منذ 7 سنوات | لبنان / السفير

قبل نحو سبع سنوات، وبينما كان الرئيس الأميركي باراك أوباما يستقبل رئيس حكومة لبنان سعد الحريري في البيت الأبيض، بادر وزراء «8 آذار» إلى تقديم استقالتهم الجماعية، في مؤتمر صحافي عقدوه في الرابية وتلا خلاله الوزير جبران باسيل بيان الاستقالة الجماعية احتجاجا على «التعطيل» الذي أصاب الجهود الرامية الى «تخطي الازمة الناتجة عن عمل المحكمة الدولية»، على حد تعبير باسيل، في إشارة إلى انخراط الحريري وقتذاك في الجهد الدولي الذي أدى إلى إسقاط مشروع «السين ـ سين».
سبع سنوات، لم تتغير خلالها أحوال لبنان وحسب، بل حصلت انقلابات في غرب العالم العربي ومشرقه وقلبه، وخصوصا سوريا، وها هي الولايات المتحدة تشهد اليوم تغيرات قد تصيب العلاقة السعودية ـ الأميركية في صميمها، خصوصا عندما تجد «المملكة» أن عشرات وربما مئات مليارات الدولارات التي صرفتها طوال عقود من الزمن لإحداث خرق جذري في بنية النظام السياسي الأميركي، قد ذهبت هباء ولم يعد السعوديون يجدون في الولايات المتحدة من يدافع عن مصالحهم، إلا إذا استعانوا بالاماراتيين الذين يملكون في هذه المرحلة نفوذا يتقدم على النفوذ السعودي في مراكز القرار الأميركي.
السعودية نفسها تغيّرت لا بل تشهد انقلابا كان أحد أبرز ضحاياه سعد الحريري نفسه. وجد الرجل نفسه فجأة في العراء السياسي والمالي، بدليل ما أصاب شركة المقاولات الأم التي شيّدها رفيق الحريري حجرا حجرا، فإذا بها تصبح خبرا قضائيا في زوايا الصحف اليومية السعودية و «هاشتاغ» في مواقع التواصل الاجتماعي، بينما يكاد مصيرها مفتوحا على كل الاحتمالات، بما فيها التصفية وبالتالي العودة إلى نقطة الصفر في الأعمال والمقاولات.
يكاد سعد الحريري، بشركة «سعودي أوجيه» المتهاوية، وبأسهمه المتلاشية في «البنك العربي»، وبرصيده المتبخر في شركة «تورك تيليكوم» (في أحسن الأحوال لا يربح ولا يخسر)، وبالحجر الذي يسند خابية في «أوجيه للاتصالات» في جنوب أفريقيا، وبأسعار العقارات المتهاوية في لبنان، يقف عاجزا أمام حجم المستحقات والديون المتراكمة.
كان لا بد من العودة إلى «السرايا»، ولقد التقط ميشال عون «الفرصة»، فكان هو الممر الإلزامي لرئاسة الحكومة، بمباركة «حزب الله». كان لا بد من حكومة الثلاثين وزيرا، في بلد لا يتجاوز عدد شعبه بضعة ملايين، بينما لا يتجاوز عدد الوزراء العشرين وزيرا في الصين بلد المليار ونصف المليار نسمة أو الـ 15 في أميركا الدولة الأقوى في العالم.
يعود الحريري إلى السرايا، في سياق صفقة سياسية مكشوفة: لك الرئاسة وحصة وازنة في الحكومة ولاحقا مجلس النواب.. ولي الاقتصاد، ولا بأس بالفوز ببعض المشاريع للتعويم، والعناوين كثيرة في البحر المردوم بالنفايات والمقاولات ومشاريع البنى التحتية والاتصالات والنفط والصفقات المكشوفة في البلدية والكاميرات والميكانيك وكل شيء «ممغنط» وملوث.
يعود الحريري إلى «السرايا» ولا بأس أن تتأخر الصورة التذكارية 24 ساعة حتى عودة «وزير البلاط» من الخارج، برغم أن نظام «الفوتوشوب»، كان قد تكفل سابقا بحجز مكان لأحد الوزراء الذين كانوا مسافرين غداة إعلان حكومة تمام سلام.
يعود الحريري إلى «السرايا» ولن يجد صعوبة بأن تلتقط له صورة تذكارية في اليوم التالي في القصر الجمهوري في بعبدا محاطا بكل من كان سيقيم الدنيا ولا يقعدها لو أنه سمع فقط باسمهم أعضاءً في حكومات فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام.
يعود الحريري إلى السرايا، وبيده بيان وزاري صاغت حروفه الأولى «حكومة القمصان السود» (النأي بالنفس) ولاحقا تكرّست في «خطاب القسم»، وسيجد نفسه مع مرور الأيام شديد التكيف مع تلك الانتقادات التي ستوجه إليه من أهل بيته، طالما أن المطلوب كان الوصول بأي ثمن إلى رئاسة الحكومة، حتى لو اقتضى الأمر شكر «من أثبتوا أنهم أهل لعقد الاتفاقات.. وتنفيذ الالتزامات»، وهم أنفسهم ممن كانوا مصنفين في خانة «الشياطين» قبل شهور وســنوات.
يعود الحريري إلى «السرايا» وأمامه امتحان ـ فرصة، إذا اجتازه فقد يذكره التاريخ اللبناني: وضع توقيعه على قانون انتخابي جديد يفتح الباب أمام تمثيل عادل ومتوازن ومنصف لكل الفئات اللبنانية بما فيها تلك التي تريد أن تخرج من الأسر الطائفي والمذهبي. أما إذا فشل في هذه المهمة، وبالتالي ترك البلد يمضي نحو انتخابات وفق «قانون السكين»، فلن يرحمه التاريخ. سيقال إنه كمن سبقه، راكم ويراكم كل المقدمات الضرورية لإعادة اهتزاز السلم الأهلي.. ولو بعد حين لا أحد يستطيع أن يتكهن بموعده منذ الآن.
يعود الحريري إلى «السرايا» بمهمة محددة على رأس «حكومة انتخابات»، ولا بأس بوصفات انتخابية جاهزة. قالها أحد نواب «تكتل التغيير والاصلاح» قبل يومين بأن حوار «المستقبل» و «حزب الله» و «أمل» في عين التينة هو الممر الالزامي للقانون الانتخابي الجديد!
في هذا السياق، سيُناقش قانون الانتخاب في الاجتماع الدوري الذي سيضم «أمل» و «حزب الله» و «المستقبل» في عين التينة، اليوم، على ان يُعقد بعد غد اجتماع خبراء يمثلون هؤلاء الأفرقاء لاستكمال النقاش التقني، ومن غير المستبعد أن يتدخل الرئيس بري في مسار هذه الاجتماعات، في لحظة ما، لإعطاء دفع للقانون الانتخابي.
وقال الرئيس بري لـ «السفير» إنه إذا كان الوصول الى النسبية الشاملة متعذرا في الوقت الحاضر، فلا بأس في صعود السلم نحوها درجة درجة، مشيرا الى أن هناك مشروعين سيُطرحان على المكونات السياسية لكونهما الاكثر واقعية حاليا، الاول، هو مشروعه المختلط القائم على أساس 64 نسبي و64 أكثري، «مع انفتاحي على البحث في أي تعديل محتمل شرط ألا يمس المعايير الموحدة التي يستند اليها هذا الاقتراح»، والثاني، هو المشروع المركب الذي يقوم على قاعدة التأهيل ضمن الطائفة (لا المذهب) في القضاء وفق الاكثري في المرحلة الاولى، لينتقل بعد ذلك من ينال نسبة معينة من الاصوات (ما بين 15 و20 في المئة) الى خوض المنافسة على اساس الدوائر الخمس الكبرى وفق النسبية في المرحلة الثانية.
وشدد بري على أهمية وحدة المعايير في اي قانون انتخابي جديد، وأكد أن المشروع المختلط الذي وضعه «المستقبل» و «الاشتراكي» و «القوات» موجّه سياسيا عن بُعد ومفصّل على قياسات محددة، بهدف تأمين فوز «قوى 14 آذار» مسبقا، «في حين أنني من جهتي أهتم بأن تكون المقاييس المعتمدة في كل الدوائر مشتركة، غير آسف لا على 8 ولا على 14 آذار».




أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024