منذ 7 سنوات | العالم / الجمهورية

ليس من قبيل الصدفة أن يأتي اغتيال السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف، في هجوم «إرهابي» نفّذه مسلّح انتقاماً لمدينة حلب السورية التي بات النظام على وشك استعادتها بدعمٍ من موسكو، عشية اجتماع بين وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو ونظيريه الروسي سيرغي لافروف والإيراني محمد جواد ظريف اليوم في موسكو لبحث الأزمة السورية. اغتيالٌ يضَعه المستشار في مركز Center for Middle Eastern Strategic Studies ORSAM، والبروفسور في العلاقات الدولية في جامعة Uludag فرحات بيرنشي، في خانة تخريبِ التقارب بين أنقرة وموسكو، نفّذته جهات مُتضرّرة من هذا التقارب.

يَعتبر البروفيسور بيرنشي، أنّ «الحادثَ المأسوي الذي استهدف السفير الروسي في أنقرة يأتي في خضمّ تقارب روسي- تركي، والهدف منه تخريب العلاقات الثنائية بين البلدين».


ويقول في مقابلة مع «الجمهورية»: «مَن لا يريد التقارب التركي- الروسي هو المستفيد من هذا الاغتيال، لكن من المبكر لوم إيران أو الولايات المتحدة، فتركيا تواجه تنظيمات إرهابية على جبهات مختلفة، وقد تكون حركة غولن وراءها».


ويذكّر البروفيسور بيرنشي بشائعات سرَت بأنّ حركة غولن تتشارك معلومات استخباريه مع الولايات المتحدة ولديها علاقة وطيدة معها، في حين لم تعطِ روسيا هذه الحركة أيَّ «ريق حلو».


ولا يُتوقع أن يكون لهذا الحادث المأساوي تداعيات سلبية تُذكر على صعيد العلاقة مع روسيا، كون «موسكو تدرك أهدافه». ويقول: «ما يختلف اليوم عن حادث إسقاط الطائرة الروسية في العام الماضي أنّ العلاقة بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان أكثر قرباً، والتواصل مباشر».


ويضع بيرنشي لقاءَ موسكو اليوم في إطار بحث الملف السوري بعد سقوط مدينة حلب بيدِ قوات النظام، من دون أن يُفرط في التفاؤل عمّا يمكن أن يخرج عنه.


ويقول: «إجتماعُ موسكو ألهدفُ منه تخفيف التداعيات والأخطار الإنسانية، الوضع في سوريا لا يمكن حلّه بسرعة، الوضع الحالي هو حرب يتمّ فيها استنزاف كلّ الأطراف».


ويرفض بيرنشي ما قيل عن خيانة الرئيس التركي المعارضة السورية ودفعها الى الاستسلام في شرق حلب. ويقول: «ما فعَله أردوغان تخفيفٌ

لحدّة المأساة الإنسانية في حلب، فالأمر ليس متعلّقاً بإجلاء المقاتلين فقط بل بالمدنيين، والمقاتلون سيتمركزون وينتشرون في مكان آخر، وبالتالي نحن أمام مرحلة أخرى في الحرب السورية».


ويَعتبر أنّ دافعَ تركيا للتعاون مع روسيا لرعاية اتفاق الإجلاء، هو الوضع الإنساني. ويقول: «تركيا تقرّ بأنّه يجب أن يكون هناك حلٌّ وتقليلٌ للتوتر، لأنّ الولايات المتحدة لا تفعل شيئاً، وبما أنّ تركيا تجاور سوريا، وتقود عملية درعِ الفرات، وروسيا في الميدان، كان هذا الاتفاق».


ويرى بيرنشي أنّ إيران لا تبالي بالمسائل الإنسانية. ويقول: «لستُ متأكداً من احترام ايران لاتفاق الإجلاء. ميلشيات ايران هدفها السيطرة على منطقة نفوذ لها».


ولا يَستبعد بيرنشي أن تكون المعركة المقبلة في إدلب، حيث تَوجّه قسم كبير من المقاتلين. ويقول: «بعض عناصر الجيش السوري الحرّ من الذين ينسّقون مع عملية درع الفرات، سيتّجهون الى ادلب، الحرب في كلّ مكان في سوريا، كذلك لا يجب نسيان الرقة التي يستعدّ الجيش الحرّ لتحريرها».


وفي ظلّ الحديث عن إمكانية ان تستضيف الإستانة المفاوضات السورية المقبلة، يقول بيرنشي: «إنّ مسار جنيف لم يكن مُثمراً، واختيار كازاخستان لتجربة مكان آخر، وجلب المعارضة والنظام للحوار، في ظلّ حماسة روسيا وتركيا، المهتمتين بالتركيز على الجانب الإنساني للأزمة، قد يَنتج عنه تبادُل للسجناء بين الطرفين والمزيدُ من عمليات الإجلاء، لكنّ الحلّ سيكون موقّتاً».


مصالح أنقرة وموسكو المتشابكة


في الوقت عينه، يرى الباحث التركي أنّ» العلاقات بين أنقرة وموسكو متعددة الأبعاد»، وهناك قضايا يختلفان في مقاربتها، من أوكرانيا الى حزب العمّال الكردستاني (PKK ) إلى مسألة إقليم ناغورني كاراباخ.


ويقول: «السياسة تتغيّر يومياً، روسيا وتركيا تسعيان إلى تطوير علاقاتهما الثنائية، فهما لديهما مصالح اقتصادية ولا سيّما في مجال الطاقة، ولكن في السياسة مصالحهما متشابكة».


وبالتالي، «لا يمكن اعتبار روسيا وتركيا أصدقاء على المدى الطويل، أو أعداء» على حدّ تعبير بيرنشي، مُشدداً على أنّه «يمكننا القيام بتسوية وتفاهم على بعض القضايا».


ويرفض بيرنشي الحديث عن استبدال تركيا حلفَها مع واشنطن بروسيا، ويذكّر بأنّ التوتر بين أنقرة وواشنطن مرتبط بثلاث نقاط أساسية، وهي موقف الولايات المتحدة من الربيع العربي، ودعمها كلّ من حزب «العمّال الكردستاني» في العراق وحزب «الإتحاد الديموقراطي» الكردي السوري (PYD) وحركة فتح الله غولن التي نَفّذت انقلاب 15 تموز الفاشل.


ويقول: «نحن نحارب إرهاب PKK منذ عقود، وعوض أن يدعم الاميركون حليفتَهم، يعطون في المقابل اسلحةً الى منظمة ارهابية»، مُرجّحاً أن يكون سلوك الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مؤاتياً اكثر لمصلحة تركيا.


أمّا على صعيد التحوّل الذي شهده النظام الإقليمي في الشرق الاوسط، فهو نتيجة «للفراغ الذي أحدثه غياب الولايات المتحدة عن المنطقة، مما ساعد روسيا في ملء الفراغ»، على حد تعبير بيرنشي، ومستقبلُ هذا النظام مرتبط بما يجري في سوريا والعراق.


ويقول: «سوريا لن تعود كما كانت بعد تحرير الرقّة، وكذلك العراق بعد تحرير الموصل، فمستقبل العراق واستقراره غير واضح، قد يكون مقسّماً وهشّاً. لا يجب إغفال هاتين المسألتين المرتبطتين ببعضهما البعض».


ولا يتوقع بيرنشي أن تنكفئ تركيا داخلياً بسبب التحديات التي تواجهها، بل ستواصل ممارسة نشاطاتها خارج الحدود، لمواجهة التنظيمات الارهابية.


ويقول: «لقد أعلن الرئيس اردوغان اتّخاذ تدابير وقائية لمحاربة الإرهاب، وذلك في اطار عملية «درع الفرات» في سوريا لمنعِ العدوّ من القيام باعتداءات على ارضِنا، الى جانب تدخّلِنا في العراق».


ولا «يعوّف» بيرنشي ايران من دعم حزب العمّال في وجه رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني. ويقول: «تقاطُع مصالح PKK وإيران ليست مصادفة. ان يكون فرع حزب العمال الإيراني (PJAK ) في حالة هدنة ولم يقُم بأيّ اعتداء ضد طهران، يعني أنّ الأخيرة ساعدت الأكراد للتركيز على سوريا وإنشاء حكم ذاتي هناك».


في الشقّ المحلي، يؤكّد بيرنشي أنّ القوى الأمنية بعد اعلان الرئيس اردوغان التعبئة الوطنية، ستَسعى إلى تكثيف جهودها لكشفِ المخططات الارهابية، والتكتيك نفسُه سيُستخدَم تجاه كل من داعش وحركة غولن (فيتو) و PKK.


ولا ينكِر بيرنشي أنّ حالةً من عدم اليقين تسود الشارع التركي. ويقول: «الأتراك لا يزالون في صدمة، على رغم مواجهتهم محاولةَ الإنقلاب الفاشلة، وما يثير قلقَهم بشكل خاص الوضعُ الاقتصادي، وتدنّي سعر صرفِ الليرة التركية». ويَخلص بيرنشي إلى أنّ النظام الرئاسي الذي يسعى اردوغان الى تحقيقه من خلال تعديل الدستور في 2017، سيكون «ملائماً أكثر لواقع تركيا».





أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024