لا جدوى من تحديد مواعيد تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، والأفضل ترك هذه المهمة لعناية القدر، فالبلد محكوم للغلبة والاستقواء، الغلبة الذاتية، او الاستقواء المستعار من ترسانة المصالح الاقليمية والدولية، والجميع في حفرة واحدة، حفرة الفراغ الحكومي.

الرئيس المكلف سعد الحريري يعود إلى بيروت اليوم الثلاثاء ليستأنف حراكه على خطى تشكيل الحكومة وإعادة النازحين السوريين، في وقت يغادر فيه وزير الخارجية جبران باسيل، إلى الولايات المتحدة في زيارة لأسبوع.

ويذكر ان تكليف الحريري بتشكيل الحكومة يدخل هذا الاسبوع شهره الثالث.

ويبدو ان حزب الله غير واثق من موعد محدد لتشكيل الحكومة، لذلك اعلن رئيس مجلسه التنفيذي السيد هاشم صفي الدين، طبقا لقناة «المنار» ان الحزب أخذ قراره وحسم أمره وعقد عزمه على الانصراف الى ملاحقة قضايا الناس المعيشية، الى ان تُحل معضلة تأليف الحكومة.

هذا الانسحاب الضمني من لعبة تشكيل الحكومة يحتمل تفسيرين: إما أن وضع الحكومة ميؤوس منه، في ظل رفض الفرقاء الآخرين القبول بتركيبة حكومية داعمة لحزب الله في لبنان، او ان في الأفق خطوة سياسية من جانب الرئيس ميشال عون لمعالجة «الإرباك» الذي قال ان الرئيس المكلف واقع فيه، كما نقل عنه زواره.

ويقول الإعلامي غسان جواد لقناة «الجديد» انه التقى الرئيس عون الخميس الفائت، وابلغه إصراره على تمثيل الأكثرية والأقلية في الحكومة تعزيزا للاستقرار السياسي والاقتصادي، مشيرا الى ان ارباك الرئيس المكلف بسبب اضطراره إلى مراضاة وليد جنبلاط وسمير جعجع.

ونقل جواد عن الرئيس عون قوله ان لديه خياراته، التي لم يفصح عنها، مؤكدا التزامه بتنفيذ وعوده، وإلا فلماذا أنا هنا، فلأذهب إلى الرابية، أو نشكل حكومة بالقوة. لكن مصادر بعبدا نفت أن يكون عون أشار إلى العودة للرابية، أي إلى مقره الحزبي السابق.

اما «حكومة بالقوة» فأشارت إلى انه يقصد حكومة «امر واقع». ويبدو ان ضمن خيارات الرئيس عون الدستورية، توقيع ثلثي اعضاء مجلس النواب على مذكرة تسحب تكليف الحريري بتشكيل الحكومة، او الزامه بمهلة محددة، خلافا للنصوص الدستورية، والأخطر خيار آخر يستند إلى فتوى دستورية اعدها أحد القانونيين، تعطي رئيس الجمهورية، وبموجب قسمه الدستوري على حماية الدستور والدولة، حق تخيير الرئيس المكلف بتسريع عملية تأليف الحكومة أو الاعتذار.

واستبعدت مصادر سياسية متابعة لـ «الأنباء» وصول العلاقة بين الرئيسين عون والحريري إلى هذا الحد، وبينهما ما بينهما من تفاهمات، علما ان بعض المقربين من فريق الممانعة، بدأ يجاهر باستبعاد ان يتوصل الحريري الى تشكيل الحكومة مطلقا بالاستناد الى العقد المستجدة في طريقه على مستوى التمثيل الدرزي أو المسيحي، وحتى السني، وارتباط ذلك بالصراعات الإقليمية.

وكان نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي المحسوب على التيار الحر سأل في معرض التداول بالمقاعد الوزارية السيادية للقوات اللبنانية، هل يقبل الجيش بوزير دفاع من القوات؟ وهل تقبل وزارة الخارجية بوزير من القوات؟ وقد اعتبرت مثل هذه الأسئلة استفزازية، اذ ما من سابقة ان يُسأل العاملون في وزارة رأيهم بوزيرهم.

في غضون ذلك، سجل الحريري هدفا كبيرا في مرمى دعاة التنسيق مع النظام السوري في موضوع عودة النازحين، بكشف مستشاره للشؤون الروسية جورج شعبان عن خطوات عملية قريبة سيتخذها المسؤولون اللبنانيون والروس على طريق اعادة النازحين السوريين، نافيا اي اتصال لبناني مباشر مع النظام السوري حول هذه المسألة.

وهكذا ربح الحريري ومن يقول قوله، الرهان على صيرورة إعادة النازحين مهمة اميركية - روسية، منذ قمة هلسنكي، ومن دون التنسيق السياسي المبكر او المباشر مع النظام السوري، الذي لم يبرح دور المتلقي على مسرح أزمة بلده.

وأوضح شعبان ما يشي بأن رئيس الحكومة اصبح على بينة من الخطة الروسية - الاميركية المشتركة، التي تلحظ اعادة نحو مليوني لاجئ سوري من لبنان والأردن، وأن لجنة اميركية - روسية - اردنية تشكلت لهذه الغاية، وثمة مسعى روسي للتعجيل بتشكيل لجنة اميركية - روسية - لبنانية مماثلة. هذه الخطوات الأساسية اثبتت صحة طرح الذين اعتبروا ان حل مشكلة اللاجئين السوريين لا يتم من خلال مفاوضات ثنائية لبنانية - سورية، ولا من خلال لجان حزبية محلية، بل عبر مظلة دولية، تطمئن العائدين الى ان حواجز القانون السوري رقم 10، لن تكون بانتظارهم، وأن الضمانة الروسية - الدولية كافية لحماية عودتهم وحقوقهم.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024