منذ 6 سنوات | العالم / الأخبار



في مقرّ «القيادة والسيطرة» في بلدة تل عبطة، جنوب غربي الموصل، يقود نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، عمليات «محمد رسول الله 2»، التي تهدف للوصول إلى الحدود العراقية ــ السورية. هناك، التقت «الأخبار» بالمهندس، الذي يتمسك بـ«قاعدة» الانتماء إلى الدولة العراقية، والعمل تحت لواء رئاسة الوزراء، في خطابٍ دفاعي مقابل الاتهام بالعمل وفق أجندات خارجية، مؤكّداً ضرورة احتواء أيّ «توتّر» مع حيدر العبادي.

 «حرب الحدود»، قد تذهب بـ«الحشد» إلى سوريا، وعودة القوات الأميركية قد تؤدّي إلى احتكاكٍ أو اشتباك معه، أما العملية السياسية فليست ضمن برامجه. استراتيجية «الحشد»، حسب المهندس، تحرص على تثبيت الهوية «نحن مؤسسة أمنية ــ عسكرية، وجزء من قيادة العمليات المشتركة»


 الرجل الستيني يبدو  بحيوية الشباب. وهو في المكتب مجتمعاً بضيوفه، يتوجّه دون سابق إنذار إلى خطوط التماس. يختفي. تسمع أنّه حطّ في سنجار للإشراف على إنجاز مهمةٍ مستعجلة. يصل ليله بنهاره، ما عكس إرهاقاً على وجهه، فيحاول إخفاء ذلك بابتسامةٍ طوال الحديث. أبو مهدي المهندس، أو «الحجّي» كما يحلو لمحبيه أن ينادوه، يحرص على ترتيب غرفته، وبتفاصيلها الصغيرة: طاولةٌ مستديرةٌ اتُّخذت لتكون مكتباً مصغّراً، ومكاناً للاجتماعات الخاصّة، وسريرٌ بسيطٌ «هجره» ليكون في الميدان.

يروي المهندس قصّة «حرب الحدود»، منذ إطلاق عمليات استعادة مدينة الحضر أو «محمد رسول الله 1»، التي «جاءت عوضاً عن معركة تلعفر». يثبّت المهندس في حديثه قاعدة «الانتماء إلى الدولة»، فـ«الحشد يعمل تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء حيدر العبادي»، الذي طلب من قيادة «الحشد» التوجّه إلى الحدود بوصفها «مشكلةٌ واجب حلّها».


بدأت المعركة بعد أن تحوّل الجهد العملياتي من غربي مدينة الموصل إلى جنوبها. اعتمدت قيادة «الحشد» على «تكتيك قطع الأوصال عن مدينة الموصل». فالطريق الذي سلكه مسلحو «داعش» في إسقاطهم للموصل (حزيران 2014) بات شبه ساقطٍ عسكرياً.


«هذا الشريان هو الذي أسقط الموصل جينا (أتينا) نقطعه»، يقول المهندس، مضيفاً: «هو الطريق نفسه الذي كان تنظيم القاعدة يتخذه للعبور من تركيا باتجاه العراق، حيث كان مسلحوه يجتازون الحدود التركية ــ السورية فمدن البعاج ــ القيروان ــ تلعفر العراقية، وصولاً إلى الموصل». ويتابع في حديثه: أما «اليوم، فإننا نحاصر تلعفر بـ360 درجة، بعد أن وصلنا خطّنا الدفاعي بخطّ قوات البيشمركة في سنجار. كذلك اقتربنا أيضاً من استعادة القيروان، لنتوجه تالياً إلى البعاج، فالحدود السورية».


ويسعى «الحشد» في العمليات الجارية إلى «تنظيف المنطقة الغربية لمحافظة نينوى وإغلاقها بالكامل، ومسك الحدود ــ هناك ــ في المرحلة الأولى». لكن المهندس لا يستبعد أيضاً مطاردة «داعش» داخل الأراضي السورية، مستنداً إلى شهادة العبادي ومستشار الأمن الوطني فالح الفيّاض في هذا الأمر. «لا يمكن بلداً يحترم نفسه، أن يقبل بوجود قواعد إرهاب تنطلق إليه ولا يطاردها»، متمسّكاً بـ«حقنا الطبيعي والقطعي في أن نواجه الإرهاب في سوريا». استراتيجية المهندس بضرب الإرهاب في معاقله لا يمكن أن تتحقّق إلا بـ«التنسيق والاتفاق بين حكومتي بغداد ودمشق، فالعراق يرى في سوريا دولة ذات سيادة وحكومة شرعية».


وتدفع قصة «حرب الحدود» بسؤالٍ عن توجّه «الحشد» إلى غرب الأنبار، واستعادة مدن عَنه، وراوه، والقائم، فيجيب بأن «هناك خطّة لمسك كل الحدود». ثوانٍ من الصمت، يطرح «الحجّي» سؤالاً: «هل هناك تحدٍّ بأننا سنذهب إلى الأنبار أم لا؟». يعاجل بالرّد بأنّ «الفلوجة كانت أصل الموضوع. قيل إننا لن ندخل ودخلنا، فالذهاب ليس رغبةً، بل حاجة». يكرّر المهندس قاعدة «الانتماء إلى الدولة»، موضحاً أنه «إذا طلبت القيادة العامة منّا أن نذهب إلى هناك سنذهب، وإذا استطاعت الحكومة مسك الحدود، فليس هناك من حاجةٍ للذهاب إلى هناك»، فـ«أعمال الحشد تأتي ضمن منظومة عمل القيادة (العمليات) المشتركة».


عملية استعادة مدينة الفلوجة كانت مثالاً استحضره المهندس أكثر من مرّة، وعند الاستفسار عن «فيتو» حول تحرّكات «الحشد»، ينفي وجوده. يقول: «هذه الفلوجة، أعلنوا أن الحشد لن يدخل إليها، ومن ثم دخلناها بطلب من العمليات المشتركة بعد أن عصت على الشرطة الاتحادية ومكافحة الإرهاب»، رافضاً نسب أي انتصارٍ إلى «الحشد» فقط، واصفاً ما يُنجز بأنه «انتصارٌ لجميع الأجهزة الرسمية، ومؤسسات الدولة العسكرية والأمنية».


يتابع المهندس قصّة «حرب الحدود». «هل السباق إلى الحدود هو سباق مع الأميركي؟»، نسأله. يناور «الشايب» بالإجابة عن السؤال، في دلالةٍ على تحفّظه عن الإجابة. «نحن في سباق مع الزمن لضمان أمن العراق، والنهوض بالبلاد مجدّداً، دون أن نعتمد على تحالفات قد يكون فيها شبهة احتلال أو شبهة تدخّل». يتابع المهندس حديثه، مقدّماً رؤيةً تناغي إجابة متوقعة منه. 

«الأميركي صاحب مشروع قديم، وهو مشروع السيطرة على المنطقة». يعبّر عن موقفه الشخصي، مؤكّداً أنه موقف السواد الأعظم من العراقيين الرافض للوجود الأميركي. لكنه يعذر الدولة والحكومة لتحالفها مع واشنطن في الحرب على «داعش». 

يُلزم نفسه ــ رغم عدم اقتناعه بالتحالف مع واشنطن ــ بضرورة احترام قرارت الدولة. فالحكومة مقتنعةٌ بجدوى قوى «التحالف»، إلا أنه يتمسّك بقناعته الشخصية «بأن ما يقوم به التحالف عموماً، والأميركي خصوصاً، ليس مجدياً وغير مفيد، وأن العراق في غنىً عنه، ولا يحتاجهم في واقع الأمر». يستدل على ذلك من خلال «إنجازات الحشد التي حقّقت بإمكانات معقولة وإمكانات الدولة»، مستشهداً بما «يقدّمه طيران الجيش والقوّة الجويّة في هذه الصحراء الشاسعة التي نمشي بها (غربي نينوى)»، بوصفه «جهداً ممتازاً وكافياً».


المهندس الذي يرفض دخول بلاده في أي «حلفٍ» أحادي الجانب (على غرار «التحالف الدولي»)، يؤكّد أنّ العراق اليوم في صلب «مشروعٍ إقليمي» يتعاون من خلاله مع جيرانه في مكافحة الإرهاب. يوضح أن «الحكومتين السابقة والحالية، قد اتخذتا قراراً بفتح المجال الجوّي للطائرات الإيرانية والروسية لإسناد سوريا، رغم الضغوط الأميركية المستمرّة بمنع بغداد من فتح خط جويّ بين طهران ودمشق»، لافتاً إلى أن «أمننا القومي يتحقق بأمن سوريا، ولبنان، واليمن، وجميع دول المنطقة».


ثلاثة أعوام على تأسيس «التحالف الدولي»، والمهندس لا يرى «أي قيمة مضافة له في الحرب على داعش»، وهو أمرٌ ينسحب على الوجود الأميركي في العراق، الذي بلغ إزاء العشرين ألف جندي، بحسب معلومات «الأخبار». الحديث عن «عودة الأميركي» إلى العراق، من نافذة «الحرب على الإرهاب»، يرفضه المهندس، فـ«نحن ضد الوجود الأجنبي مطلقاً، أكان وجوداً عسكرياً أم أمنياً (على شكل شركاتٍ أمنية)، ولا نعتقد بجدوى هذا الحضور أبداً».
ورغم التزامه القرارات الحكومية، إلا أنه يبدي عتباً مبطناً على الأحزاب والقوى السياسية التي وافقت على هذا الوجود. التزام القرار الحكومي لا يلزم المهندس و«الحشد» بالقبول والصمت إزاء ما يجري، بل يدفعهم إلى «المراقبة الدقيقة عسكرياً وأمنياً»، والتحذير من «ازدياد أعدادهم، التي باتت تُستقدم بذريعة حماية مطار، أو حماية طريق، أو حماية حدود». ويصف المهندس الحضور الأجنبي ــ بمختلف مشاربه وألوانه ــ في البلاد بأنه «خط أحمر قاتم بلون الدم». ويشدّد على أن ذلك «يؤثّر بالسيادة، فيما الحكومة والقوى السياسية تعتقد بأنه لا يؤثر»، داعياً إيّاهم إلى «إعادة النظر في هذا الموضوع».
وأمام هذا المشهد، فإن إمكانية حدوث احتكاك أو اشتباك بين قوات «الحشد» والقوات الأميركية أمرٌ واردٌ جدّاً، ولا يستبعده المهندس، وذلك «إذا جرى التعدي على سيادة العراق»، لافتاً إلى أنه «حتى الآن لم يحدث ذلك، فقيادة العمليات المشتركة، التي تتواصل مع قيادة التحالف، لا تسمح بوقوع مثل هذا الاحتكاك».


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024