منذ 7 سنوات | صحة عامة / وكالات

وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مؤخراً على إجراء تجارب سريرية تهدف إلى مكافحة الشيخوخة والأمراض المرتبطة بالتقدم بالعمر. ويقودنا الدواء المعروف باسم "ميتفورمين" وفهمنا المتزايد لعلم الوراثة إلى ميدان جديد للمواجهة، وقد نكون نحن المسيطرين فيه.

في عام 1993، اجتاح اكتشاف بارز عناوين الصحف الرئيسية في جميع أنحاء العالم. فقد أدى انتزاع جين واحد فقط من الدودة الصغيرة المعروفة باسم الربداء الرشيقة إلى إطالة عمرها بمعدل 50% تقريباً. وتمكن العلماء خلال العقدين التاليين من تشكيل فهم أكثر اكتمالاً لكيفية التقدم بالعمر وسببه. كما اكتشفوا أدلة على حلول ووسائل قد تسمح بالعيش لفترة أطول وأكثر صحة.

ولكن متى تصبح هذه العلاجات الواعدة والمكافِحة للشيخوخة جاهزة للاستعمال السريري؟ ولماذا هي غير موجودة حالياً؟

وبالرغم من عدم وجود أدوية موافَق عليها حتى الآن لعلاج الشيخوخة، إلا أن العلامات المُبشّرة بالجيل الأول من هذه العلاجات هي أقرب من المتوقع.

فهم علم الوراثة يمكنه أن يفيد في فهم شيخوخة الإنسان والأمراض المرتبطة بالعمر

إن أحد الجينات التي يؤدي وجودها إلى تقصير عمر الديدان بمعدل الثلث هو DAF2 (وذلك بالنسبة للديدان التي عاشت لفترة أطول). ويوجد عند الإنسان نفس الجين ولكن باسم مختلف وهو: IGF1، والذي يشير إلى عامل النمو 1 الشبيه بالأنسولين. وكما يوحي اسمه، فإنه يحفز استقلاب الخلايا عند وجود كمية وفيرة من المواد الغذائية.

وتتوافق البيانات المأخوذة من عامل النمو 1 الشبيه بالأنسولين، مع المعرفة القديمة بأن الحدّ من تناول المواد الغذائية بنسبة 20-40% قد تطيل وبشكل موثوق حياة كل المخلوقات التي تم اختبارها تقريباً.

لذلك، فإذا كانت الموارد الغذائية الوفيرة تؤدي إلى نوع من الاستقلاب الغذائي السريع والذي بدوره يقلل العمر، فأين يمكننا أن نبدأ بالبحث عن أدوية تقلل من تأثيرات هذه الطرق؟ والجواب على ما يبدو هو مرض السكري.

فخلال القرن السابق الذي كثر فيه الجهل بوفرة المواد الغذائية، شهدنا انفجاراً في علم الأمراض المرتبط بالإفراط في تناول الطعام وخاصة عند كبار السن، حيث أننا أجهدنا أجهزة استشعار المواد المغذية لدرجة كبيرة وقريبة من التوقف عن العمل، ويعرف ذلك بمرض السكري من النمط الثاني.

ويعاني مرضى السكري عادةً من الإفراط المزمن في تناول الطعام، وتتطور لديهم مقاومة للعمليات الطبيعية التي تستشعر وتخزن الطاقة من الغذاء.

وبما أن أجسادهم تعاني من صعوبة في تنظيم الاستقلاب، فهم بحاجة إلى الأدوية لمساعدتهم في ضبط الاستجابة للغذاء. ويعدّ الميتفورمين أحد الأدوية ذات الجزيئات الصغيرة التي تستخدم لعلاج السكري من النمط الثاني، ويعود منشأه إلى فئة من المركبات المنتجة من أزهار الليلك الفرنسية، حيث تم عزله لأول مرة في عشرينيات القرن الماضي، بينما بدأ استخدامه لعلاج مرض السكري عند الإنسان منذ خمسينيات القرن العشرين.

وبالرغم من كونه أحد أكثر الأدوية الموصوفة شيوعاً في العالم، إلا أن العلماء لا يزالون غير متأكدين تماماً من آلية عمل الميتفورمين في الجسم، فهم يدركون فقط أنه يؤثر في العديد من العوامل الرئيسية لتنظيم الاستقلاب، الأمر الذي يؤدي إلى ضبط أفضل للسكر والأنسولين.

وباعتباره أحد الأدوية الآمنة والفعالة والقادرة على تخفيف الاستقلاب السريع، فإن الميتفورمين سرعان ما توضّع على رأس قائمة المركبات المُعدّة لاختبار دورها في الشيخوخة عند الكائنات. وقد تمّ اختيار الفئران لإجراء تجارب الشيخوخة وأعطيت جرعات من الأدوية المضادّة للسكري بدءاً من عام 2003.

وقد أجريت العديد من التجارب حتى الآن حيث تم علاج مئات الفئران، وعلى ما يبدو فإن هناك إجماع على أن الميتفورمين يطيل عمر الثدييات، ولكن لفترة قصيرة (أقل من 10% في معظم التجارب).

ولكن تبقى الزيادة القليلة في العمر من الأخبار المهمة، لأن إطالة 5% فقط من عمر الإنسان (أي أكثر من 4 سنوات) من شأنه أن يؤدي إلى زيادة معدل الحياة بنسبة أكبر من تلك التي يمكن لحبوب الدواء أن تزيدها بمعجزة عند شفاء أي نوع من أنواع السرطانات (أكثر من 3 سنوات تقريباً).

كما أن كون الميتفورمين يستخدم لعلاج مرض السكري لمدة تزيد عن 40 سنة، يتيح فرصة ممتازة للتجارب الطبيعية بالرغم من أنها غير مثالية.

البيانات الضخمة تساعد في الكشف عن أسرار الميتفورمين

في عام 2014، تساءلت مجموعة بحثية بإشراف كريستيان بانيستر من جامعة كارديف عن ما إذا كان هناك اختلافات في متوسط العمر المتوقع بين مرضى السكري الذين يتناولون أدوية مختلفة من نفس الصنف، أي الميتفورمين من جهة، ودواء آخر يدعى السيلفونيل يوريا والذي يقوم بضبط أعراض السكري بشكل مماثل.

حيث قاموا بالرجوع إلى السجلات الصحية لدائرة خدمات الصحة البريطانية وجمعوا بيانات ما يقارب 200 ألف مريض.

وكان الأمر الذي يدعو إلى التفاؤل، هو أن المرضى الذين كانوا يتناولون الميتفورمين عاشوا بصورة أفضل من المرضى الذين كانوا يتناولون السلفونيل يوريا، وخاصة أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 70 سنة والذين هم عادةً أكثر عرضة للإصابة بأمراض التقدم بالعمر، مثل النوبات القلبية والسكتات الدماغية والسرطان.

ولكن قد يكون هذا الاختلاف بسبب كون الميتفورمين دواء أفضل من السيلفونيل يوريا، وربما لا يكون له علاقة بالشيخوخة بحدّ ذاتها. فغالباً ما يكون مرضى السكري من النمط الثاني ولديهم معدلات أعلى للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الخرف واضطرابات الحركة.

ولمعالجة ذلك، اتخذ فريق كريستيان بانيستر خطوة إضافية. حيث أخذوا سجلات 200 ألف شخص سليم من غير المصابين بالسكري ولكن بنفس عمر مرضى السكري ضمن الدراسة، ولاحظوا معدلات الوفيات لغير المصابين بالسكري.

فعند التركيز على كبار السن في هذه البيانات، ممن تزيد أعمارهم عن 70 سنة والأكثر عرضة لخطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بتقدم العمر، نكتشف توجهاً ملحوظاً: مرضى السكري الذين يتناولون الميتفورمين يعيشون بالفعل حياة أطول بقليل من الأشخاص غير المصابين، وأطول بكثير من مرضى السكري الذين يتناولون السلفونيل يوريا!

ويشير ذلك إلى أنه بالرغم من كل المضاعفات التي ترافق مرضى السكري، إلا أن الاستعمال المتوازن للميتفورمين يزيل تلك المشاكل بل وأكثر.

أول تجربة سريرية للشيخوخة

واستناداً على هذه البيانات، قامت مجموعة من العلماء بإشراف نير بارزيلاي من كلية ألبرت أينشتاين للطب بإجراء تجربة سريرية لأول مرة من نوعها، وذلك لاختبار فيما إذا كان الدواء يستطيع إبطاء عملية التقدم في العمر.

وقد أطلق على التجربة اسم " TAME" والذي يشير إلى "علاج الشيخوخة بالميتفورمين"، حيث تدعو الدراسة إلى إعطاء الميتفورمين إلى الأشخاص المسنين غير المصابين بالسكري ممن يعانون من أمراض أخرى مرتبطة بالعمر مثل السرطان وأمراض القلب والخرف.

فعندما يتقدم الشخص بالعمر ويبدأ جسمه بالتدهور، تحدث الأمور السيئة كلها بنفس الوقت. فالأشخاص الذين يعانون من الخرف غالباً ما يصابون بالسرطان أو السكتة الدماغية بعد ذلك بفترة قصيرة، وبذلك ومع مرور الوقت يموت الأشخاص المسنون وهم يعانون من حالات متعددة، الأمر الذي يدعوه الأطباء بـ "الأمراض المتزامنة".

وقد تم تصميم تجربة علاج الشيخوخة بالميتفورمين لمعرفة فيما إذا كان العلاج بالميتفورمين يستطيع تأخير وقت ظهور إحدى الحالات حتى ظهور الحالة التالية، بغض النظر عن ما إذا كان ذلك هو السرطان حتى الخرف أو الخرف حتى أمراض القلب.

وكان تركيزهم على النتائج التي يمكن قياسها وعلى ترجيح الاحتفاظ ببيانات الميتفورمين لتطبيقات مثل هذه والتي جعلت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية توافق على التجربة في ديسمبر 2015، وهي التجربة الأولى من نوعها الموافَق عليها للشيخوخة بحد ذاتها. وتحاول المجموعة حالياً الحصول على تمويل لإجراء التجربة بالفعل، لأنه لا يوجد شركة دوائية كبرى ترعى استثمار الميتفورمين باسمه العلمي.

ومن الجدير بالذكر أن الميتفورمين لن يكون ينبوع الشباب، فهو ربما يضيف بضع سنوات سليمة لحياتنا أو يقلل من احتمالات الإصابة بالسرطان قليلاً، ولكنه مرحلة مهمة تشير إلى قدوم التقنيات المستقبلية لعلاج الشيخوخة.

وبمجرد وجود طريق سريري مؤكد للموافقة على استعمال الأدوية للأمراض المتزامنة، وعندما تكون شركات التأمين مستعدة لوصف هذه الأدوية للمرضى للوقاية من الأمراض، عندها إذن قد ينشأ جيل جديد من العلاجات يمكنه العمل بشكل أفضل بكثير من الميتفورمين القديم.

وإنه لمن السهل تقليل أهمية علاج الشيخوخة بالميتفورمين بسبب نطاقها المحدود وآثارها القليلة نسبياً على المدى العام للعمر، ولكن الطريق التنظيمي والمالي الذي يشقه نير بارزيلاي وفريقه يعتبر رائداً بالفعل. وتبدأ هذه الخطوات الصغيرة بإظهار أساس الثورة في علوم الشيخوخة.



أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024