توحي الأجواء في بيروت أن ثمة «انتكاسةً» تنتاب علاقة لبنان بالأسرتيْن العربية والدولية، ومردّها في شكلٍ أساسي الى تصريحاتٍ كان أدلى بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على هامش زيارته لمصر في الثاني عشر من الشهر الماضي، وأعلن فيها «ان سلاح حزب الله لا يتناقض مع مشروع الدولة، وهو مكمّل لعمل الجيش اللبناني الذي لا يتمتّع بالقوة الكافية ولا يتعارض معه».


هذه المواقف، التي كان أثنى عليها الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابٍ شنّ عبره هجوماً عنيفاً على السعودية، وغير مسبوق على الإمارات، أحدثتْ على ما يبدو ارتداداتٍ عاصفة في عواصم القرار العربي والدولي، أخذت تخرج تباعاً الى العلن عبر تقارير مثيرة للانتباه لم يَجرِ نفيها، رغم ما تضمّنتْه من معطياتٍ بالغة الحساسية. ولعل الأهم في هذا السياق أمكن رصْده على النحو الآتي:


* المعلومات التي فوجئت بها بيروت امس عن إلغاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز زيارة كانت مقرَّرة للبنان في غضون الشهر الجاري، حسب تقرير نشرته «النهار» البيروتية، تضمّن ملابساتِ هذا التطور السلبي في العلاقة بين بيروت والرياض بعد أسابيع على المساعي لمعاودة تطبيع تلك العلاقة التي كانت مُنيت بما هو أكثر من انتكاسة إبان الفراغ الرئاسي في لبنان.


* تَحفُّظ المندوب السعودي لدى جامعة الدول العربية احمد القطان على بند «التضامن مع الجمهورية اللبنانية» الذي تضمّن فقرة عن «المقاومة» (حزب الله) خلال اجتماع الدورة العادية الـ 147 لمجلس الجامعة في القاهرة اول من امس، حسب تقرير نشرته امس صحيفة «الاوريان لوجور» التي أشارت الى تأييد مندوب الامارات والبحرين للتحفظ السعودي.


* التقرير عن «الاجتماع السري» الذي عُقد في بيروت منتصف الشهر الماضي وضمّ سفراء دول مجموعة الدعم الخاصة بلبنان (تسنى لـ «الراي» الاطلاع على مضمونه)، الذي تضمّن خلاصات بالغة السلبية حيال الموقف اللبناني من القرار 1701 ربْطاً بإضفاء الرئيس عون «شرعية» على سلاح «حزب الله»، معتبراً أن هذا الموقف تجاوز الخطوط الحمر، وملمحاً الى تأثيرات سلبية على تسليح الجيش اللبناني ومصير قوة «اليونيفيل» في جنوب لبنان.


* تَزايُد مظاهر التوتر بين قوة «اليونيفيل» وما يُعرف بـ«ظاهرة الاهالي» في بعض مناطق جنوب لبنان، وهو الأمر الذي استدعى عقد لقاء بين المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم وقائد تلك القوة التابعة للامم المتحدة اللواء مايكل بيري لعرض «ما جرى خلال الشهر الماضي من مناوشات بين قوة اليونيفيل واهالي الجنوب في عدد من القرى، والذي بلغ ذروته مع البيان الذي صدر عن اتحاد بلديات بنت جبيل، وبحثا طرق معالجة ذيوله»، حسب بيان صدر عن اجتماع عباس وبيري.


وتشي هذه المعطيات بأن الازمة الصامتة بين لبنان والشرعيتيْن العربية والدولية مرشحة لبلوغ مستويات حرجة وسط انتظارٍ ثقيل تعيشه بيروت في ملاقاةِ ما قد يتضمّنه تقرير الأمم المتحدة حول مدى الالتزام بتنفيذ القرار 1701، المرتقب صدوره في نيويورك منتصف الشهر الجاري، خصوصاً ان ممثلة الامين العام للامم المتحدة في بيروت سيغريد كاغ كانت اول مَن عبّر عن استيائها من تصريحات الرئيس عون في شأن سلاح «حزب الله»، والتي اعتبرتها مناقِضة للقرار 1701، وهو الأمر الذي تَسبّب باستدعائها من موظف في الخارجية اللبنانية احتجاجاً.


وعلى أهمية هذا المعطى، فإن التقرير عن إلغاء الملك السعودي زيارته للبنان، أحدث صدمة في بيروت وسط صمتِ الديبلوماسيتين اللبنانية والسعودية اللتين لم تؤكدا او تنفيا ما ذُكر عن ان الزيارة كان هدفها ترجمة رغبة القيادة السعودية في مساعدة الدولة اللبنانية وتشجيعها على الوفاء بالتزاماتها العربية والدولية، وبالتسوية التي أنهت الفراغ الرئاسي فيها.


وفي المعلومات التي نشرتها «النهار» أن «الرأي كان قد استقرّ على زيارة العاهل السعودي للبنان في ظل أجواء إيجابية أضفتها زيارة الرئيس عون للرياض في 9 ديسمبر الماضي على العلاقات بين البلدين، ورسّخت الثقة بأن الرئيس اللبناني الجديد يسير في سياسة تحافظ على مسافة بين عهده وسياسات (حزب الله) ومواقفه، على أن يكون موعد الزيارة قبل القمة العربية الـ28 التي ستنعقد في عمان - الأردن من 23 إلى 27 مارس الجاري أو بعدها مباشرة، فيختم بها الملك سلمان جولته الخارجية المبرمجة».


وتوضح مصادر المعلومات السعودية أن الزيارة التي كان المفترض أن تعطي لبنان دفعاً ودعماً كبيرين معنوياً وسياسياً، أُلغيت بسبب موقف رئيس الجمهورية الذي أسبغ نوعاً من الشرعية، وفق وجهة النظر السعودية، على سلاح «حزب الله»، وايضاً بسبب خطاب نصرالله الذي تهجّم فيه، كما كان يفعل في المرحلة السابقة لانتخاب عون، على السعودية والإمارات والبحرين ودول الخليج الاخرى.


واذ تحدثت المصادر عن احتمال أن يكون مشروع زيارة الملك سلمان قد استُبدل بزيارة لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير يمكن ان يقوم بها لبيروت في شكل مفاجئ على غرار زيارته الأخيرة لبغداد قبل نحو أسبوع، لم تحرف هذه المعلومات الانظار عما جرى يوم الاحد الماضي في القاهرة حين تحفّظ المندوب السعودي احمد القطان عن بند التضامن مع لبنان من دون ان يصغي لمناشدة مندوب لبنان.


ونقلت «لوريان لوجور» اللبنانية، الناطقة بالفرنسية عن مندوب الكويت لدى الجامعة السفير احمد البكر ان التحفظ السعودي يعود الى الموقف من «حزب الله»المؤيَّد رسمياً في لبنان ومن التدخل الايراني بالشأن الداخلي. ولم يستبعد ان يكون التحفظ السعودي هو بمثابة مؤشر على عودة العلاقات مع لبنان الى دائرة «الرمادي».


ومن المنتظر ان يكون التحفظ السعودي وتفاعلاته تحت المعاينة اليوم في اجتماع مجلس الجامعة الذي يحضره الوزير عادل الجبير ويغيب عنه نظيره اللبناني جبران باسيل الذي كانت تسببت مواقفه في الماضي من الهجوم على السفارة السعودية في طهران بقرار الرياض إجراء مراجعة شاملة للعلاقة مع بيروت وتجميد هبة الثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبنانية.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024