منذ 7 سنوات | العالم / وكالات

قالت صحيفة "فزغلياد" إن الولايات المتحدة لا تصعِّد لهجتها في رهانها الجيوسياسي مع روسيا فقط، بل وأصبحت تلجأ إلى عبارات يفهمها الروس كدعوة إلى "المنازلة في الشارع".

جاء في مقال الصحيفة:

يبدو أن الولايات المتحدة بدأت ترفع مستوى الرهانات الجيوسياسية، ليس فقط بلجوئها إلى اللهجة القاسية في تصريحاتها، بل بعبارات يفهمها الروس كدعوة إلى "المنازلة في الشارع". وفي الوقت نفسه، من المستبعد أن تدرك واشنطن أي ردة فعل ستكون لروسيا على هذا السلوك ولماذا، سواء من جانب المجتمع أو من قبل النخب الحكومية؟

في يوم الاربعاء الماضي (28 /09 /16)، قال جون كيربي، المتحدث باسم الخارجية الأميركية، بالحرف الواحد: "ستكون التبعيات هكذا، في سوريا تستمر الحرب الأهلية... وستستمر الجماعات المتطرفة في الاستفادة من الفراغ، كي تعمل على توسيع نطاق هجماتها، التي من دون أي شك سوف تشمل استهداف المصالح الروسية، بل ومن الممكن حتى في المدن الروسية. وسوف تستمر روسيا في إرسال جثث جنودها إلى الوطن، وفقد الموارد، وحتى من الممكن الطائرات".

ليس من المهم أي مغزى كيربي ضمَّنه كلماته (وتبعا لذلك - الحكومة الأمريكية)؟ وهل كان هذا تحذيرا من خطر داهم، أم تهديدا مباشرا؟ ومن الممكن أن يكون ذلك مجرد تحديد من وزارة الخارجية لموقع الولايات المتحدة كلاعب جيوسياسي رئيس في القضايا الجيوسياسية العالمية وشرطي عالمي، من دون أي نية مبيتة.

والمهم فقط هو كيف استوعبت قيادة روسيا، المدنية والعسكرية، هذه الكلمات. بيد أن الأمر بدا في منتهى البساطة. بالنسبة إلى روسيا تبدو كلمات الولايات المتحدة كابتزاز فاشل قام به أحد أفراد عصابات الشباب، رغم أنه مسلح.

فالعالم الغربي على مدى عشرات السنين، زرع في نفوس مواطنيه مفهوما يمنع مقاومة العنف: في حال تعرُّض سارق لك أعطه كل ما يطلب، ثم اذهب إلى الشرطة. وإذا كنت طفلا ذا خمس سنوات وتعرضت للأذى من قبل زميلك المشاكس في الحضانة، فعليك أن تشتكي للمربية التي يجب عليها الدفاع عنك ومعاقبة الطفل المشاكس.

وبكل تأكيد، إن هذه القاعدة عقلانية ومن الممكن أن تعمل جيدا في تلك الظروف حيث توجد سلطة يمكن الاستغاثة بها - الأهل، المعلم، الشرطة، الحكومة إلخ..، ولكنها تفقد المضمون والمعنى في حال غيابها، وآنذاك تصطدم وجها لوجه مع عدو شرير.

وللأسف، فإن السياسة الدولية أصبحت تنتمي إلى الحالة الثانية، على الرغم من المحاولة الناجحة نسبيا بعد الحرب العالمية الثانية لإنشاء محكمة عليا - هيئة الأمم المتحدة. غير أن الإنجازات الحقيقية كافة في هذا المضمار اصطدمت ومنذ زمن بعيد بحائط الفشل، وفي العامين الأخيرين بالتحديد تبخر آخر ما تبقى من آمال حول إمكانية تفعيلها. بل وعادت السياسة الدولية إلى نقطة الصفر، ليحكمها المبدأ الذي ساد منذ ألوف السنين: "من يملك القوة يملك الحق".

في إطار هذا المعنى، كان جيدا أن المعايير الغربية لم تنتشر بشكل واسع في المجتمع الروسي، حيث ما زالت الشوارع وساحات الحارات تشكل مدرسة حياتية مهمة لغالبية الروس، وما تمخضت عنه في بلورة العادة على حل المشكلات ذاتيا وبصورة مستقلة، من دون تدخل "الكبار"، كما ربت في أنفسهم مهارات مواجهة المعتدي حتى لو كان أكثر تفوقا. وأصبح ذلك جزءا من الطبع الروسي العام، بل وحتى الرئيس بوتين ذاته يتفاخر بدور "الحارة" أثناء مرحلة الطفولة في لينينغراد في تنمية وتكوين شخصيته.

لذا لم يكن مثيرا للدهشة أن انعكاس كلمات الخارجية الأميركية على الروس، تجسد في إثارة مشاعر الغضب وشد قبضات الأيدي استعدادا للمواجهة.

وإذا كان السكرتير الصحافي للرئيس الروسي قد اقتصر على تعليق سياسي مقتضب، ووصفها بأنها "خرقاء"، فإن الخارجية الروسية قد اعتبرتها نداء للمتشددين الإرهابيين من أجل بدء العمل.

في حين أن وزارة الدفاع الروسية لم تتكلف في اختيار الكلمات للرد، وأرسلت تلميحا واضح المعنى، يؤكد أن روسيا من الممكن أن تستهدف الخبراء العسكريين الغربيين "الذين يشاركون في تخطيط عمليات المسلحين ويشرفون على تنفيذها".

ولعل هنا تحديدا يكمن الخطر الأكبر في كل ما يجري الآن.

إن الولايات المتحدة ترفع مستوى رهانها الجيوسياسي، ليس فقط بتصعيد لهجتها، بل بواسطة عبارات يستوعبها الروس كنداء إلى "المنازلة في الحارة"، ولعل الأمريكيين لا يفهمون أنه لدى روسيا في مثل هذه الحالة تبدأ في العمل قاعدة ومجربة للحركة الروسية، وأن أحد أركان هذه المعادلة هو مبدأ بوتين المقدس: "إذا كان لا بد من العراك، فاضرب أولا". 

وفي الحقيقة، فإن الغرب ليس مستعدا لتحمل العواقب، في حال وضع قاعدة الحركة الروسيةـ موضع التنفيذ.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024