خسارةٌ جديدة تُسَجّل ضد تنظيم «داعش». مدينة منبج، شرق حلب، أصبحت خارج سيطرته بعد شهرين ونصف الشهر من المعارك المتواصلة مع «قوات سوريا الديموقراطية» المدعومة بمقاتلين أميركيين وآخرين من جنسيات مختلفة. خسارةٌ تعزز التوقعات بأن امبراطورية «داعش» آخذة بالتفكك شيئاً فشيئاً على وقع الحملات العسكرية التي تشن ضده من كل جانب، سواءً في سوريا أو العراق، أو حتى ليبيا.

وقد خرجت أمس، آخر مجموعة من مسلحي تنظيم «داعش» من مدينة منبج، بعدما فتحت لها قوات «قسد» ثغرةً لتسمح لها بالانسحاب باتجاه مدينة جرابلس، التي تعتبر من آخر معاقل التنظيم على الحدود السورية ـ التركية.

ويقدر عددُ عناصر «داعش» المنسحبين من المدينة بحوالي 150 عنصراً، فيما يُقدر عدد المدنيين الذين أجبروا على مرافقة هؤلاء كدروع بشرية بحوالي ألفي مدني، بالإضافة إلى 600 مصاب من مسلحي «داعش»، كما قالت لـ «السفير» الإعلامية في «وحدات المرأة» نيروز كوباني.

وأكدت كوباني أن غالبية المنسحبين هم من «المقاتلين الأجانب» وعائلاتهم من الجنسيات التركية والشيشانية والمغربية والداغستانية، مشيرةً إلى أن المسلحين المحليين تركوا السلاح وغادروا المدينة مع النازحين.

وعكّرت مأساة المدنيين المتخذين كدروعٍ بشرية صفوَ الانتصار الذي حققته قوات «قسد»، خصوصاً أن مصير غالبيتهم بقي مجهولاً، في حين تواردت أنباء عن إطلاق التنظيم المئات منهم لدى وصول سياراته إلى دوار الهرم، وقد وصل غالبيتهم إلى معمل الزعتر. وذكر مصدر لـ «السفير» أن التنظيم أطلق سراح جميع المدنيين، لكنه احتفظ بـ 400 سجين كانوا معتقلين لديه.

وقد انسحبت عناصر التنظيم بصحبة المدنيين سالكين طريق عرب حسن غرب قرية الدادات وصولاً إلى قرية الغندورة بالقرب من جرابلس، بعدما كانت التوقعات أن يتجهوا نحو قرية الدادات، ويعتقد أن السبب هو محاولة تضليل قوات «قسد».

وبخسارة منبج، يفقد «داعش» أحد أهم معاقله على الحدود السورية ـ التركية، من دون أن يعني هذا أنه خسر جميع معاقله الحدودية، فهو لا يزال يسيطر على مدينة جرابلس ذات المعبر الحدودي مع تركيا، وكذلك على بلدة الراعي الحدودية. كما أن طريق إمداده باتجاه الرقة ما زال مفتوحاً من خلال اتباع طريق مدينة الباب نحو مسكنة ومنها إلى الطبقة فالرقة، لكن هذا الطريق أطول من طريق منبج الذي خسره، خاصة أن مدينة جرابلس تبعد عن الباب حوالي 90 كيلومتراً، وهو ما دفع الإعلامية نيروز للقول لـ «السفير» إن «الهدف التالي قد يكون جرابلس من أجل قطع خط إمداد التنظيم».

وحول الشبهات التي تثار حول عمليات «قسد» كونها مدعومة من الولايات المتحدة التي استغلت الأمر لإنشاء قواعد عسكرية فوق الأراضي السورية، أكدت نيروز ترحيبها بهذا التعاون، قائلةً «نحن نرحب بأي قوة تحارب الإرهاب المتمثل بداعش والقاعدة»، مضيفةً «الآن، التحالف لديه قواعد على الارض ويشاركوننا بفعالية عالية في القتال».

كما أن بعض أهداف العملية التي جرى التركيز عليها في بداية الهجوم لتبيان مدى أهمية السيطرة على منبج، لم تتحقق جميعها، وأهمها تفكيك غرفة العمليات الخارجية التي يستخدمها التنظيم من أجل التخطيط لاستهداف الدول الأوروبية. وقد ثبت لاحقاً من خلال اعترافات منشقٍّ عن التنظيم يحمل الجنسيةَ الألمانية، ما ذكرته «السفير» في تقرير سابق حول نقل غرفة العمليات إلى الرقة، حيث أكد هاري سارفو أن التخطيط للعمليات الخارجية يجري في الرقة بقيادة ابي سليمان الفرنسي وأبي أحمد السوري بإشراف أبي محمد العدناني.

وبطيّ صفحة «داعش»، تدخل مدينة منبج عهداً جديداً لم تتضح معالمه بعد، لا سيما في ظل توتر العلاقة بين واشنطن وأنقرة التي كانت اشترطت عدم دخول عناصر «قسد» إلى منبج للتخلي عن اعتراضها على اقتحام المدينة، في حين تؤكد أوساط «وحدات حماية الشعب» أن منبج ستكون جزءاً من الفدرالية التي أعلنت عنها مؤخراً، وهو ما من شأنه أيضاً أن يضاعف من منسوب الغضب لدى العشائر العربية التي تشكو على الدوام من انتهاكات «قسد» لحقوقها وممتلكاتها.

هكذا انسحب «داعش» من المدينة

بعد حرب طويلة نسبياً، شهدت العديد من معارك الكرّ والفرّ، وعمليات القضم البطيئة، انحصر تواجد التنظيم داخل مدينة منبج، في الأسبوعين الماضيين ضمن رقعة ضيقة للغاية، بعدما تمكنت «قوات قسد» من السيطرة على معظم أحيائها باستثناء حي السرب وجزء من حي الوادي. غير أن التنظيم لم يبق لوحده، بل أجبر المئات من المدنيين على البقاء معه لاستخدامهم كدروع بشرية. وبحسب مصدر محلي من منبج تحدث إلى «السفير»، يتراوح عدد مسلحي التنظيم بين 100 و150 عنصراً، بينما يبلغ عدد المدنيين ما يقارب ألفي شخص. وكانت «قوات قسد» قد أعلنت، الأسبوع الماضي عن مبادرة لخروج مسلحي التنظيم والمدنيين من المدينة من دون قتال، مشيرة إلى أن تواجد المدنيين يمنعها من الحسم، غير أن التنظيم لم يتجاوب مع هذه المبادرة، كما رفض سابقاً مبادرات عدة مماثلة، والسبب الرئيسي لرفضه هو اشتراط انسحاب عناصره من دون سلاح.

وقد تصاعد الموقف في المدينة، صباح أمس، عندما أعلنت «قوات قسد» أنها ستقوم باقتحام معاقل التنظيم الأخيرة في المدينة بغضّ النظر عن وجود المدنيين «لأنه لم يبق لنا أي خيار لتحرير الرهائن غير الحسم العسكري و إطلاق عملية شاملة لدحر بقايا ارهابيي داعش المتبقين في حي السرب الذي يتحصنون به، لتكون هذه عملية الحسم الأخيرة لتحرير مدينة منبج»، كما ورد في بيان صادر عن «مجلس منبج العسكري» الذي هو جزء من «قوات سوريا الديموقراطية» موكلة به مهمة تحرير منبج لتفادي الاعتراض التركي على العملية ولطمأنة العشائر العربية.

وقد تزامن هذا البيان مع تسريب معلومات من داخل منبج بأن مسلحي «داعش» جمعوا أنفسهم في مدرسة حي السرب مع مئات المدنيين وبدأوا يتحضرون للانسحاب من المدينة بغض النظر عن موافقة «قسد» من عدمها، علماً أن أول حاجز لـ «قسد» لا يبعد سوى 400 متر عن المدرسة، الأمر الذي أثار مخاوف كبيرة من المصير الذي قد ينتظر الأهالي في حال حصول اشتباكات بين الطرفين اثناء الانسحاب.

وقد ذكر المصدر السابق أن التنظيم عمد إلى تفخيخ جميع السيارات التي استخدمها في الخروج. وفي البداية، أرسل رتلاً من أربع سيارات «بيك آب» تحمل عشرات المدنيين في صناديقها الخلفية، كاختبار لرد فعل «قسد»، إلا أن الرتل تعرض لإطلاق نار من قبل عناصر الأخير، ما أدى إلى استشهاد أحد المواطنين وإصابة آخرين، لترتفع وتيرة المخاوف، خصوصاً أن ذلك تزامن مع إعلان «قسد» عن نيته اقتحام حي السرب قبل خروج «داعش» منه.

وقد أكدت الإعلامية نيروز كوباني قيام «قسد» بالهجوم على حي السرب، معقل «داعش» الأخير، من أربع محاور، لكنها اشارت إلى أن «قسد» تعمّدت ترك ثغرة لانسحاب مسلحي التنظيم منها، وهو ما حدث بالفعل بعدما احتمى عناصر التنظيم بين المدنيين الذين جرى توزيعهم على السيارات، في حين أجبر بعضهم على السير على الأقدام على جنبات الطريق. وبعد الانسحاب، قام بعض عناصر التنظيم بتفجير أنفسهم داخل المدينة في اللحظات الأخيرة من دون معرفة السبب، لتُعْلَن المدينة بعد ذلك محررة بالكامل


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024