منذ 7 سنوات | لبنان / السفير

بعد «نزوح سياسي» دام قرابة خمس سنوات، تقلبت خلالها الأحوال به، عاد الرئيس سعد الحريري إلى السرايا الحكومية، بعدما كان قد غادرها قسرا من بوابة البيت الأبيض.
هي لحظة انتظرها الحريري طويلاً، ودفع ثمنها غاليا: القبول بانتخاب حليف حزب الله العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، وبعودة عتاة الخصوم الى الحكومة التي يترأسها. لكن الحريري يدرك جيدا أنه لم يعد يملك من الترف ما يسمح له بأن يتدلل، وأن مجرد ترؤسه للحكومة، ولو مكبّلا بمعادلات المرحلة، هو إنجاز في ظل موازين القوى الإقليمية والمحلية، غير المؤاتية له.
وليس خافيا أن ملفات عدة ستواجه هذه الحكومة، بدءا من التحضير للانتخابات النيابية، وصولا الى قضايا معيشية واقتصادية ملحَّة. لكن، الأكيد أن المواطنين الذين «تورطوا» أمس وقبله في زحمة السير الخانقة وتحولوا الى رهائن الطرقات، لا يطلبون من حكومتهم في بداية عملها سوى أن تجد حلا لهذه الأزمة اليومية والمتمادية التي قد تكون في جانب منها مؤشرا الى حيوية ما، في موسم الأعياد، إلا أن جانبها الآخر المتعلق باستنزاف أعصاب اللبنانيين ووقتهم، بات لا يُحتمل.
إذا أرادت حكومة الحريري، بل وحتى إذا أراد العهد، تحقيق إنجاز مبكر يعزز رصيدهما الشعبي لدى كل الطوائف والمذاهب، ولدى 8 و14 آذار على حد سواء، فليس أمامهما سوى أن يتصديا فورا لأزمة السير التي أصبحت لا تطاق، وأن يمنحاها ما تستوجبه من جهد.
أيها المعنيون، صدقوا أو لا تصدقوا.. لكن الحقيقة هي أن أزمة السير باتت تتقدم في اهتمامات اللبنانيين على قانون الانتخاب والملفات الأخرى، ولذا ما على رئيس الجمهورية والحكومة إلا تحويلها الى أولوية لهما أيضا، إذا رغبا في التقاط نبض الشارع.
والمفارقة، أن الاختناق المروري الذي شعر به أمس عشرات آلاف المواطنين المسجونين خلف «قضبان» سياراتهم، إنما حصل غداة إجراءات اتخذتها وزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي بغية التخفيف من الزحمة، فإذا بالنتيجة تأتي عكس السير!
قانون الانتخاب
وفي انتظار أن تُفتح شرايين الطرقات، ومع الانتهاء من تشكيل الحكومة.. عاد قانون الانتخاب ليفرض إيقاعه على المسرح السياسي، على وقع المهل الزمنية والدستورية الضيقة التي باتت تستوجب حسما سريعا للخيارات، تحت طائلة بقاء «الستين».
وفيما يبدو أن مادة النقاش الأساسية تنحصر حاليا في «مختلط» الرئيس نبيه بري (64 أكثري ـ 64 نسبي) والمشروع المتوافق عليه بين بري و «التيار الحر» (التأهيل الأكثري في القضاء والانتخاب النسبي في المحافظة)، شن النائب وليد جنبلاط هجوما استباقيا على خيار النسبية، داعيا الى الكف عن «التنظير والتطبيل حول نسبية ملزمة آتية ولازمة وإلا بطُل التمثيل»، قائلا: لسنا بقطيع غنم لِيُسَلِّم مصيره وسط هذه الغابة من الذئاب، لسنا بلقمة سائغة لتباع أو تشترى على مذبح التسويات.
واستكمل المجلس المذهبي الدرزي التحذير الجنبلاطي ببيان أكد أن «أي قانون انتخابي يخفي محاولات عزل سيجابه بالوسائل والطرق المتاحة، لأن استقرار الوطن يعتمد أولا وأخيرا على حسن التمثيل ومشاركة كل أبنائه‏ وحفظ مكوناته»، مشددا على أهمية التوصل الى قانون جديد يؤمن صحة التمثيل لجميع أطياف الوطن ويمنع عنها أي غبن، ويعتمد العدالة بعيدا عن أي محاولات إلغائية لأي من المكونات الأساسية.
وقال مرجع كبير لـ «السفير» إن موقف جنبلاط يمكن تفهمه، لافتا الانتباه الى أن رئيس «اللقاء الديموقراطي» ينطلق في اعتراضه على النسبية الشاملة من هاجس وجودي يتعلق بمستقبل الزعامة السياسية لآل جنبلاط وللحزب التقدمي الاشتراكي، في حين أن «تيار المستقبل» يعارضها من منطلق مغاير، إذ إنه يخشى من أن يؤدي اعتماد النسبية الكاملة الى تراجع في فائض أرباحه التي جناها بفعل النظام الأكثري.
وفي سياق متصل، قال الرئيس نبيه بري أمام زواره أمس إن تشكيل الحكومة خطوة مهمة، لكن الأهم للبنان وشعبه هو أن ننجز قانون انتخاب عادلا وعصريا ينقلنا الى مرحلة من الاستقرار السياسي، مشيرا الى أن اجتماعات عدة ستتم في هذا الاتجاه، ومن بينها الاجتماع الذي عقد أمس بين «أمل» و «حزب الله» و «المستقبل» والذي سيستكمل غدا بلقاء تحضره هذه الأطراف الى جانب خبراء للتعمق في النقاش الانتخابي.
وأقرّ بري بأن وضع قانون جديد على أساس النسبية، ضمن المهل الدستورية المحددة يبدو أمرا صعبا، لكنه ليس مستحيلا، لافتا الانتباه الى أنه سيبذل أقصى جهده للتعامل بواقعية مع هواجس بعض القوى، كتلك التي عبّر عنها النائب وليد جنبلاط، لعلنا نصل الى صيغة تُوَفِّق بين هذه الهواجس وبين قواعد التمثيل السليم.
وأكد بري أنه يفضل أن تُعقد جلسة منح الثقة للحكومة قبل رأس السنة، حتى ينطلق مجلس الوزراء في عمله بأسرع وقت ممكن، وإذا تعذر ذلك يجب ألا يتجاوز موعد الجلسة حدود الأسبوع الأول من العام الجديد، موضحا أنه لا يتوقع صعوبات أمام وضع البيان الوزاري، مع العلم بأن كل عقدة لها حل.
وقد حضر قانون الانتخاب بقوة في جلسة الحوار الحزبي الـ 38 بين الحزب و «المستقبل» و «أمل»، في عين التينة، حيث أصدر المجتمعون بيانا هنأوا فيه الحكومة الجديدة، معربين عن نظرتهم الإيجابية حيال تشكيلها وآملين في أن تسارع بمهامها لمعالجة الملفات الحيوية وفي طليعتها وضع قانون عصري للانتخابات النيابية تمهيداً لإجرائها في مواعيدها.
وأكدت مصادر المجتمعين لـ «السفير» أن أجواء اللقاء كانت إيجابية ومريحة، معتبرة أن انتخاب رئيس الجمهورية وتأليف الحكومة، وهما بندان كانا جزءا من جدول أعمال الحوار الحزبي، إنما أثبتا جدوى هذه التجربة التي استطاعت من خلال المناخ الذي صنعته أن تمهد لتحقيق هذين الإنجازين، مشددة على أن التواصل المستمر بين «حزب الله» و «المستقبل» عبر أقنية حوار عين التينة، سَهَّلَ التسوية التي انتجت رئيسا للجمهورية ثم رئيسا مكلفا، فحكومة، مع الأمل في أن يُستَكْمَل هذا المسار في اتجاه إنتاج قانون انتخاب جديد.
وأوضحت المصادر أنه جرى خلال جلسة الحوار البحث في مسألة قانون الانتخاب من زاوية التطلع الى المشروع الأفضل الذي يستطيع أن يوفق بين البعد الوطني للتمثيل النيابي وبين خصوصيات الواقع اللبناني، لافتة الانتباه الى أن مشروع بري المختلط واقتراح التأهيل هما الطرحان الأكثر تداولا على طاولة النقاش حاليا.




أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024