منذ 7 سنوات | حول العالم / Huffington Post

تشهد هذه البلاد الآسيوية ازدياداً في إقبال كثير من السكان على تناول لحم الكلاب لا سيما في بلد كـ إندونيسيا، الأمر الذي يبدو غريباً للغاية بالنسبة لسكان منطقة الشرق الأوسط.

واجتذب موضوع أكل الكلاب في إندونيسيا الاهتمام، عندما كشف الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما أنه أكل لحم الكلاب خلال إقامته في هذه البلاد وهو طفل.

ومثلما هو الحال في كل الدول التي تأكل لحم الكلاب، تقوم التجارة كلها في إندونيسيا في الخفاء، والبيانات الموثوقة عن معدلات الاستهلاك نادرة جداً. لكن أصحاب المطاعم، والجزارين، والباحثين، والمدافعين عن حقوق الحيوان، كلهم يتفقون في أن الكثير من الكلاب تُقتَل وتؤكل هنا.

المفاجأة أن هذا عكس ما يحدث تماماً في باقي دول آسيا، مثل كوريا الجنوبية والصين، حيث تقل هذه الممارسات بشكل مطرد، وذلك لارتفاع الأجور الذي تبعه ارتفاع معدلات اقتناء الحيوانات الأليفة والاهتمام بها، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

وتُعد إندونيسيا مثالاً على أن النمو الاقتصادي قد تكون له نتائج عكسية، بإتاحة لحم الكلاب في متناول الناس الذين لا يبدون أي اعتراض.

ويقول الطبيب البيطري إريك برام، الذي يعمل بوكالة الزراعة التابعة للأمم المتحدة في بنغلاديش، والذي عمل في إندونيسيا لمدة تسع سنوات: "إنه نمطٌ غذائي، ليس في إندونيسيا وحدها، بل في كل منطقة جنوب شرق آسيا".

يضيف برام قائلاً: "بعض تلك المجتمعات لها نفوذ أكبر في الأسواق، ومعدلات ربحٍ أعلى، لذا يزداد الطلب. وكلما ازداد الطلب على لحم الكلاب، سيزداد معدل إنتاجه والتجارة فيه".

ونقل موقع "بي بي سي" عن وكالة شينخوا الصينية للأنباء أن عادة أكل لحم الكلاب يعود تاريخها إلى 400 أو 500 سنة مضت في الصين وكوريا الجنوبية وغيرها من الدول الآسيوية، اعتقاداً من السكان بأن تناول هذه اللحوم يخفف من قيظ أشهر الصيف.

ويقول الباحث في حماية الحيوان براد أنتوني، وهو مُحلِّلٌ كندي مقيم في سنغافورة، إن الكثير من فقراء إندونيسيا الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف اللحم البقري، إلا في مناسباتٍ معينة، يُعتَبَر لحم القطط والكلاب في متناول يدهم.

ويضيف: "من وجهة نظر عملية ومتخصصة، فإن تربية الكلاب والقطط تحتاج إلى مساحات وموارد تغذية أقل بكثير مما تحتاجه تربية الأبقار، لذلك فهي أرخص. إن الاقتصاد في التكاليف هو المحرك الأساسي لإنتاج واستهلاك هذه اللحوم".

إلى جانب سعره الرخيص، يشهد الكثيرون من متناولي لحم الكلاب بفوائده الغذائية، حيث ينتشر اعتقاد بأن بعض الطعام له طاقة دافئة، بينما لنوع آخر طاقة باردة، وأن لحم الكلاب يبعث الدفء لدى آكليه)، وفق نيويورك تايمز.

هل يأكله المسلمون؟

ويميل الكثير من المسلمين، وهم أغلبية الشعب الإندونيسي، إلى عدم تناول لحم الكلاب ويعتبرونه غير نظيف. على الرغم من أن الشريعة الإسلامية لا تحرم أكله تماماً مثل الخنازير، حسب تقرير نيويورك تايمز.

يشار إلى أن كل المذاهب الإسلامية تحرم أكل الكلاب، استناداً إلى انتمائه للحيوانات ذات الظفر والناب، أي الحيوانات المفترسة وآكلة اللحوم، ولكن يُقال أن هناك آراء في المذهب المالكي تجعله مكروهاً وليس محرماً، وقد أثير جدل مؤخراً في مصر عندما قال رجل دين أزهري إن أكل لحم الكلاب حلال حسب الفقه المالكي، وهو ما نفاه علماء آخرون.

ولكن المدافعين عن حقوق الحيوان يقولون إن أكلَ لحمِ الكلاب منتشر في الكثير من المناطق المسلمة، مثلما الحال في جزيرة بالي الإندونيسية ذات الأغلبية الهندوسية، حيث من غير المُحبَّذ تقليدياً أيضاً تناول لحم الكلاب.

وتتناول الكثير من الأقليات العرقية في إندونيسيا -مثل قبيلة الباتاك التي ينتمي إليها سيتيو بعد أن ترك المسيحية- لحم الكلاب لقرون عديدة.

وتُقدِّر جمعية الرفق بالحيوان في بالي عدد الكلاب التي تذبح وتستهلك هناك بحوالي 70 ألف كلب سنوياً.

تقول مؤسِّسةُ الجمعية، جانيس جيراردي، الأميركية المقيمة في بالي: "بحسب الاستقصاءات التي نقوم بها، فإن 60% من المستهلكين هم من النساء اللاتي يعتقدن أن الكلاب هي المصدر الأكثر دفئاً والأرخص للبروتين. إنهن يعتقد أن تناول الكلاب السوداء يشفي من الربو، وربما من أمراضٍ أخرى".

استهلاك ضخم وأسعار مغرية

وتقول مديرة شبكة المعونة الحيوانية بجاكارتا، كارين فرانكين، إن الأبحاث تشير إلى أن 215 كلباً تستهلك يومياً في مدينة يوجياكارتا، وإن ضعف هذا الرقم على الأقل يُستهلك في العاصمة جاكارتا. وتضيف أن بعض الأماكن الأخرى في جاوا، الجزيرة الإندونيسية الأشهر والأكثر سكاناً، تعمل كسلاسلِ توريدٍ لهذه اللحوم، عن طريق جمع الكلاب الضالة من الشوارع وتجهيزها للذبح.

تقول كارين: "إنهم يزاولون هذه التجارة في شتى أنحاءِ البلاد. في يوجياكارتا، يبلغ سعر طبق لحم الكلب والأرز 8000 روبية فقط، أي ما يعادل 60 سنتاً أميركياً".

جونياتور سيليتونغا، الذي تعمل عائلته في هذه التجارة في جاكارتا منذ عام 1975، يقول إنه يذبح ما يقرب من 20 كلباً كل أسبوع ويبيع اللحم لأكشاك طعام الباتاك المجاورة له في شرق جاكارتا، وبعض المطاعم الكورية في أرجاء المدينة. يشتري سيليتونغا الكلاب من أكثر من موردٍ في جاوا بسعر 15 دولاراً للكلب الواحد، بحسب قوله، ويبيع اللحم بسعر دولارين للرطل الواحد.

ويضيف سيليتونغا: "إنه أرخص من اللحم البقري. تناول لحم الكلاب هو عادةٌ وسط القبائل المحلية، وأغلبهم من المسيحيين، ولكن المسلمين أيضاً يشربون حساء لحم الكلاب لأغراضٍ علاجية".

ومجزر سيليتونغا هو عبارة عن غرفة جانبية من متجره المتهالك، المكوَّن من طابقين. تُحبس الكلاب في غرفةٍ بالطابق الأعلى، حيث تنتشر رائحة كريهة للغاية. وتؤخذ واحداً تلو الآخر للأسفل إلى حظيرةٍ خلفيةٍ تمهيداً للذبح. تُضرَب الكلاب على رؤوسها بهراوة خشبية، ثم تُطعن عند العنق وهي فاقدة الوعي. يُعبَّأ الدم في دلاءٍ ويُباع للمطاعم مع اللحم لأغراض الطهي.

طريقة وحشية

وسبب مهرجان لأكل لحم الكلاب في الصين غضباً عالمياً في عام 2016، ووقع الملايين على عرائض مطالبين بإيقافه، بل يحضر الناشطون المهتمون بحقوق الحيوانات كل عام ليشتروا الكلاب وينقذوها من الذبح، حسب تقرير لموقع "سي إن إن".

ولكن يبدو أن الوضع أسوأ في إندونيسيا، فجيراردي المدافعة عن حقوق الحيوان تقول إن الذبح يتم في بالي بطريقةٍ أكثر وحشية. الكثير من الكلاب تُخنَق ثم تُذبَح في الحال، بحسب قولها، لاعتقادهم أن ذلك يجعل اللحم أطيب. وبعضها توضع في أكياسٍ وتُضرَب حتى الموت.

وتقول لولا ويبر الشريكة المؤسِّسة لجمعية "التغيير من أجل الحيوانات" ومقرها بالي: "ما زلت أندهش من وحشية تجارة لحم الكلاب في إندونيسيا، حتى بعد عملي كل تلك السنوات ضد تجارة لحم الكلاب في كوريا الجنوبية، وفيتنام، والفلبين".

وهناك قانونٌ في إندونيسيا ضد التعامل بوحشية مع الحيوانات، لكنه يطبق فقط على المواشي، وليس القطط والكلاب والحيوانات البرية. لقد تخلى نشطاء حقوق الحيوان هنا عن شنِّ الحملات ضد تجارة الكلاب على خلفية ما تتعرض له من وحشية، لأن "لا أحد يهتم"، بحسب تعبير كارين.

أمراض

في المقابل، تقول لولا ويبر إنهم يركزون الآن على إمكانية نشر هذه التجارة غير المقننة داء الكلب- وهو المشكلة الدائمة في بالي وفي كل مكان، إذ تُنقَل الكلاب الضالة من منطقةٍ لأخرى.

يقول أنتوني لنيويورك تايمز: "لن تحل إندونيسيا مشكلة داء الكلب ما دامت هذه التجارة مستمرة".

تقوم الحكومات المحلية، ومن بينها حكومة جاكارتا بتطعيم الكلاب ضد داء الكلب، ولكنهم لا يستطيعون منع الشاحنات من نقلها إلى هنا، بحسب تصريح هارتاتي، رئيسة قسم الثروة الحيوانية وصحة الحيوان في العاصمة.

تقول هارتاتي: "إنها منطقة شائكة، ونحن عالقون فيها، إذ إنها قضية ثقافة شعبية في مواجهة محبي الحيوانات، ولا حيلة لنا للتدخل".

لا يشعر الجزار سيليتونغا بالخوف من داء الكلب، وكان قد تعرَّض للعض أكثر من مرة، بحسب قوله. إنه لا يخلو من عاطفةٍ تجاه الكلاب، فهو يحتفظ بكلبة في بيته يسميها لونا، ويقول: "إنها ليست للأكل".


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024