منذ 6 سنوات | ثقافة / العربية.نت

الخدمة العسكرية، والعسكر، والعساكر، والعسكريون، كلمة وأسماء، تقال للخدمة والانخراط في الجيش أو عالم الجند والقتال. وتستخدم على المطبوعات الرسمية لعدد من الدول العربية، فيقال التصنيع العسكري، والإنشاءات العسكرية، والمطار العسكري، والذاهب إلى الجندية، أصبح ذاهباً إلى العسكرية.

وعلى الرغم من حساسية هذه الكلمة، العسكر، كونها اسماً بأخطر مؤسسة في الدول العربية، وهي مؤسسة الجيش التي تضم جميع مؤسسات الأمن والدفاع والحرب والاستخبارات وكل القطاعات العسكرية، إلا أن الكلمة أجنبية وليست عربية، وهي من أصل فارسي، كما تجمع أمهات العربية.

فالعسكرُ، هو الجَمعُ، إلا أنه فارسيٌّ. يؤكد آخر وأضخم معاجم العربية، تاجُ العروس.

واستعملت الكلمة، مجازاً، لمجموع الشيء، في كثرته، فيقال عسكر من رجال ومال وخيل.

ويقال: عسكر الرجل، أي جماعة ماله.

واستعملت العسكر في الماشية، أيضاً، فيقال لقليل الماشية: إنه لقليل العسكر.

ونتجَ من الكلمة عبر السليقة العربية، استعمال لها بمعنى سلبي، فيقال: العسكرة، الشدّة والجدب. يؤكدها "لسان العرب"، والتاج، والقاموس المحيط.

وبعد التاج، يقول لسان العرب، والمحيط، معاً: العسكرُ، الجمعُ، فارسيّ.

ويشار إلى أن مصطلحاً آخر غير العسكر والعسكرية، كان مستعملاً حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، في العالم العربي، إلا أنه تعرّض لإهمال وتركٍ، وعوّم سواه. فقد كان مصطلح "الجندية" هو الرائج في مرحلة ما بين الحربين العالميتين، بالإضافة إلى رواج العسكر والعسكرية أيضاً. إلا أن "الجندية" بقي منها رائجاً التجنيد، وسوق الناس لعالم الجنود. إلا أنها لم تحل محل العسكر، علماً أن الجندية يمكن أن ينتج منها اشتقاقات تغطي معنى العسكر والعسكرة والعسكرية. فالعسكري، هو المجنّد. والعسكرية، ذاتها، هي الجندية، والجماعة عسكرت، أي تجنّدت. والعساكر والعسكر، الجنود.

القول بالعسكر والعساكر، هو ذاته القول بالجيش، والأخير هو واحدُ الجيوش. ويأتي من الغليان والارتفاع. وجاش البحرُ، هاجَ. والعينُ فاضت، والجيشُ الجندُ السائرون إلى الحرب. يقول القاموس المحيط، ومعه بقية الأمهات.

المصطلح المصري كان الأدق والأكثر عربيةً من سواه
وسعت بعض الدول إلى استبدال كلمة العسكرية بالإلزامية، فنجحت في جانب وفشلت في جوانب. فيمكن القول: الخدمة الإلزامية، أي العسكرية، لكن لا يمكن القول: المطار الإلزامي، عوضاً من المطار العسكري!

واستخدم الجند والتجنيد والجندية، فقيل شعبة التجنيد، وقسم التجنيد، والخدمة في الجندية، لكن لا يمكن القول: ممنوع التصوير والاقتراب، منطقة جنداوية. بل منطقة عسكرية!

وكان لكلمة الجيش، أساس في مسميات هذه المؤسسة لدى الدول العربية، فيقال الجيش المصري، الجيش السعودي، الجيش اللبناني، الجيش العراقي. ومنذ عقود، كانت كلمة "الجهادية" تستخدم أيضاً في حروب السلطنة العثمانية، وما بعدها. إلا أن العسكري والعسكرة والعسكرية، صمدت أمام كل المتغيرات، وأطاحت بالجندية، وتركت منها الجنود والتجنيد، لكنها تركت للجيش أن يكون اسم جمع لمقاتلين يحاربون ويضمون جميع قطاعات هذه المؤسسة، لكن عندما يذهبون للتمرين والخدمة، فهم سيعسكرون وتتم عسكرتهم، بعدها يصبحون جيشا أو جنداً أو مقاتلين أو عناصر.

وسبق وكانت وزارة الدفاع، الحالية، وزارة للحرب أو وزارة الحربية، كما كان اسم يوسف العظمة، في سوريا، وزيراً للحربية. لكن لم يكتب للكلمة الرواج، علماً أنه يمكن القول: مطار حربي، عوضاً من مطار عسكري. فالمصريون، مثلاً، يستعملون عبارة: "التصنيع الحربي" و"المخابرات الحربية"، بينما السوريون يستعملون عبارة "المخابرات العسكرية" و"التصنيع العسكري"، والمصطلح المصري، أدقّ وأكثر عربيةً من السوري، أو من نظرائه بذات الفئة.

سقوط وزارة الحربية وصعود وزارة الدفاع
وسقطت عبارة "وزارة الحربية" في مقابل صعود "وزارة الدفاع". كون الأُولى تساوي بين أطراف القتال، فلم يعد يعرف من خلالها، من هو المعتدي، كونها وزارة حرب والحرب فيها المدافع والمعتدي. إنما عندما نقول "وزارة الدفاع" فهذا يعني حكماً أنكَ في حال الدفاع عن النفس وأنك صاحب حق تدافع عنه. بدليل أن بعض الدول العربية كانت تهاجم إسرائيل، مثلا، بالقول عن وزارة دفاعها إنها "وزارة حرب" كي تسحب منها الأساس القانوني لمعنى "الدفاع".

إلا أنها لم تصمد هي الأخرى، كون الاعتبار في إطلاق "الحرب" عوضاً من "الدفاع"، جاء أيديولوجياً، فعادت وزارة الدفاع، عوضاً من الحرب. لأن الاعتبار اللغوي، مقدّم على الأيديولوجي، وتفعل فيه السليقة والاختبار، أكثر مما تفعل فيه الأفكار السياسية والعقائد.

ويشار إلى أن كل الاستعمالات اللغوية، للعسكر والجند والجيش والحرب والدفاع والقتال، صمدت تبعاً لتقبّلها وسياقها في الجملة العربية: فالجيشُ خاض "حرباً" وكان "الجنود" متفانين في "القتال"، بعد خضوعهم لتدريب "عسكري"، فكرّمتهم وزارة "الدفاع"!


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024