منذ 7 سنوات | صحة عامة / الجزيرة

عند الإصابة بنزلة برد يُعاني الكثيرون من اضطراب في حاسة التذوق، فلا يُمكنهم التمييز بين مذاق القهوة والعصير أو اللحم والجبن. ومع الشفاء من نزلة البرد تزول هذه الأعراض المؤقتة. غير أن هذه الاضطرابات قد تكون دائمة لدى البعض. وترجع هذه الاضطرابات الدائمة في حاسة التذوق إلى العديد من الأسباب، وهو ما يجعل تشخيصها أمراً صعباً في كثير من الأحيان.

ويقول البروفيسور توماس هومل من جامعة دريسدن الألمانية "تلعب حاسة الشم دوراً هاماً في إدراك الإنسان للنكهات المختلفة والشعور بمذاق الطعام". ويلتقط البروفيسور كارل بيرند هوتنبرنك -من الجمعية الألمانية لطب الأذن والأنف والحنجرة وجراحة الرأس والرقبة بمدينة بون- طرف الحديث ويقول "يتولى عصب مخي واحد مسؤولية حاسة الشم، بينما تقع مسؤولية حاسة التذوق على ثلاثة أعصاب مخية".

وأضاف خبير اضطرابات الشم والتذوق الألماني هومل، أن حاسة اللمس الشفهية -التي يتولى مسؤوليتها العصب التوأمي الثلاثي- تلعب هي الأخرى دوراً هاماً في الإدراكات الحسية الخاصة بتذوق الطعام، كأن يدرك الإنسان مثلاً المذاق الحريف للفلفل الحار.

وأشار هومل إلى أن العلماء كانوا ينطلقون قديماً من أن مُستقبلات التذوق لا توجد سوى على اللسان فحسب، غير أنهم توصلوا مؤخراً إلى أن منطقة الفم والحلق بأكملها مزودة بهذه المُستقبلات.

وعن ارتباط حاسة الشم بحاسة التذوق، قال هومل "عند التذوق تصعد الجزيئات الكيميائية للأطعمة والمشروبات من منطقة الحلق والفم إلى الأنف"، مشيراً إلى أن المذاق الذي يشعر به الإنسان عند تناول طعام ما يرتبط بشكله وقوامه وطعمه الحريف وكذلك درجة سخونته ومحتواه الدهني.

ويلتقط البروفيسور هوتنبرنك طرف الحديث، قائلاً "نادراً ما تنفصل اضطرابات التذوق عن حاسة الشم؛ إذ إن أغلب الحالات التي يشعر الإنسان فيها بفقدان قدرته على التذوق ترجع في الأساس إلى إصابته بمشاكل في الشم".

ونظراً للعلاقة المعقدة بين حاستي الشم والتذوق، يواجه الأطباء صعوبة بالغة في تشخيص المشاكل المتعلقة باضطرابات التذوق. وبشكل عام يُفرق الأطباء بين اضطرابات التذوق الخالصة واضطرابات التذوق المرتبطة بحاسة الشم.

تعدد الأسباب
ويُرجع الأطباء اضطرابات التذوق الخالصة، أي غير المرتبطة بحاسة الشم، إلى الأضرار الواقعة على مستقبلات التذوق أو إصابات الأعصاب المخية أو لوجود خلل بالمخ، كالذي يحدث مثلاً عند السقوط على الرأس أو عند الإصابة بأورام الدماغ أو بأمراض نفسية.

كما يُمكن أن تُعزى هذه الاضطرابات إلى وقوع بعض الأضرار على الخلايا الحسية بعد الإصابة بعدوى أو نتيجة تلقي العلاج الإشعاعي أو الخضوع للعلاج الكيميائي أو عن طريق تناول نوعيات معينة من الأدوية.

وأشار البروفيسور الألماني هومل إلى أن مئات الأدوية قد تتسبب في تغيير حاسة التذوق، موضحاً أنه "عادةً ما يشكو أغلب الأشخاص بالإحساس بطعم معدني في أفواههم، لكن ليس بالضرورة أن يظهر الشعور بذلك بعد تناول الدواء لأول مرة، إنما من الممكن أن يحدث ذلك بعد عدة أعوام من تناوله".

كما يُمكن أن تتعرض أعصاب المخ الثلاثة المسؤولة عن حاسة التذوق للضرر أيضاً عند الإصابة بكسر في قاع الجمجمة أو بعد إجراء جراحة في الأذن أو الحلق. وأوضح أطباء الأنف والأذن والحنجرة أن الإصابة بالسكري أو باضطرابات في الغدة الدرقية يُمكن أن تؤدي هي الأخرى إلى مشاكل في حاسة التذوق.

وبعد أن أجرى البروفيسور الألماني هومل وزملاؤه بحثاً على أربعة آلاف و680 من مرضى اضطرابات التذوق، توصلوا إلى أن 491 شخصاً فقط هم الذين يعانون من اضطرابات تذوق خالصة، بينما لم يتم استيضاح أسباب هذه المتاعب من الأساس لدى ثُلث المرضى.

وبالنسبة لباقي المرضى، فقد عاني ربعهم من اضطراب في التذوق نتيجة الإصابة بجروح أو التعرض لحوادث، بينما رجع سبب اضطرابات التذوق لدى ربع آخر منهم إلى باقة واسعة من الأسباب، من بينها مثلاً تناول الأدوية، في حين كانت العمليات الجراحية سبباً في إصابة 15% من المرضى باضطرابات التذوق.

الآثار السلبية
وعن الآثار السلبية لفقدان حاسة التذوق قال هومل "يعزف الكثيرون عن تناول الطعام، مما يؤدي بالطبع إلى فقدان الوزن، كما أنهم عادةً ما يُصابون ببعض الاضطرابات المزاجية، التي تصل أحياناً إلى حد الاكتئاب".

وأشار هومل إلى أن الطب حتى الآن لا يمتلك للأسف سوى وسائل قليلة للغاية لمساعدة الأشخاص المصابين باضطرابات التذوق الخالصة، موضحاً "يُمكن للأطباء من خلال إيقاف الدواء أو تغييره التحقق مما إذا كان الدواء هو السبب في اضطراب التذوق أم لا؟ ومن ثمّ يُمكنهم العلاج".

وأضاف البروفيسور الألماني أن الأطباء يلجؤون في هذه الحالات إلى العلاج بالزنك، ويقول "لدينا مؤشرات على أن الزنك يتمتع بتأثير أكثر فاعلية من أدوية البلاسيبو، التي تخلو تماماً من أية مواد فعّالة ولكنها تعتمد في الأساس على الإيحاء وتُعرف بالأدوية الوهمية. غير أننا لم نتمكن من التوّصل إلى أسباب دقيقة لذلك".

أما إذا كانت اضطرابات التذوق ناتجة عن وجود مشكلة بحاسة الشم، فعادة ما تزداد فرص العلاج، وأوضح هومل "يُمكن أن تُعيد الخلايا الموجودة بالجزء العلوي من الأنف بناء نفسها مرة ثانية. ولهذا السبب يُمكن أن يستعيد المريض حاسة الشم ببطء، حتى بعد فقدانها بشكل كامل، تماماً مثلما يحدث عند الإصابة بنزلة برد".


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024