منذ 6 سنوات | لبنان / الجمهورية

ثبتَ لكثير من المتابعين أنّ كلّ ما يجري إزاء قانون الانتخاب العتيد، كان ولا يزال لا يعدو كونه مراوحة لن تُسمِن ولن تغني من جوع البلاد إلى قانون انتخاب حقيقي يطوّر حياتها السياسية ويقيم سلطة جديدة تليق بتطلّعات اللبنانيين إلى غدٍ أفضل.

ينظر معنيّون بالاستحقاق النيابي بتشاؤم كبير إلى ما يجري من تحرّكات تحت عنوان السعي إلى «التوافق» على قانون انتخاب جديد، ويؤكّدون أنّ كلّ هذه التحرّكات ستنكشف على حقيقتها يوماً بعد يوم كلّما اقترَب موعد 15 أيار المقبل، لتكون النتيجة أن لا قانون انتخاب جديداً سيُتفَق عليه، وأنّ الأمر قد يكون في أقصى الاحتمالات «تجميلاً» لقانون الستّين النافذ حتى لا يتعرّض العهد، ومعه كلّ القوى السياسية لـ«إحراج» أمام اللبنانيين الذين «وُعِدوا» بأن تُجرى الانتخابات المقبلة على أساس قانون انتخابي جديد يحقّق عدالة التمثيل وشموليته لشتّى فئات الشعب اللبناني وأجياله في الندوة النيابية.


ويستدلّ هؤلاء على استحالة الاتفاق على قانون الانتخاب من خلال رفضِ أفرقاء سياسيين أساسيين اعتمادَ النظام النسبي في هذا القانون للتهرّب من عدالة التمثيل النيابي وشموليته التي يؤمّنها وتخفِض أحجامهم التمثيلية، فيما هم يرغبون الاستمرار في النظام الأكثري وفق أيّ قانون انتخابي ليستمرّوا في هذه الأحجام ويقبضوا على التمثيل النيابي خدمةً لمصالحهم السياسية وغير السياسية، ولمنعِ المنافسين لهم من النفاذ لئلّا يهدّدوا وجودهم السياسي أو يُضعفوه في السلطة، وكذلك في الحياة السياسية.


ويقول البعض إنّ غالبية القوى السياسية مارست ولا تزال تمارس المناورة في بحثٍ مزعوم عن قانون انتخاب جديد، ومن يراجع الصيَغ الانتخابية المتلاحقة التي تناوَبت هذه القوى على طرحها، يكتشف بسهولة أنّها لا تعدو كونها دوراناً في حلقة مفرغة، فاليوم قانون مختلط بنسبية أكبر من أكثرية أو العكس، أو نِصف بنصف أكثرياً ونسبياً، أو نسبي وتأهيلي أو تفضيلي وأرثوذكسي أكثري على أساس القضاء دائرة انتخابية، ونسبي على أساس المحافظة دائرة انتخابية، وتعديل لصيغة الـ64/64 التي طرَحها رئيس مجلس النواب نبيه بري، من مثل صيغة طرَحها الوزير جبران باسيل قبل أسابيع، والصيغة التي اقترحها الحزب التقدمي الاشتراكي السبت الماضي.


وفي كلّ مرحلة يكرّر هذا الفريق أو ذاك طرح هذه المشاريع في صيغ مختلفة يتبيّن أنّها مطوّرة إلى الأسوأ وليس إلى الأفضل، للإيحاء بأنهم يعملون لإقرار القانون العتيد، وتكون النتيجة تكراراً ممجوجاً لصيغٍ انتخابية أكلَ الدهر عليها وشرب في نظر اللبنانيين ولكنّها «جديدة» في نظر مقترِحيها الهاربين من عدالة التمثيل وشموليتِه الى حضنِ النظام الاكثري الذي يؤبّد وجودَهم في النيابة والسلطة وفي الحياة السياسية عموماً.


ويَستغرب سياسيون كيف أنّ البعض تذكّروا استكمالَ تنفيذ «اتفاق الطائف» الذي لطالما تجاوزوه أو أهملوه، أو أخطأوا في تنفيذه أو شوّهوه، وذلك لمناسبة البحث في قانون الانتخاب، مع العِلم أنّ إنجاز مِثل هذا القانون وفق ما يقتضيه «الطائف» هو من ضِمن بنوده التي لحقَها التشويه عند التنفيذ، بل إنّه المدخل الحقيقي إلى تنفيذ «الطائف» الذي أصبح دستوراً ما زال البعض يمعِن في عدم تطبيق مواده.


فقانون الانتخاب الذي ينادي به هذا «الطائف» ينبغي أن «يؤمّن صحة التمثيل السياسي لشتّى فئات الشعب وأجياله، وفعالية ذلك التمثيل». وعندما يحقّق ذلك يُترجَم مشاركة وطنية شاملة في القرار على مستوى كلّ مؤسسات الدولة، ولا يعود هناك استبعاد لأيّ طائفة أو مذهب أو فريق سياسي أو شريحة لبنانية عن المشاركة التي تُعزز صيغة العيش المشترك بين اللبنانيين في إطار دولة عادلة وقوية وموحّدة، لا يَفتئتُ فيها فريق أو أفرقاء على حقوق الآخرين.


على أنّ البعض يستدلّ لتأكيد صيرورة البلاد إلى «تمديد تقني» لمجلس النواب تمهيداً لانتخابات على اساس قانون الستين مُجمّلاً، إلى المقترحات المتداولة والتي يستحيل تنفيذها في هذه العجالة لأنّ دونها إجراءات ينبغي اتخاذها قبلاً من مثل انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، وإنشاء مجلس الشيوخ، فمثل هذين الامرين لا يمكن تأمينهما بين ليلة وضحاها، وإنما يتطلب إلغاء الطائفية السياسية وفق ما تنصّ عليه المادة 95 من الدستور من خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية تدرس وتقترح الطرق الكفيلة بإلغاء هذه الطائفية.


وفي مراجعة لكلّ الصيغ التي طرِحت يتبيّن أنّ أيّاً منها لم تقم على ميزان يرجّح عدالة التمثيل وشموليته في المجلس النيابي، وإنّما يستبطن مصالح سياسية ورئاسية ظاهرة ومضمرة لهذا الفريق السياسي أو ذاك، من شأنها إبقاء البلاد على ما هي من تخلف يَمنع تطوير نظامِها السياسي بما يليق بروح العصر. فالمادة 22 من الدستور تقول: «مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثّل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية».


ولذلك فإنّ هذا النص الدستوري يدلّ في وضوح إلى وجوب انتخاب «مجلس نواب على اساس وطني لا طائفي» شرطاً للشروع في إنشاء «مجلس للشيوخ تتمثل فيه العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية».


وحتى يكون للبنان مجلس نواب وطني لا طائفي ينبغي ان تكون الطائفية السياسية قد ألغيَت، وهذا ما لم يحصل حسب المادة 95 من الدستور ومنذ انتخاب اول مجلس نيابي على اساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين الذي أناطت المادة 95 نفسها به «اتّخاذ الاجراءات اللازمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضمّ بالإضافة الى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية مهمتها درسُ واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها الى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية».


وإلى أن تُلغى الطائفية لا يمكن انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، وبالتالي لا يمكن إنشاء مجلس للشيوخ رُبط إنشاؤه بذلك المجلس النيابي غير الطائفي. ولذلك إذا تعذّر الاتفاق على قانون انتخاب على اساس النظام النسبي كلياً لن يكون هناك قانون وانتخابات خارج قانون الستين النافذ مهما كانت فترة التمديد الجديد لمجلس النواب التي سيبدأ العد العكسي لإقرارها ابتداءً من 15 أيار المقبل.





أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024