عشية الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في فرنسا، عززت السلطات التحصينات الامنية عبر نشر عشرات الآلاف من قوى الامن وعناصر الجيش في شتى المناطق، ولا سيما في العاصمة باريس والمدن الكبرى. واصبح الإرهاب الهاجس الاول للسلطات والناخبين على السواء، اثر الاعتداء الارهابي الاخير الذي استهدف مساء اول من امس رجال الشرطة في جادة الشانزيليزيه الباريسية.


وكشفت الشرطة الفرنسية امس عن اسم الارهابي الذي نفذ الهجوم، واعلنت ان «كريم شرفي البالغ من العمر 39 عاما هو الارهابي الذي هاجم الشرطة في الشانزيليزيه فقتل شرطيا يدعى كزافييه جوغيليه (بطلقتي رشاش في رأسه)، واصاب شرطيين اثنين آخرين وسائحة المانية بجروح». واوضحت مصادر مقربة من التحقيق ان «شرفي هذا ذو ماض اجرامي وله سوابق عدة وقد امضى فترات في السجون مجموعها 14 عاما. وكان اطلق النار على الشرطة عامي 2003 وعام 2005 وسجن سنوات عدة بتهمة محاولة القتل. ثم سجن عام 2014 بجرائم سرقة. كما تم توقيفه مجددا في شباط الفائت بسبب تهديده علنا رجال الامن لكنه لم يسجن لعدم توافر الادلة». 


وقامت الشرطة الفرنسية بمداهمة العناوين التي كان الجاني يتردد اليها في ضاحية «شيل» الباريسية والقت القبض على ثلاثة اشخاص من افراد عائلته في اطار التحقيقات وعمليات الاستجواب. 


وكانت القوى الامنية بعدما قتلت الارهابي (الذي حاول الفرار بعد فعلته) عثرت بحوزته على ورقة يؤكد فيها تبنيه الفكر الداعشي وتأييده لتنيظم «داعش» الارهابي، كما وجدت في سيارته بندقية وسكينا وكتاب قرآن. واكدت الشرطة ان شرفي لم يكن تظهر عليها امارات التطرف الإسلامي، ونفت السلطات الفرنسية ان يكون شرفي بلجيكي الجنسية، بعدما اعلن تنظيم «داعش» في بيان ان منفذ هجوم الشانزيليزيه يدعى «ابو يوسف البلجيكي». ولم يعرف بعد ما اذا كانت الامور التبست على التنظيم الارهابي بين شرفي ومشتبه فيه آخر، سلم نفسه للشرطة البلجيكية امس بعدما راى صوره تتداول عبر وسائل الاعلام على انه مشتبه به اخطرت بلجيكا فرنسا عنه في اطار تحقيقات فرنسية - بلجيكية مشتركة بمخططات ارهابية قد تنفذ على الاراضي الفرنسية في فترة الانتخابات. لكن وسائل الاعلام الفرنسية اكدت امس ان الفرنسي الذي سلم نفسه في بلجيكا لا علاقة له بمنفذ هجوم الشانزيليزيه.


وبالطبع القى الهجوم الارهابي بظلاله على الساعات الاخيرة من الحملات الانتخابية للمرشحين الرئاسيين التي علقت وفق قانون الانتخابات الفرنسي ابتداء من منتصف ليل الجمعة - السبت. 


فقد نددت مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن بالاسلوب الذي تنتهجه ادارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للتعامل مع التهديدات الارهابية، وطالبتها بتجريد جميع المشتبه في انهم ارهابيون من الجنسية الفرنسية وطردهم من البلاد (في حال كانوا يملكون جنسية اخرى) او سجنهم (في حال كانوا يملكون فقط الجنسية الفرنسية) بدلا من ابقائهم تحت المراقبة طوال الوقت، كما دعت الى اعادة اغلاق الحدود الفرنسية المفتوحة امام حركة حرية التنقل الاوروبية. واستخدم مرشح اليمين المعتدل فرانسوا فيون لهجة صارمة فقال «ان محاربة الاسلام الشمولي يجب ان تكون اولوية الرئيس المقبل. نحن في حالة حرب. لا بديل من ذلك، إما نحن وإما هم». 


وندد رئيس الوزراء الفرنسي برنار كازونوف بتصريحات لوبن وفيون واتهمهما باستغلال الهجوم الارهابي لغايات انتخابية. اما مرشح الوسط ايمانويل ماكرون فدعا الى الهدوء وعدم الخوف لأنه برأيه «ما يرغب به الارهابيون هو زعزعة استقرار فرنسا واخافة الفرنسيين»، وقال انه «في مثل هذه الظروف واجب الرئيس الفرنسي حماية شعبه وانا جاهز».


واعلنت قيادة الشرطة الفرنسية تنكيس الاعلام نصف تنكيسة في جميع مديريات الشرطة حدادا على الشرطي الضحية، بينما دان معظم زعماء العالم هجوم الشانزيليزيه، كذلك ندد الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالاعتداء الارهابي قائلا في تغريدة «هجوم إرهابي آخر في باريس. الشعب الفرنسي لن يتحمل مزيدا من هذا. سيكون لذلك تأثير كبير على الانتخابات الرئاسية».


وعند حلول منتصف ليل الأمس (الجمعة - السبت) انتهت الحملات الانتخابية للمرشحين المشاركين في الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، واصبح محظرا نشر نتائج اي استطلاع للرأي الى حين اقفال صناديق اقتراع الجولة الاولى وبدء فرز الاصوات في تمام الساعة الثامنة ليلا (بتوقيت باريس) من يوم غد. 


وتقدم «المستقبل» في هذا التقرير النتائج الوسطية عبر استطلاع اجرته بدمج نتائج آخر استطلاعات نشرتها امس اكبر مراكز الاستطلاعات الخاصة بانتخابات الرئاسة الفرنسية: «بي في آي انتراكتيف»، «هاريس»، «ايفوب - فيدوسيال»، «اوبينيون واي»، «ايبسوس» و«و»ايلاب«.


ووفق المعدل الوسطي لهذه الاستطلاعات الخاصة بالجولة الأولى التي تشهدها فرنسا الأحد، يأتي مرشح حركة»ان مارش«الوسطية ايمانويل ماكرون في المركز الأول ب23,6 في المئة من اجمالي الاصوات. مرشحة حزب»الجبهة الوطنية«اليميني المتطرف مارين لوبن في المركز الثاني ب22,5 في المئة. مرشح حزب»الجمهوريين«اليميني المعتدل فرانسوا فيون في المركز الثالث ب19,4 في المئة. مرشح حركة»فرنسا الغير خاضعة«اليسارية الراديكالية جان لوك ميلانشون في المركز الرابع ب18,8 في المئة. ومرشح الحزب الإشتراكي (اليسار المعتدل) بنوا هامون في المركز الخامس ب7,8 في المئة.


وبحسب قانون الانتخابات الرئاسية الفرنسية يمكن لأي مرشح حسم المعركة من الجولة الاولى في حال تمكن من جمع اغلبية ساحقة من اجمالي الاصوات لكن هذا امر شبه مستحيل بسبب شدة المنافسة ووجود 5 مرشحين بارزين، لذا لا بد وان تتفرق الاصوات بينهم بشكل يحتم حصول جولة ثانية حاسمة تفصل بين المرشحين اللذين يحتلا المركزين الاول والثاني في الجولة الاولى. وتجدر الإشارة الى ان جميع استطلاعات الرأي الأخيرة اجريت بين يومي 19 و20 نيسان الجاري وقبل وقوع الاعتداء الارهابي الاخير في جادة الشانزيليزيه الباريسية. وهناك ترجيحات بأن الاعتداء الارهابي قد يرفع اسهم مارين لوبن بشكل كاف ليضعها في المركز الاول بدل ماكرون، الا انه لن يؤثر سلبا او ايجابا على باقي المرشحين.


وفي حال صحت استطلاعات الرأي فإن ماكرون ولوبن سيتأهلان الى الجولة الثانية الحاسمة التي تجرى في السابع من ايار المقبل، وعندها ترجح الاستطلاعات فوزا سهلا لماكرون كونه سيجمع من حوله جميع الناخبين الفرنسيين الرافضين للأفكار والمبادئ المتطرفة التي يمكن ان تطبقها لوبن في البلاد في حال فوزها.


وكانت استطلاعات الرأي اكدت منذ بداية السباق ان ملف الارهاب والأمن هو الهاجس الاول لأكثرية الناخبين الفرنسيين بعد سلسلة الاعتداءات الارهابية التي طالت بلادهم خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة. وفي هذا السياق تعتبر لوبن المرشح الأكثر تشددا فقد تعهدت بإغلاق الحدود الفرنسية واعادة تنظيم شؤون الهجرة، وبترحيل المجرمين الأجانب والمشتبه في انهم ارهابيون وتجريدهم من الجنسية الفرنسية. ويأتي فيون ثانيا فالمرشح الجمهوري وعد بتجريد اي فرنسي يتجه للقتال في سوريا والعراق من الجنسية الفرنسية في حال عاد الى الاراضي الفرنسية. اما ماكرون فيدعم بناء سجون ضيقة مصممة خصيصا للمتطرفين والارهابيين المحتملين


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024