منذ 7 سنوات | حول العالم / Huffington Post

تعد أولى الكلمات التي قالها رائد الفضاء نيل أرمسترونغ عندما وطأت قدماه سطح القمر الساعة 2.56 بتوقيت جرينيتش يوم 21 يوليو/تموز 1969، واحدة من أشهر المقولات على مر العصور، إذ قال "إن هذه مجرد خطوة واحدة صغيرة لرجل، إلا أنها تعد خطوة كبيرة للبشرية".

أكد أرمسترونغ دائماً أنه قال "أنها خطوة واحدة صغيرة لرجل" ولم يقل "خطوة واحدة صغيرة للبشرية"، وبينما إن الجملة الأولى صحيحة لغوياً وتحمل معنى عميقاً، تعد الجملة الثانية متناقضة حين تقترن بكلمة "البشرية" في المقطع الثاني من المقولة.

حاول سماع تلك المقولة من هنا، لكي تستطيع أن تحكم بنفسك.

إذا افترضنا أن ادعاء أرمسترونغ هو الصحيح (وهو افتراض منطقي لأنه بالفعل تواجد شخص واحد فقط على القمر، بالإضافة إلى أنه شخص صادق وجدير بالثقة)، فقد يكون السبب في عدم سماع أداة "a" (التي أدى غيابها لاختلاف المعنى) مجموعة من العوامل منها الضوضاء المصاحبة للاتصالات اللاسلكية والمسافة بين مصدري الاتصال والتي تبلغ 250ألف ميل (402336 كيلومتر)، وكم الإجهاد على المتكلم بما يؤثر على طريقة كلامه، بالإضافة إلى اللكنة الأميركية الغرب أوسطية التي يتمتع بها المتكلم، إذ يتم اختصار حرف "a" ودمجه مع ما يسبقه من كلام.

يضاف إلى ذلك عامل آخر، وهو كيفية فهمنا للكلام، جدير بالذكر أنه بالرغم من اعتراف أرمسترونغ بأن حرف التعريف "A" ليس مسموعاً في التسجيلات الصوتية، إلا أنه يصر على أنه نطقه بالفعل.

أفادت الأنباء في عام 2006، أن تحليل الصوت، بما في ذلك التحليلات الطيفية (كالمستخدمة في استنساخ الأصوات)، قد توصلت لوجود حرف "a" مختفياً بشكلٍ غامض وراء موجة ساكنة، ولكن فشلت الجهود المبذولة من البعض لإثبات صحة هذه القصة.

بعد مرور 10 سنوات، سلط الباحثون في الولايات المتحدة الضوء أخيراً على هذا الخلاف.

الموضوع ليس بسيطاً

نشرت مجلة "PLOS ONE" بعض التجارب المثيرة للاهتمام، إذ حلل فريق البحث عدداً كبيراً من التسجيلات باللكنة الأميركية الغرب أوسطية، كما استعان فريق البحث بمجموعات من الأشخاص الغرب أوسطيين كي يستمعوا لهذه التسجيلات، وذلك من أجل معرفة كيف تنطق الجمل في حالة وجود حرف "a" أو غيابه، وكيف يتلقى المستمعون هذه الجمل.

حلل فريق البحث الكثير من التسجيلات لكلا النوعين من الجمل لبعض قاطني ولاية أوهايو، وأسفر تحليل التزامن عن تداخل كبير بين النوعين، وفي كثير من الأحيان كان يصعب تمييزهما عن بعض.

نخلص من ذلك أن الجملة التي قالها أرمسترونغ أياً كانت، يتعذر تمييزها بكل الأحوال.

عُرض على المستمعين بعد ذلك نسخ متباطئة من التسجيلات، فضلاً عن أن أرمسترونغ كان يتحدث ببطء شديد في الأصل. وما أثار الدهشة، أن أكثر المستمعين قد سمعوا في حديث أرمسترونغ "for a" وليس "for" فحسب، على عكس ما سمعوه بالسرعة العادية للحديث.

يرجح أن السبب في ذلك، يرجع لتوقع المستمعين لطول مقاطع الجمل نسبياً، برغم أن المدة التي ينطق فيها الحرف "a" كانت قصيرة جداً (والذي كان ثابتاً نسبياً)، أصبحت مدة نطق "a" أقصر بالمقارنة بالمقاطع الأخرى عند التشغيل ببطء.

إذا كان أرمسترونغ نطق حرف "a" في كلامه، فقد يظل الكثير منا يسمعها بدونه، وقد يرجع ذلك لاختلاف لكنته أو بطء الكلام أو عدم وضوح التسجيل.

نحن مازلنا لا نعرف على وجه اليقين ما الذي قاله، إلا أنه وفقاً للنتائج الأخيرة، يميل ميزان الاحتمالات إلى دعم روايته للأحداث.

الخداع السمعي وغيره من الخيالات


لا يمثل ذلك الجدل أهمية لأرمسترونغ، فقد فارق الحياة في 25 أغسطس/آب 2012، ومن دون شك يجب تأكيد الإرث العلمي العظيم لرجلٍ يعد بطلاً في نظر الكثيرين.

يَنتج الخداع السمعي من بعض التأثيرات السمعية والكلامية، فبعض اللهجات تتميز بالمقاطع القصيرة والتي تندمج مع الكلمات الواقعة قبلها أو بعدها أثناء الحديث، وهو أمر يمكن للعقل إدراكه تماماً.

إذا نظرنا إلى اللهجة الأسترالية، قد يعتقد البعض أنها تتشدق بالكلام، أو أنها في الأصل ترجع لأسلافهم بسبب تحدثهم وهم سكارى، فهم يتجاهلون الأجزاء الأكثر أهمية في الكلام.

من النادر أن يتحدث أي منا ببطء كلمة تلو الأخرى، فغالباً تتدفق الكلمات منا إلى شخص آخر بسلاسة، وبالتالي لا نواجه أي مشاكل حين نستمع لمن يتحدث بلهجة مألوفة لنا، إلا أننا قد نجد بعض الغرابة حين الاستماع لحديث بلهجات أُخرى.

كثيراً ما نستمع لأغنية ونفترض بعض المعاني الخاطئة لبعض الكلمات غير المفهومة، وهو ما يطلق عليه "Mondegreen"، يحدث ذلك بكثرة، وأحياناً نجد ما استنتجناه مضحكاً.

يرجع السبب في ذلك إلى قدرة العقل البشري المدهشة في تخمين المعلومات التي يملأ بها الأجزاء المبهمة في أي سياق، فإذا لم يستطع العقل فهم الكلام المسموع، فهو يسعى لا إرادياً لإيجاد أقرب معنى يمكن وضعه في السياق لجعل المعنى منطقياً قدر الإمكان.

نحن نسمع ما يريد عقلنا أن نسمعه، وليس ما يقال بالفعل، فقد أصبح جلياً أن الخداع السمعي يشبه الخداع البصري ولكن مع الأصوات.

على سبيل المثال، الاستماع إلى حديث من خلال "sinewave" أو "موجات الجيب"، وهي إشارات صوتية تختلف تردداتها عن ترددات نمط الكلام الطبيعي.

عند الاستماع إلى حديث من خلال موجات الجيب، لن تستطيع فهم شيء للوهلة الأولى، ولكن عند الاستماع للتسجيل بنمط الكلام الطبيعي، ثم معاودة الاستماع لنسخة موجات الجيب، ستجد نفسك تستطيع فهم الكلام، إذ يستطيع المخ الآن تمييز الحديث.

يندرج تحت الخداع السمعي أيضاً، الكلمات الوهمية، والتي تنشأ عندما نسمع حديثاً يتكرر باستمرار، إذ يحاول المخ جاهداً التوصل لمعنى إضافي لنفس الكلام المكرر.

يعد هذا عدداً قليلاً من الجوانب المثيرة والرائعة لخداع الكلام والسمع وأبحاث الدماغ التي تصاحب علم النفس السمعي، والذي كان له الفضل في نشأة امتداد MP3 للموسيقى والهاتف المحمول وكثير من المنتجات الصوتية التي ظهرت بداية من عام 1969.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024