يحمل توقيت وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في سوريا عند غروب شمس يوم الاثنين عدة دلالات؛ إذ يتزامن مع أول أيام عيد الأضحى، الذي يحتفل فيه المسلمون بذبح الأضاحي تخليداً لذكرى قصة إبراهيم المتأصلة في عقيدة المسلمين والمسيحيين واليهود، عندما أراد التضحية بابنه إسماعيل تلبية لأمر الله.

وعاش السوريون يوم العيد حالة من المشاعر المختلطة، فدماء الأضاحي تسري في الشوارع وتخالطها دماء الضحايا، وقد أودى قصف طائرات النظام السوري التي تدعمها روسيا إلى قتل ما يقرب من 100 شخص، بينما أطلقت المعارضة قذائف مدفعية على عدة مناطق خاضعة لسيطرة النظام، وأعلنت المعارضة في الجنوب هجوماً جديداً.

ولم يتضح مدى التزام المقاتلين السوريين بالاتفاق المقترح الذي تم التفاوض عليه بصعوبة، ونص الاتفاق الروسي - الأميركي على ما يلي:

- دعوة أطراف النزاع إلى وقف جميع الهجمات، باستثناء المناطق التي يوجد بها "داعش" والقاعدة، لكن لم يتم تحديد هذه المناطق، مما تسبب في إثارة الشكوك.

- وفي حالة استمرار الهدوء النسبي لمدة سبعة أيام، ستتعاون الولايات المتحدة مع روسيا في شن هجوم مشترك على معاقل "داعش" و"القاعدة".

- وفي المقابل، شددت روسيا على قوات النظام بعدم تنفيذ أي طلعات جوية فوق المناطق التي توجد بها المعارضة.

وسنتابع هنا خلال الأيام القادمة تجارب وملاحظات السوريين في أنحاء متفرقة من سوريا حول مدى نجاح أو فشل الهدنة في تغيير حياتهم.

"قد نُقتل في أي لحظة"

في مدينة المعضمية (إحدى المناطق القابعة تحت سيطرة المعارضة)، يعيش أهالي هذه البلدة التي تبعد عن وسط مدينة دمشق بأقل من ميلين معاناة إنسانية، فقد عانوا لسنوات من الحصار والمجاعات التي فرضها نظام الرئيس بشار الأسد، كما تعرضت هذه المدينة للقصف بالأسلحة الكيماوية في أغسطس/آب 2013. وتجري حالياً مفاوضات مكثفة لخروج المقاتلين والمدنيين من المدينة والاختيار بين الذهاب إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام أو نقلهم إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال.

داني قباني (28 سنة)، حصل على شهادة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة دمشق في عام 2011 الذي اندلعت فيه الثورة، وأصبح ناشط إعلامي مناهض للحكومة، حيث نشر العديد من الفيديوهات عن الأوضاع في سوريا مثل هذا الفيديو.

"ريف دمشق هادئ إلى حدٍ ما"

يصف داني قباني هدوء ريف دمشق وضواحيها ومدينة المعضمية عشية يوم الاثنين عندما بدأ وقف إطلاق النار المؤقت.

ويكتب قباني القصائد وينشرها إلى جانب الأخبار، وآخر المستجدات السياسية من خلال صفحته على الفيس بوك، ويعرب قباني عن قلقه بشأن الانقسامات الموجودة في المدينة بين أولئك الذين يريدون قبول المصالحة مع النظام والفئة الرافضة للمصالحة التي ينتمي إليها.

وقد وصف الأوضاع الحالية في مدينة المعضمية من خلال دردشة عبر الإنترنت قائلاً: "لم تُقصف مدينة المعضمية منذ أشهر قليلة، لكننا مهددون بين الحين والآخر إذا لم نوافق على أي شيء يطلبه النظام منا. فجميع سكان المعضمية مشغولون بالتفكير والحديث عن إخلاء المدينة، فضلاً عن المضايقات التي نتعرض لها من قِبل قوات النظام. باختصار، لم تعد المدينة آمنة الآن بالنسبة لي مع الإصرار على رفض المصالحة، لذلك نحن معرّضون للقتل في أي لحظة".

وعلق على يوم العيد باختصار من خلال هذا المنشور على الفيس بوك:

"تجمعوا مثل الخراف أمام المِقصلة".

كما ذكر توقعاته بشأن وقف إطلاق النار من خلال دردشة عبر الإنترنت قائلاً: "لن يُحدث وقف إطلاق النار أي فارق، لأن الأزمة لا تقتصر على الهجمات، بل الأزمة في ميليشيات الأسد وإيران والعراق وغيرها، فالأزمة في قوات الأسد وفي الأسد نفسه".

أشكك في استمرار الهدنة، ولكن سأنتظر حدوث السلام

في العاصمة دمشق (إحدى المناطق القابعة تحت سيطرة النظام)، تسير الحياة بصورة طبيعية نسبياً؛ حيث قل قصف المعارضة للمدينة بعدما حققت قوات النظام تقدماً كبيراً في إخلاء معاقل المعارضة التي يحتجزون بها. يسود الهدوء النسبي في الشوارع، فالمطاعم والمقاهي مفتوحة لكننا نعاني من ضغط اقتصادي كبير، وتنتشر نقاط التفتيش في كافة أرجاء المدينة، وفر الكثير من الرجال خوفاً من التجنيد الإجباري في الجيش.

المؤلف خالد خليفة (52 عاماً) مؤلف رواية "مديح الكراهية" التي تتحدث عن انتفاضة "الإخوان المسلمون" في عام 1982 وتعرضهم للقمع من قِبل النظام.

وقد نشر في ساعات الصباح الأولى عبر صفحته على الفيسبوك خطته لقضاء عطلة العيد قائلاً: "عندما عدت إلى دمشق، وجدت كل شيء حزيناً حتى حجارة الطريق حزينة".

وتحدث عبر الإنترنت لفترة وجيزة مع مكتب نيويورك تايمز حول خطة لقضاء العيد:

"الأمر محزن للغاية، ولا أشعر ببهجة العيد، فعائلتي تقيم في حلب (المدينة المقدمة) بعيداً عني, ولا يرغبون في مغادرتها، كل ما بوسعي هو مهاتفتهم، وسأقضي العيد في القراءة والخروج إلى أحد المقاهي بمفردي أو بصحبة بعض الأصدقاء، أقرأ هذه الأيام سيرة حياة فيرجينيا وولف لابن أخيها المؤلف كوينتين بيل. وانتهيت مؤخراً من قراءة كتاب عن الكاتب الروسي دوستويفسكي. وأرى أن الناس لم تعد تصدق أي شيء، لكنهم ينتظرون حدوث السلام".

جميعهم مجرمون

بنش محافظة إدلب (إحدى المناطق القابعة تحت سيطرة المعارضة) هي المحافظة الشمالية الثانية التي فلتت من قبضة النظام في أوائل عام 2015، لتقع تحت سيطرة جبهة فتح الشام التي أُطلق عليها مؤخراً جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي. عانت محافظة إدلب من القصف الجوي الكثيف الذي شنته قوات النظام المدعوم من روسيا خلال عطلة نهاية الأسبوع، والذي تسبب في مقتل عشرات القتلى في غارة جوية على السوق بعاصمة المحافظة.

عيون ناشط سوري

تعرضت محافظة إدلب إلى غارات جوية دامية خلال عطلة عيد الأضحى التي ستبدأ يوم الاثنين في نفس اليوم المقرر فيه وقف إطلاق النار، محمد نجدت قدور، أحد قاطني المنطقة، يصور لنا المشهد.

ذهب محمد نجدت قدور، الذي يبلغ من العمر 31 عاماً، ويحمل شهادة في الاقتصاد إلى هناك ليصور لنا المشهد ويقابل الناجين. وقد انضم إلى صفوف المعارضين منذ فترة، وأصبح أيضاً ناشطاً إعلامياً مناهضاً للنظام. وأجرينا معه مكالمة هاتفيه يوم الاثنين ليصف لنا أجواء الاحتفال بالعيد (وأرسل لنا الصور التالية)؛ حيث عبر عن تشاؤمه بقرار وقف إطلاق النار وعدم ثقته في الرئيس الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

لا أعتقد أن هناك هدنة، ولا أعتقد أنهم جادون في الالتزام بها، وأرى أن لو لم يكن بوتين كاذباً لما تحالف مع الأسد، فجميعهم مجرمون.

نعيش في رعب دائم حتى يوم العيد، فقد نظمنا احتفالاً بالعيد لأبناء الشهداء بالطابق السفلي للمبنى خوفاً من القصف العشوائي، وسمعنا أصواتاً واضحة للقصف أثناء اداء صلاة العيد في مدينة بنش وقرية الفوعة.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024