لم تكد فرقة Hollywood Vampires تتم عامها الثالث، إلا أنها حققت نجاحا لم تحققه غيرها في سنوات طويلة.. يعود ذلك أولا وأخيرا لأسماء أعضائها.

قدم Hollywood Vampires، أو مصاصو الدماء القادمون من هوليوود حفلا في موسكو مؤخرا، وتندرج الفرقة تحت تصنيف الـ Hard Rock، وتحمل أسماء لامعة منذ تأسيسها، كالممثل الشهير جوني ديب وجو بيري، مؤلف أغان وعازف جيتار في فرقة Aerosmith.

من الواضح أن الفرقة حظيت باهتمام شريحة معينة من محبي هذا النوع من الموسيقى في روسيا. ولكن من جانب آخر، من الواضح أيضا أن المجمع الرياضي الأولمبي في موسكو حيث تم إحياء هذا الحفل لم يكن المكان الأنسب لذلك، إذ كان عدد الحضور أقل بكثير من قدرة المجمع الاستيعابية.

بدأت الأمسية بمص الدماء فعلا. فناهيك عن أن الحفل في قاعة أبعد ما تكون عن القاعات الملائمة لإحياء الحفلات الموسيقية أصلا بسبب سوء الترددات الصوتية، فإن عدد الحضور لم يكن على النحو المتوقع.. أو المطلوب، ما دفع المشرفين في المجمع إلى تغيير تذاكر الصفوف العليا كي يتلملم الجمهور أمام المنصة، ربما حفاظا على مشاعر جوني وحتى لا يُصاب بخيبة أمل، ما اضطر البعض، وكاتب هذه السطور أحد هؤلاء، إلى الوقوف في أكثر من طابور، بعد الصعود والنزول بين طوابق المجمع.

بداية غير مشجعة، الجميل الوحيد فيها اكتشافي مطعم أوزبكستاني على أحد الطوابق، فقررت زيارته بعد انتهاء الحفل.

لم أجلس في المكان المخصص لي بين الجمهور بل جلست في آخر صف، فتذكرت نفسي عندما كنت شابا صغيرا، حينما كنت أجلس في الصفوف المهجورة في دور السينما برفقة فتاة مهتمة بالفن السابع حيث كنا نتبادل الآراء في حوار ساخن هامس أحيانا، حول حبكة القصة والبعد الدرامي فيها، فنظرت حولي ليقع نظري على فتاة كانت تجلس في الصف ذاته ولكن بعيدا عني بعض الشيء. وبينما كنت منهمكا في تسجيل بعض الملاحظات أعدت النظر إليها فلم أجدها.

بدأ الحفل بشكل تقليدي، وذلك بالإحماء و"تسخين" الجمهور بأداء فرقة روك روسية، تبيّن لاحقا أنها هي محور هذا الحفل الرئيس. بعد نصف ساعة من أغاني هذه الفرقة ونصف ساعة مثلها من كلاسيكيات الروك المنبعثة من السماعات.. انتابني شعور وكأنني اكتفيت بما سمعت، كمن جاء إلى مطعم وهو يتضوّر جوعا لكنه شبع من "المَزات" والمقبلات ولم يعد بحاجة إلى الطبق الرئيسي، ليتبيّن أن هذا شعور في مكانه علما أنني كنت جائعا فعلا.

لسبب ما، بدأ النعاس يغالبني، فوجدت نفسي أقاوم الرغبة القوية بالنوم على وقع موسيقى الروك الصاخبة التي انطلقت مع خروج "مصاصي الدماء" إلى المنصة، فكنت أستسلم في بعض اللحظات لرغبتي وأغلق عينيّ في أحضان هذه الضوضاء، وأحلم بطبق "بلوف أوزبيكي" قررت تناوله بعد الحفل.. ربما كانت هذه المتعة الحقيقية.

كانت أغاني جوني والأصدقاء وكأنها قالب موسيقي لأحد أفلام غاي ريتشي أو كوينتين تارنتينو. حسنا ولكن أين الممثلين؟ ها هم، جوني ديب وأصدقاؤه على المنصة التي بدت أشبه بخشبة مسرح يؤدي فيها موسيقيون أدوارهم في ميوزيكل لا موسيقى فيه. بدت الأغاني وكأنها لا تحمل أسماء، وفي الحقيقة لم يكن هذا مهما أبدا، فالحالة العامة كانت أشبه بحضور معرض لوحات فنان تشكيلي هو نفسه لا يعرف أسماء لوحاته، لدرجة أنه لن يستوعب في حال "أخطأ" أحدهم ووضع اسم لوحة على أخرى.. لن يتغيّر شيء.

من المشاهد المميزة في هذا الحفل لحظات حماسية لشاب كان ما يكاد أن يجلس حتى يقف مجددا، ويبدأ بالرقص وهو يلوّح بيديه بينما كانت رفيقته تمسك به كي لا يسقط من شدة الحماس، وذلك على خلفية مشهد مثير للفضول، جمع بين حماس هذا الشاب وعدد من الحضور ممن كانوا يمرون بجانبه لمغادرة القاعة، لأكتشف في تلك اللحظة تحديدا أن الجمهور لم يتفاعل مع "المصاصين" ولم يردد حتى أغنية واحدة في أمسية الأضواء والضوضاء هذه.

اعتبرت هذا الحفل فيلما قصيرا من بطولة جوني ديب حيث أدى فيه أسوأ أدواره، فوضع اسمه على قائمة أقوى المرشحين لنيل جائزة "التوتة الذهبية" أو Razzies، لا سيما وأنه كان مرشحا لنيل هذه الجائزة لهذا العام عن دوره في فيلم "قراصنة الكاريبي.. الرجال الأموات لا يحكون حكايات"، والأموات من بعض الفنانين كانوا مع الجمهور بظهور صورهم على شاشة كبيرة خلف المنصة.. كيف لا وأنت في حضرة "مصاصي دماء"؟!

في نهاية الحفل أراد أحد مصاصي الدماء أن يعبر عن امتنانه للجمهور الروسي فقال "غراسياس"، فبدا وكأنه إما أراد أن يتحدث عن انطباعاته حول مدينة "غراسياس" في هندوراس، أو أنه لم يستوعب حتى اللحظة أنه في روسيا وليس في مكان ما في الكاريبي.. لكنه سرعان ما تدارك الأمر وقال سباسيبو.

ليس جوني ديب أول فنان يعمل في السينما قرر اختبار نفسه في مجال فني آخر هو الموسيقى.. وربما المخرج الصربي المبدع إمير كوستوُريتسا أول من يتبادر إلى الأذهان عند الحديث عن فنانين جمعوا بين المجالين.. ولكن شتّان إذ أن دخول ديب الموسيقى أثبت أنه هو أيضا مبدع ولكن كممثل فقط. هل هو الإحساس بعدم الرضا الذي يدفع ممثلا إلى دخول مجال فني غير مجاله الذي لمع فيه؟ ربما هي سمة العصر، فالمغني صار يمثل والممثل تحوّل إلى مذيع والعكس صحيح، حتى أن الأمر قد يختلط عليك أثناء متابعتك برنامجا حواريا فلا تدرك على الفور.. من هو الضيف ومن المضيف!

انتهى الحفل وعلى الفور قصدت المطعم حيث تناولت طبق البلوف الذي كنت أحلم به وأنا أسمع أغنية أوزبيكية، سألت النادل عن اسم مؤديها.. فسجّلته في الدفتر بجانب اسم "مصاصي الدماء القادمين من هوليوود".. وبكل تأكيد سأتابع أخبار هذا المغني أملا في أن يحيي حفلا سأحضره دون شك حتى وإن كان في المجمع الأولمبي.



أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024