن يلحظك أحدٌ. ينبغي أن يكون الشخص الأول الذي تكتب من أجله هو نفسك؛ لذا لا تقلق حيال ما يعتقده أي شخصٍ آخر. لا يهم.

لا تكتب من أجل المال وإرضاء الآخرين

لا تكتب لتلقى استحساناً، بل اكتب لأنَّ القصة أسرتكَ ولن تدعك وشأنك حتى تكتبها. ولا تكتب من أجل المال، بل اكتب لأنَّك شغوفٌ بالقصة التي لديك. سيُدرك القرَّاء هذا الشغف؛ فهو ما يقرأون من أجله.

ويضيف سكينر: «جرب أن تكتب من معدتك، ليس رأسك ولا قلبك. لا تغرق في حب فكرتك ولا تُفرط في التفكير فيها. على الأفكا الجيدة للروايات أن تأتي من مكانٍ عميق في داخل المرء؛ لذا انتظر حتى يتكوَّن لديك شعورٌ غريزي حول فكرتك، ومن ثمَّ اشرع في الكتابة».

واترك التقييم للآخرين

يستكمل نصائحه قائلاً: «اجتهد في أن تظل محايداً بشأن كتابك؛ فإذا استيقظتَ كل صباحٍ وأنت مُقتنعٌ بأنَّك تكتب شيئاً بالغ الجمال، فالاحتمالات تُشير إلى أنَّه ليس كذلك. اترك التقييم للآخرين؛ تلك هي وظيفتهم. مهمتك هي التركيز على أساسيات السرد القصصي؛ فلا يتعلَّق الأمر فقط بتعلُّم تقنياتٍ كثيرة، بل أن تتعلم أبسط التقنيات على الوجه الأكمل. في حال استطعت أن تُتقن ذلك، تقل حدة الصعوبة في الكتابة لتصبح أسهل قليلاً، فتتحوَّل على نحوٍ بطيء إلى عادة، ومن تلك العادة ينمو الجمال».

حين تكون في منتصف كتابة مسودتك الأولى، يبدو الأمر وكأنَّك تقف على مجرًى مائي؛ ليس بمقدورك رؤية الجريان، لكن يُمكنك أن تشعر به. إنَّها القصة تتدفَّق منك ويتوجَّب عليك مُلاحقتها. هذا جيد؛ لقد وجدتَ المدخل إلى قصتك.

فجميع القصص مكتوبة أصلاً في داخلك وتبحث عن مخرج لها

ويعتبر سكينر أنَّ جميع الروايات التي ترغب في كتابتها مكتوبةٌ أصلاً؛ فهي حاضرةٌ بالفعل في داخلك في مكانٍ كامن، وإيقاعي، وحركي في جسدك، تكمن البراعة في أن تجد طريقةً للاستفادة منها. قد يكون الوصول إلى هذا المكان أمراً مُستعصياً؛ ففي بعض الأحيان يحدث هذا مُبكراً في عملية الكتابة، وأحياناً يأتي متأخراً للغاية؛ ولكن بمجرد أن تعثر عليه، ستتدفَّق قصتك بطريقةٍ طبيعية وفطرية.

بينما تكتب، ليس من السهل قياس ما أحرزته من تقدم، فالأمر أشبه بالتحرك ثلاث خطواتٍ للأمام واثنتين للخلف. لكن عليك الاستمرار، أياً ما كان، لا تلتفت للوراء، امضِ قدماً وكأنَّها مناورةٌ عسكرية. في حال تمكنَّتَ من فعل هذا، تُصبح الكتابة أكثر أُلفة، ومن ثمَّ أقل تخويفاً.

6 أشهر كفيلة بخروج المسودة الأولى.. أصعب مهمة

وعما قريب، إذا التزمتَ بأهدافك اليومية، سيستغرق الأمر ستة أشهر لتحصل على مسودةٍ أولية. وحسب خبرتي، فالانتهاء من المسودة الأولى هو الجزء الأصعب في كتابة الرواية؛ لذا فإنَّ تلك اللحظة تُعدّ إنجازاً عظيماً لكل من يفعلها.

من المهم أيضاً أن تُنهي مسودةً؛ لأنَّك إن فعلت ذلك، هذا يعني أنَّك تغلبت على كل شعورٍ بعدم الثقة بالنفس وتخطيتَ الأمر. حينها ستقول: «لقد فعلتها». وما إن تفعلها مرةً، حتى يتسنَّى لك فعلها مرة أخرى، وفي المرة التالية، ستتحلَّى بمزيدٍ من الإصرار والمرونة حين تحتاجهما. لا يمكن لأحدٍ أبداً أن يُجزم بأنَّ كتابك سيكون جيداً، فالكتابة كلها مخاطرة، لكنَّ هناك قوة تكمن في الاندفاع والمخاطرة.

وإذا كنت مُستعداً للفشل على نحوٍ ممتع، فأنت تميل إلى النجاح بشكلٍ مثير

قال الكاتب المسرحي الأميركي إدوارد ألبي مرةً إنَّه إذا كنت مُستعداً للفشل على نحوٍ ممتع، فأنت تميل إلى النجاح بشكلٍ مثير أيضاً، وهذا صحيحٌ تماما. هل سيكون الأمر سهلاً؟ لا. هل الأمر يستحق؟ نعم؛ فكلما زادت المخاطرة، كبرت المكافأة.

والأجمل هو حين تنتهي من مسودتك الأولى، ستتمكن من منح نفسك الإذن بأن تُطلق على نفسك لفظ كاتب. تتعلَّق الكتابة تماماً بالثقة، ولا يُمكن لهذا النوع من الثقة أن يُدرَّس أبداً، بل تتعلمه وحدك. ستهزم بها كل أعدائك، ومعها يُمكنك فعل أي شيء.

ملاحظات عامة من الكاتب ريتشارد سكينر

  • اكتب من معدتك، ليس رأسك ولا قلبك. حين يكون لديك فكرةٌ ما، انتظر. فكلما طالت مدة انتظارك، خرجت قصتك بشكلٍ أكثر اكتمالاً.
  • تأتي ضرورة الكتابة قبل روعتها. تخيل نفسك تستمع إلى موسيقى شوبان. ثم تخيل أنَّك تعزفها؛ الأمر مختلفٌ تماماً. فكر في المكان الذي تضع فيه أصابعك، وليس بشأن جمالها.
  • اجعل حبْكتك انسيابيةً. ينبغي أن تُوزع الأحداث باعتدالٍ على طول القصة بحيث تكون القصة مُطردة وناضجة طيلة السرد بأكمله.
  • في حال رغبت شخصيةٌ ما في أن تصبح غنية، فلتسلبها أموالها أولاً. أنت بحاجةٍ إلى وضع العقبات في طريق الشخصية. على الشخصيات أن تدفع نوعاً من الثمن مقابل ما ترغب فيه، وتلك التكلفة هي اهتمامنا بقصتها.
  • الحوار هو أشبه بحوارين فرديين لا يتصلان إلا في بعض الأحيان. يتوجب على الشخصيات أن تتحدث مع بعضها عن نفسها، عن قضاياها الخاصة، بدلاً من التحدث عن قضايا الشخصيات الأخرى.

من الجدير ذكره أن سكينر كاتب متخصص في الروايات الخيالية والشعر وأمور الحياة. له مؤلفات عدة ترجمة لأكثر من 8 لغات حول العالم، ويدرس في أكاديمية فايبر البريطانية صف «كتابة الرواية».


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024