منذ 7 سنوات | لبنان / الجمهورية



نُحِّيت الملفّات الداخلية بكلّ تعقيداتها جانباً، وأُعطيت إجازة موقتة حتى مطلع نيسان، الذي يبدو أنه شهر الحسم والاختيار بين الاستمرار في إنتاج السلبيات، وبين الذهاب الى الإيجابيات وفي مقدمها توليد قانون الانتخاب الموعود.

 فيما انشَدّت الحواس اللبنانية كلها نحو القمة العربية في الاردن، أملاً في أن تزرع الأمل في سماء العرب في إمكانية تقريب المسافات وإعادة مدّ الجسور في ما بينهم.

في قلب المشهد العربي الذي عكسته القمة العربية خلال اجتماعها في الاردن، أمس، أبرَزت خطابات القادة العرب المخاطر التي تتهدّد الأمّة، وأوّلها الارهاب الذي يتهدّد كل المجتمعات العربية، كذلك الاوجاع التي تعصف من خاصرته السورية كما من اليمن والعراق.

وامّا الشقيق الأصغر لبنان فبَدا في موقعه معبراً عن نفسه كنقطة جَمع بين العرب، وموجّهاً البوصلة الى المكامن الحقيقية لتلك المخاطر وسبل درئها ومواجهتها.

وإنْ تَعثّر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على باب القمة، فإنه لم يتعثّر في رسم صورة الوضع العربي المتعثّر. فقد قدّم كلمة غير تقليدية، وجدانية في الشكل، إنما كانت سياسية بامتياز في المضمون.

تفادى الوقوع في الخلافات اللبنانية من جهة، وفي الصراعات العربية والاقليمية من جهة أخرى، ونجح في قلب التقليد السابق؛ حيث كان العرب يتوجهون بنداءات نحو لبنان، فإذا برئيس لبنان هذه المرة هو من يوجّه النداء للعرب لوَقف خلافاتهم.

جاءت كلمة عون عمومية، حَلّق فيها فوق القضايا الاساسية من دون ان يهبط في ايّ منخفض جوي او فجوة أرضية. لكنّ ذلك لم يمنعه من محاولة إسقاط التجربة الحوارية اللبنانية على العرب، وإطلاق مبادرة رَمى من خلالها الى فتح حوار في ما بينهم لحلّ مشكلاتهم بعيداً من العنف.

وكان اللافت في كلمة رئيس الجمهورية أنها توجّهت الى الانظمة والشعوب العربية، فدعا الى وقف الحروب لأنها اصبحت عبثية، والى عدم تدخل ايّ دولة في شؤون دولة عربية اخرى بحيث تختار كل دولة نظامها.

كما توجّه الى جامعة الدول العربية، فدعاها الى الخروج من نومها العميق لتتمكن من تأدية الدور الذي من أجله أُنشِئت، وهو لَمّ الشمل العربي ذلك انّ الموقف ـ الطرف الذي اتخذته الجامعة منذ بدء الثورات في عدد من الدول العربية عَطّل دورها كوسيط او كمرجعية جامعة، ما جعل مرجعيات دولية وإقليمية غيرها تقوم بالدور.

ولعلّ اللافت للانتباه في كلمة الرئيس عون هو انّ دعوته الى لَم الشمل العربي تنطوي على دعوة بطريقة غير مباشرة الى إعادة سوريا وكل جهة عربية مُقصَاة، الى الجامعة لكي تتمكن من القيام بدورها. وامّا الأساس في ما تقدّم، فهو انّ هذه «المواقف العربية» لرئيس الجمهورية تفترض تجاوباً عربياً معها لئلّا تبقى صوتاً صارخاً في الصحراء.

امّا على الصعيد اللبناني فتجَنّب رئيس الجمهورية إثارة ايّ عناوين ساخنة او محل إشكال، فلم يقارب في كلمته «حزب الله» ودوره في سوريا لئلّا تتحول كلمته الجامعة في الاردن، مصدر خلاف في لبنان مثلما حصل لدى زيارته مصر.

غير انّ الرئيس عون طرح صراحة مرة أخرى معاناة النازحين السوريين بسبب نزوحهم ومعاناة لبنان بسبب وجود النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين بهذه الأعداد الهائلة (نحو نصف سكان لبنان)، فدعا الدول العربية من خلال قادَتها الى السير بمشروع إعادة النازحين السوريين الى مناطق آمنة في سوريا.

ولذلك لاحظت مصادر سياسية أنها المرة الاولى التي لا يطلب فيها لبنان مساعدات مالية وكأنه يقول للعرب لا نريد مالاً لتوطين النازحين إنما نريد مشروعاً لإعادتهم الى بلادهم حفاظاً على وحدة سوريا وسلامة للبنان.

وفي النهاية أتت كلمة عون مخيّبة لآمال الذين كانوا يراهنون أنه سيتكلم كرئيس لفريق لبناني، لا كرئيس لكلّ لبنان.

وأمّا في الجانب المتصل بـ«الرسالة الخماسية» التي بعث بها رؤساء الجمهورية والحكومة السابقون الى قمة عمان، فيبدو انها لم تفتح. فيما توقّف متابعون لأعمال القمة من الجانب اللبناني أمام مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي اصطحب معه الى الرياض رئيس الحكومة سعد الحريري، بعد مضيّ وقت طويل لم يقم به الأخير بزيارة رسمية الى المملكة. واذا كانت ثمّة من قرأ في الرسالة الخماسية محاولة إحراج للحريري، فإنّ مبادرة الملك سلمان فيها من المغازي والمعاني الكثير الكثير.

تجدر الاشارة الى انّ عون كان قد التقى، على هامش اعمال القمة، العاهل السعودي قبل مغادرته الاردن، وكان عرض سريع للعلاقات الثنائية اللبنانية- السعودية والتطورات التي تشهدها المنطقة.

وقد كان لكلمة رئيس الجمهورية في القمة صدى إيجابياً في الداخل اللبناني، ووصفها مرجع سياسي كبير لـ«الجمهورية» بأنها كلمة بحجم المرحلة.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024