أشارت صحيفة "الشرق الاوسط" أنه فيما تنوي روسيا تعزيز منظومة الدفاع الجوي للجيش السوري من خلال تزويدها بمنظومات دفاع جوي حديثة، وفق ما قال مصدر عسكري روسي، تتسارع الإجراءات والخطوات التي تتخذها موسكو في منطقة الشرق الأوسط بشكل غير مسبوق وبالتحديد داخل الأراضي السورية ما يمهد بحسب خبراء معنيين بالملف، إلى "رسم ملامح واضحة لـ(سوريا المفيدة) ويعزز المخاوف من فرض سيناريو التقسيم".

ويأتي حديث المسؤول العسكري بهذا الصدد بعد أيام على إعلان وزارة الدفاع الروسية عن نشر منظومة "إس-300" الروسية في سوريا "لحماية القوات الروسية هناك"، ومن ثم الإعلان عن اتفاق لتحويل قاعدة طرطوس الروسية التي كانت بمثابة "ورشة صيانة" للقطع البحرية الروسية، إلى قاعدة دائمة للأسطول الروسي، قالت مصادر روسية إنه سيتم نشر 10 سفن حربية فيها ومنظومات صاروخية للدفاع الجوي وأخرى مضادة للغواصات وعدد كبير من الضباط والجنود الروس.

وكانت صحيفة "إزفستيا" الروسية قد نقلت عمن وصفته بأنه مصدر عسكري - دبلوماسي روسي مطلع قوله إن روسيا تدرس إمكانية إرسال دفعة من بطاريات منظومة الدفاع الجوي "بانتسير" إلى سوريا لتعزيز قدرات دفاعاتها الجوية. وكشف المصدر أن صفقة صواريخ "بانتسير" كانت قد أُبرمت منذ عدة سنوات، ولم يتم تنفيذها كاملة لأسباب مالية، إذ ينص الاتفاق على أن عملية التصدير تتم بعد تنفيذ الجانب السوري لالتزاماته المالية، أي بعد دفع ثمن المنظومة. إلا أن موسكو وفق ما يقول المصدر قررت الآن تسليم النظام السوري الجزء المتبقي من تلك الصفقة دون المطالبة بالتسديد الفوري، لافتا إلى أن الجانب الروسي يقوم حاليا بتحضير بطاريات "بانتسير" لنقلها إلى سوريا، من دون أن يوضح عددها، لكنه لمح إلى أن الحديث يدور عما لا يقل عن عشر بطاريات، سترسل روسيا معها إلى النظام السوري عربات قيادة وتحكم ورادارات إضافية، بغية توفير إمكانية لتفعيل كل البطاريات بالتنسيق عبر مركز تحكم مشترك، ما سيزيد من فعاليتها، حسب قول المصدر الروسي.

وتجدر الإشارة إلى أن موسكو ودمشق كانتا قد أبرمتا عام 2008 صفقة تقوم موسكو بموجبها بتزويد الجيش السوري ببطاريات صاروخية ومعها 700 صاروخ "بانتسير". وبلغت قيمة تلك الصفقة 730 مليون دولار. وتم إرسال دفعة من تلك الصواريخ إلى سوريا عام 2013، ويبدو أن الجانب الروسي توقف عن التصدير نظرا لعدم تسديد دمشق المبالغ المطلوبة. إلا أن التصعيد الحالي بين موسكو وواشنطن، وتخوف روسيا من احتمال توجيه القوات الأميركية ضربات جوية وصاروخية لمطارات النظام السوري ربما شكل سببا رئيسيا دفع روسيا لتجاوز الشق المالي وتفعيل العمل بالصفقة حتى من دون تسديد قيمتها. مما لا يستبعد أن تكون صواريخ "بانتسير" وغيرها من جوانب تعاون تقني عسكري بين موسكو والنظام السوري جزءا جرى ترتيبه ضمن فقرات خاصة من اتفاق القاعدة البحرية الروسية في طرطوس.

وقد لا تقتصر الخطط الروسية في سوريا على قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس الروسية، إذ كشف ماريو أبو زيد، محلل الأبحاث في "مركز كارنيغي" لـ"الشرق الأوسط"، عن معلومات عن "توجه موسكو لإنشاء أكثر من قاعدة ومطار، من بينها قاعدة لطائرات من دون طيار مما سيمكن روسيا أكثر فأكثر من توسيع مهامها وانتشارها على مجمل الأراضي السورية". وتحدث أبو زيد لـ"الشرق الأوسط" عن سعي موسكو لـ"تثبيت الوجود الروسي في سوريا وبالتحديد بعد نشر منظومتي إس-300 وإس-400 والإعلان عن إنشاء قاعدة بحرية متكاملة في طرطوس"، مشيرا إلى وجوب "التوقف عند توقيت الإعلان عن الموضوع الذي جاء بإطار توجيه رسالة على ما أشيع عن احتمال تنفيذ واشنطن ضربات جوية تطال بنية النظام". وأضاف: "حتى أن روسيا ذهبت أبعد من ذلك بإعلان نيتها تزويد النظام في سوريا بمنظومة دفاع جوي صاروخي مدفعي متطورة".

واعتبر أبو زيد أن "كل الإجراءات التي تتخذها موسكو في الداخل السوري تعزز فعليا وعمليا "سوريا المفيدة" التي ستحظى بدعم روسي كامل، على أن تكون حلب آخر نقطة فيها يتم العمل على استعادتها"، مشيرا إلى أن "كل المعطيات الحالية تفيد أكثر فأكثر بالاتجاه لفرض سيناريو التقسيم".

وفيما انشغلت قوى المعارضة السورية يوم أمس باستنكار إعلان روسيا عن عزمها إنشاء قاعدة بحرية دائمة في سوريا في موقع منشآتها البحرية الحالية في ميناء طرطوس على البحر الأبيض المتوسط، أكدت على أن الاتفاقات التي يعقدها النظام الروسي الحالي مع النظام في سوريا "لا يمكن أن تكون مُلزمة في المستقبل لأنّها غير شرعية، من منطلق أن رئيس هذا النظام غير شرعي".

ولاقت المعارضة السورية، السياسية والعسكرية على حد سواء، باستياء كبير التصريحات الروسية الأخيرة. واعتبر القيادي في الجيش السوري الحر العميد أحمد رحال، أن إعلان موسكو نيتها إنشاء قاعدة بحرية في طرطوس هو "ترسيخ للاحتلال الروسي للأراضي السورية"، معتبرا أن رئيس النظام السوري بشار الأسد "يدفع بذلك ثمن الفيتو الروسي في مجلس الأمن كما دفع ثمن الضربات الجوية التي تنفذها الطائرات الحربية الروسية في حلب".

وقال رحال لـ"الشرق الأوسط": "بات هناك أكثر من 25 نقطة روسية بين حلب وحماه وحمص ودمشق.. ولكن كل هذه النقاط والقواعد والاتفاقات التي يعقدها الطرفان الروسي والسوري لا يمكن أن تكون صالحة بالمستقبل، كونها غير شرعية من منطلق أن النظام الحالي غير شرعي"، وهو ما أكد عليه أيضا هشام مروة، عضو الائتلاف السوري المعارض، متحدثا عن "مشروع روسي استعماري متكامل ينبغي التصدي له من قبل المجتمع الدولي من خارج مجلس الأمن بعدما أصبح مشلولا". وإذ حثّ مروة في تصريح لـ"الشرق الأوسط" على "وجوب اتخاذ إجراءات تأديبية سريعة بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأسد، ليس من واشنطن وحدها بل من المجتمع الدولي مجتمعا"، اعتبر أنه "ينبغي أن تكون الأمور قد باتت أوضح للمشككين بأن الروس من الممكن أن يكونوا شركاء بعملية السلام وتنفيذ بيان جنيف".


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024