على مدار التاريخ، تم استغلال قلة من البشر على يد آخرين أكثر قوة، بحجة أنهم من جنس أقل منزلة في السلم الحضاري، وأكثر تخلفاً، وسموا بالعبيد.

تم استغلال العبيد في القيام بكل الأعمال المهينة، والمتعبة على مر التاريخ بصورها المختلفة، وإذلالهم في كل العصور.

قامت عدة حركات شهيرة للتمرد على العبودية، نجح بعضها، وفشل بعضها الآخر، ولكنها في كل الأحوال تركت علامة، وبصمة في التاريخ، وكانت بمثابة بداية ألهمت ثورات أخرى، أدت في النهاية إلى التخلص من العبودية للأبد.

فيما يلي، نتعرف سوياً على قصص هذه الحركات، وأشهر أبطالها:

1- تمرد "نات ترنر"



2

تعد واحدة من أشهر حركات تحرير العبيد في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، وحدثت عام 1831، عندما قاد "نات ترنر"، انتفاضة دامية بالجنوب الأميركي.

ففي الواحد والعشرين من أغسطس/آب 1831، قتل ترنر ومجموعته، العائلة التي يخدمونها أثناء نومهم، وانتقلت بعد ذلك هذه المجموعة التي تكونت من 70 عبداً، من منزل إلى منزل، حتى قتلت حوالي 50 شخص أبيض باستخدام أيديهم، والأسلحة البيضاء فقط، واحتاج إيقاف هذا التمرد إلى قوة من الجيش، ألقت القبض على "ترنر"، و55 عبداً آخر، ثم أعدمتهم.

وأدى هذا التمرد إلى انتشار الهستيريا بين البيض، وقتلهم 210 عبداً، مع القيام بالعديد من التصرفات العنيفة تجاه آخرين، ونتيجة لأن ذكاء "ترنر"، وثقافته كانا الدافع وراء التخطيط تمرده، فقد أُصدر في وقت لاحق قانون يمنع تعليم ذوي البشرة السمراء الكتابة، أو القراءة.

وقُدمت تفاصيل هذه الحركة التمردية في فيلم حديث، باسم The Birth of a Nation، أُنتج عام 2016، من بطولة، وتأليف، وإخراج الممثل الأميركي "نيت باركر"، وتناول قصة "نات ترنر"، وحياته، وثورته، وعُرض لأول مرة في مهرجان "صن دانس"، السينمائي في بدايات العام الماضي.

وحصل على عدة جوائز في هذا المهرجان، ومهرجانات أخرى مع الإشادة بجودة الإخراج، والتمثيل، والموسيقى، وحصد الفيلم إيرادات بلغت 15 مليون دولار في الولايات المتحدة.

2- سبارتكوس وحرب العبيد الثالثة



1

كان "سبارتكوس" عبداً من عبيد الإمبراطورية الرومانية، ومصارعاً شهير، نجح في تجميع عدد هائل من العبيد الآخرين، خلال حرب العبيد الثالثة، ليقوم بأكبر حركة تحريرية للعبيد في التاريخ الروماني.

وبدأت هذه الحركة عام 73 قبل الميلاد، عندما هرب "سبارتكوس"، ومجموعة صغيرة من  العبيد، من مدرسة المصارعين باستخدام أدوات المطبخ كأسلحة لهم، وسريعاً ما انضم إليه مئات العبيد من أنحاء الإمبراطورية، ثم نُظم جيشاً من هؤلاء العبيد أحدث ذعراً في مجلس الشيوخ الروماني، بعدما هزم القوات الرومانية في أكثر من معركة.

وكلما انتصر في معركة انضم تحت لواءه المزيد من العبيد، ليصل عددهم إلى 120 ألف شخص، ولكن سريعاً ما وقعت الانشقاقات، والخلافات بين هذه الجيوش المرتجلة، لتنقسم إلى عدد من الجيوش غير المنظمة، وانتهى الأمر بهزيمة أكبرها عام 71 قبل الميلاد على يد القائد "ماركوس لوشيوس كراسوس"، وتوفي "سبارتكوس"، في المعركة وصُلب 6000 عبداً من الناجين ليصبحوا عبرة لباقي العبيد.

وطُرحت شخصية "سبارتاكوس"، عدة مرات في روايات، وأفلام، ومسلسلات، أشهرها فيلم Spartacus والذي أُنتج عام 1960، وهو من بطولة الممثل الأميركي "كيرك دوجلاس"، وإخراج المصور السينمائي الأميركي "ستانلي كوبريك"، وألف السيناريو الخاص به السيناريست الأميركي "دالتون ترامبو".

وفاز الفيلم بثلاثة جوائز أوسكار، هي أفضل ممثل في دور مساعد، وأفضل تصوير، وأفضل تصميم أزياء، وترشح لجائزتين هما أفضل مونتاج، وأفضل موسيقى تصويرية.

3- ثورة هايتي



1

تعتبر واحدة من أنجح ثورات العبيد في التاريخ، وكانت بدايتها بثورة من عبيد هايتي، ووصلت إلى تأسيس ولاية مستقلة لهم، وحدثت "ثورة هايتي" عام 1791، في المستعمرة الفرنسية بـ "سانت دومينغو"، وتمثلت في تنظيم العبيد من أصحاب البشرة السمراء، حركة تمرد قتلوا خلالها آلاف من الأسياد البيض، وحرقوا مزارع السكر، وسريعاً ما سيطروا على الإقليم الشمالي في "سانت دومينغو".

واستمر القتال حتى عام 1794، عندما ألغت فرنسا العبودية من كل أراضيها، ونصب القائد الثوري توسان لوفرتور، نفسه حاكماً للجزيرة عام 1801، ولكن عام 18022 ألقت القوات الفرنسية القبض على "توسان"، وحاولت إعادة العبودية، وكانت النتيجة أن حمل العبيد المُحَررين السلاح مرة أخرى، بقيادة جان جاك ديسالين، لتُهزم القوات الفرنسية عام 1803 في معركة "Vertières".

وأعلن العبيد المحررين في عام 1804، استقلالهم وأسسوا جمهورية "هايتي"، لتكون أول دولة جديدة تؤَسس من رحم العبودية.

وصُورت ثورة "هايتي"، وتبعاتها في مسلسل تلفزيوني قصير عام 2001، بعنوان Feast of All Saints، من بطولة الممثل الأميركي روبرت ريتشارد، وإخراج المخرج الأميركي بيتر ميديك، وقد نجح المسلسل في الفوز بجائزة ايمي واحدة.

4- حرب المعمدان

بدأت هذه الحرب في جامايكا، بوقفة احتجاجية سلمية، لتنتهي بمقتل أكثر من 600 عبداً، في موقف دموي سيذكره التاريخ، ففي عيد الكريسماس عام 1831، أضرب 60 ألف عبد من مجمل 300 ألفاً، يعيشون بـ جاميكا، وحدث ذلك بقيادة الكنيسة المعمدانية، وعبد يُدعى صامويل شارب، وقد كانت المطالب الخاصة بهم تتضمن الحرية، والحصول على أجور.

وعندما انتشرت الشائعات بأن القوات البريطانية تخطط لكسر الإضراب بالقوة، تحولت الوقفة الاحتجاجية إلى حركة تمرد، لتصبح أكبر الثورات التي تواجه الإمبراطورية البريطانية في تاريخ جزر الهند الغربية، فنهب العبيد، وحرقوا المزارع لعدة أيام، ما تسبب في خسارة بلغت 1.1 مليون دولار، بالإضافة للخسائر بشرية.

وعندما بدأت القوات البريطانية بالتحرك لوقف الثورة كان بالفعل قد قُتل 300 عبد، و14 رجل أبيض، وأعدم 300 عبداً بعد ذلك، بما فيهم الزعيم شارب.

وعلى الرغم من أن هذه الثورة لم تنجح، ولكن تأثيرها التاريخي لا يمكن نسيانه، فبعد عام واحد ألغى البرلمان البريطاني العبودية من كامل الأراضي، والمستعمرات التي يحكمها التاج الإنجليزي.

5- ثورة جاسبر يانج



1

كان جاسبر يانغ، والمعروف بأول مُحرر أميركي، عبد إفريقي الأصل قضى أربعة عقود من حياته يُنشئ مستوطنة حرة في المكسيك، وبدأت بطولته عام 15700، عندما نظم ثورة في  مزرعة قصب السكر، قرب ولاية "فيركوازا"، وبعد فراره للغابة أسس يانغ، ومجموعة صغيرة من العبيد السابقين مستعمرتهم الخاصة، والتي اسموها "سان لورينزو دي لوس نيجروس".

وقضوا الأربعين عاماً التالية من عمرهم مختبئين في هذا المجتمع الخارج عن القانون، ويعيشون من الزراعة، والغارات التي يقومون بها من وقت لآخر على قوافل الإمدادات الإسبانية.

ونجحت القوات الاستعمارية في تدمير هذه المستعمرة عام 1609، ولكنهم لم يستطيعوا إلقاء القبض على يانج ورفاقه، وفي النهاية عقدوا اتفاقية سلام مع العبيد السابقين، وتفاوض يانغ، على حقه في إقامة مستعمرته الحرة مقابل دفع الضرائب للتاج الإسباني، وتمثلت نتيجة هذه المفاوضات في توقيع أول اتفاقية لتحرير الأفريقيين في الأميركتين.



أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024