منذ 7 سنوات | فن ومشاهير / الحياة

أصدر الطبيب المصري عصام عبدالصمد الذي تولى متابعة حالة الفنانة سعاد حسني في سنواتها الأخيرة في لندن، كتاباً عنها يضم بين دفتيه العديد من الأسرار. وعبدالصمد هو عميد الجالية المصرية في لندن واشتهر كطبيب تخدير، يقدم خدمات بلا حدود للمصريين في بريطانيا وأوروبا. وهو لم يكن يعرف سعاد حسني قبل قدومها إلى لندن، لكنه تفاعل مع حالتها الصحية في بادئ الأمر ثم تحول إلى صديق لها، وأصبحت جزءاً من أسرته. لذا روت له العديد من أسرارها، وكان شاهد عيان على حياتها خصوصاً في الأيام الأخيرة. وكانت وصية سعاد حسني له أن يكتب كتاباً عنها في حال وفاتها قبله، ولبّى لها هذا الطلب فأصدر كتاب «سعاد حسني... بعيداً عن الوطن... ذكريات وحكايات».


وصف عبدالصمد يوماً في حياة سعاد حسني في لندن على النحو الآتي:

«كانت سعاد عادة تصحو من نومها متأخرة لأنها تخلد إلى النوم متأخرة، وعندما تصحو من النوم، تحضر فنجان قهوة «مسبك» كما كانت تقول. وكانت تصحو من نومها مبكرة في حالة واحدة فقط، وهي وجود مواعيد طبية في الصباح، وكانت لا تحب ذلك. وعليه كنت أحاول دائماً تحديد المواعيد الطبية لها بعد الثانية بعد الظهر. وبعد القهوة كانت تعد لنفسها فطوراً خفيفاً، ثم تذهب إلى سوبرماركت «سينزبري» للتسوق والذي يقع أمام مسكنها. وبعد الرجوع من السوبرماركت كانت تعدّ نفسها للخروج إلى المواعيد الطبية عندما يكون هناك أي مواعيد، أو تعدّ وجبة الغداء وهي عادة تكون متأخرة أيضاً. وكانت سعاد طباخة ماهرة جداً تجرب كل أنواع المأكولات، ولكن كانت «محسوكة» كما كنت أقول لها. بعد ذلك تبدأ القراءة التي كانت مغرمة جداً بها. كانت تقرأ في كل شيء، في السياسة والأدب والفن والأشعار وحتى الطب، خصوصاً الطب النفسي. كانت تقرأ أيضاً سيناريوات، وكانت تقرأ كل المجلات والجرائد العربية، وكانت متتبعة للحركة الفنية في مصر. وعند قدوم الليل كانت تقوم برياضتها المفضلة وهي المشي أو الذهاب لزيارة أحد الأصدقاء أو الذهاب إلى شارع كوينزاوي أو شارع إدجوير رود للتسوق أو تذهب إلى المسرح مع أحد الأصدقاء المقربين لها، وكانت سعاد تحب المسرح جداً مع أنها لم تشتغل به إطلاقاً.

عند رجوعها إلى المنزل في المساء كانت تتناول عشاء خفيفاً إن لم تكن قد أخذت وجبة العشاء في الخارج، ثم تبدأ إجراء سلسلة من الاتصالات الهاتفية (...)، وعادة تختم فاصل التلفونات هذا بمكالمتها لزوجها ماهر عواد. وكانت أيضاً تتلقى بعض المكالمات من أصدقائها في إنكلترا أو خارجها. وكانت هذه التلفونات قليلة لقلة الذين كانوا يعرفون رقم تلفونها. وكانت السيدات سامية جاهين، وبهيجة جاهين، وإنعام سالوسة، وإسعاد يونس، والأستاذ محمود حميدة على اتصال دائم بها. إلى جانب بعض من أفراد عائلتها مثل أختها جنجاه، وزوجها ماهر عواد، وآخرين من أفراد العائلة. وبعد أن تنتهي من تلفوناتها كانت ترجع مرة أخرى إلى قراءة الجرائد والمجلات المصرية والعربية أو مشاهدة التلفزيون، فكانت تشاهد كل القنوات الفضائية مثل الفضائية المصرية الأولى والثانية وقناة تونس والقنوات الفضائية اللبنانية، وقناة MBC، وقناة الأخبار العربية ANN، والقنوات الفضائية الجزيرة، ودبي، وأبو ظبي. وكانت القنوات المفضلة عندها هي «مجموعة راديو وتلفزيون العرب» ART، وكانت القراءة ومشاهدة التلفزيون تأخذان جزءاً كبيراً جداً من الليل...».

 

الحالة المرضية

وصف عبدالصمد حالة السندريلا المرضية على النحو الآتي:

1- مرض الاكتئاب من مدة طويلة منذ أكثر من 15 سنة. وكانت أسباب المرض متعددة منها عدم نجاح آخر فيلمين لها («الدرجة الثالثة» و»الراعي والنساء») وسبب آخر هو وفاة أبيها الروحي صلاح جاهين، والسبب الثالث هو إصابتها بشلل بسيط في وجهها. وكانت تأخذ أدوية الاكتئاب بانتظام، ولكن بعد أن تعرفت إليها أكثر اكتشفت أنها مصابة بمرض الاكتئاب منذ مدة أطول من ذلك بكثير هذا لحرمانها من حنان الأب، وكانت تعالج من هذا المرض اللعين وهي في مصر ولفترات طويلة على أيدي بعض من أساتذة طب الأمراض النفسية مثل الأطباء أحمد فايق، وصالح حزين، ومصطفى زيور الذي كانت تعتبره أباً لها. وعرفت عنها أيضاً أنها كانت لا تحب النوم الكثير وكانت شديدة الأرق، إذ تأتيها أحلام مزعجة وكوابيس.

2- مشكلة ظهرها، بدأت منذ نهاية ثمانينات القرن العشرين، وكانت تعاني تآكلاً في فقرتين في العمود الفقري وهما: فقرة القطن الأخيرة، وفقرة العجز الأولى. وبدأت الآلام تتزايد عليها حين كانت تمثل فيلمها الأخير (عرفت لاحقاً أنه «الراعي والنساء») وتحاملت على نفسها حتى لا تتسبب بإحراج زوجها السابق المخرج علي بدرخان لأنه كان مخرج الفيلم ومنتجه. بعد انتهاء التصوير سافرت إلى مرسيليا في فرنسا عام 1992 وأجريت لها جراحة هناك، على يد الجراح الفرنسي البروفسور رينيه لوي في مستشفى «لا كونسيبسيون» وكانت العملية عبارة عن تثبيت الفقرتين بصفيحة معدنية وعدة مسامير، وكانت نتائجها جيدة. ولكن بعد فترة وعندما دخلت سعاد الخمسينات من العمر بدأت كأي امرأة مصرية في هذا السن يزداد وزنها، ومع زيادة الوزن بدأت الصفيحة بالالتواء الذي أدى إلى آلام شديدة لدرجة أنها لا تستطيع المشي أو الجلوس لمدة طويلة، وكانت تتكئ عند جلوسها على كوعها حتى ترفع جسمها عن ظهرها وكانت دائماً تسمي كوعها أنه ظهرها.

3- أما الأسنان فظهرت مشكلتها أخيراً ومنذ سنوات قليلة، لذلك ذهبت إلى الدكتور هشام العيسوي للعلاج.

4- مشكلة الوجه. كانت سعاد قد أصيبت بشلل فيروسي موقت في العصب السابع المغذي لنصف الوجه الأيمن، وهذا المرض بسيط وعادةً يشفى المريض منه في حدود 3 إلى 6 أشهر، وهناك حالات قليلة لا يشفى فيها المريض شفاءً كاملاً، وكانت سعاد للأسف من ضمن هذه النسبة. المرض ترك ما يشبه الشلل البسيط في أماكن متفرقة من الوجه من الناحية اليمنى وقد أثر ذلك في حالتها النفسية إلى درجة كبيرة.

5- كانت سعاد ممتلئة الجسم قليلاً وكانت تحتاج إلى نظام غذائي صحي على أيدي متخصصين، وكان كل تفكيرها أن تذهب للعلاج من زيادة الوزن في إحدى المصحات (Health Farm) المتخصصة في ذلك».

 

عبد الحليم حافظ

حاول عصام عبدالصمد أن يقدم سيرة ذاتية من واقع ما روته سعاد حسني له بدقة، وأكد في كتابه أنها تزوجت الفنان عبدالحليم حافظ بعقد زواج عرفي، وفسّرت إخفاء هذا الزواج كما يلي: «أنا خبيتها عشان دي كانت رغبة عبدالحليم نفسه، إحنا كنا متزوجين عرفي، وأنا ما كنش عندي مانع أن الزواج يعلن، لكن عبدالحليم يا سيدي طلب السرية التامة خوفاً على معجباته. وأنا كنت متغاظة قوي من الموضوع ده وبعدين علشان أبرد ناري قلت له ده أحسن لي أنا كمان خوفاً على المعجبين بتوعي، ومافيش حد أحسن من حد».

كانت سعاد حسني قبل وفاتها في حالة صحية جيدة، إذ نجحت في رأي عبدالصمد خطة علاجها بما فيها علاجها من الاكتئاب الذي ظلت تعاني منه لسنوات. وأطرف ما في الكتاب هو تلقائية مؤلفه، وإن كان كرر العديد من المعلومات، فقد كشف أن صلاح جاهين لعب دور الأب لسعاد حسني حتى أنه كان مرجعها في شؤونها، واعتبرته مفجر موهبتها الفنية، وارتبطت بأسرته خاصة زوجته وابنته بعلاقة خاصة، واعتبرت زواجها من علي بدرخان أنجح زيجاتها، إذ استمرت هذه الزيجة 11 عاماً، ثم ارتبطت بزوجها الأخير ماهر عواد.

كانت سعاد حسني كما يكتب عبد الصمد «تقرأ ثلاثة أعمال لتمثيلها حال عودتها إلى مصر هي: السيناريو الأول عنوانه «الفارس والأميرة» وهو كان فيلم رسوم متحركة قصة وسيناريو وحوار بشير الديك، وإخراج محمد حسيب. وكان دورها في هذا الفيلم «فاطمة ولبنى» وهو دور صوت فقط بالطبع، وكان البطل أمامها الفنان عمر الشريف بالصوت فقط. وعلمت أخيراً أن مشروع الفيلم رفضه عمر الشريف وسعاد توفيت، ولذا أسند دوراهما إلى أنغام ومدحت صالح. وقد أُخرج من الفيلم عشر دقائق فقط ولا أعلم بقية قصة الفيلم. وكان السيناريو مقدماً من شركة السحر للرسوم المتحركة.

السيناريو الثاني عنوانه «هيرغادا سحر العشق» أو «الغردقة سحر العشق» وكان هذا الاسم الموقت. قصة وسيناريو وحوار وإخراج صديق سعاد الحميم رأفت الميهي، وكان دورها في الفيلم هو سارة، وكان السيناريو مقدماً من شركة «أستوديو13».

السيناريو الثالث عنوانه «اعترافات زوجية» قصة وسيناريو وحوار وإخراج رأفت الميهي، وكان دورها في الفيلم هو الزوجة واسمها سعاد. ولي وقفة هنا عن الأستاذ الميهي الذي كان صديقاً وقريباً جداً من سعاد، وكانت على اتصال دائم به حين كانت في رحلة المرض في لندن، وكانا يتحادثان هاتفياً باستمرار. وأتذكر هنا أنه قبل وفاتها بنحو ستة أشهر حضر رأفت الميهي إلى لندن للتخفيف عن سعاد ومعرفة أخبارها على الواقع ومناقشتها في السيناريوين الخاصين به، ولكن للأسف لم تقابله إطلاقاً، وكانت على اتصال به هاتفياً مرة في فترة الظهيرة، ومرة أخرى في المساء. وفي بعض الأحوال كانت المكالمة تطول أكثر من ساعة. وقالت له سأراك فقط بعد أن أشفى».

الكتاب حافل ويسرد تفاصيل دقيقة في حياة سندريلا السينما المصرية سعاد حسني، لكن أروع ما فيه صدق مؤلفه في كل وقائعه وتلقائيته حتى يمكن أن نعدّه وثيقة لأنه ضم فقرات بخط يدها.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024