منذ 7 سنوات | العالم / القبس


تواجه منظمة الامم المتحدة بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، اكبر ازمة وجود في تاريخها، اذ تشير بعض التقارير الى نية الرئيس الجديد اصدار اوامر تنفيذية تقلص مساهمة الولايات المتحدة في ميزانية الامم المتحدة والمنظمات الدولية الاخرى بمعدل 40 في المئة، ومن شأن ذلك ان حدث ان يعيد تشكيل هذه المنظمة التي تهدف الى نشر السلام والتعاون بين الامم بشكل دراماتيكي.


فالامم المتحدة كثيراً ما تواجه الانتقادات، ولا سيما من الكونغرس الاميركي، وفي حين ان هذه المنظمة بحاجة الى اصلاحات، الا انه ما يزال من مصلحة ترامب والولايات المتحدة ان تواصل شراكتها وتمويلها للمنظمة.

الهمس تحول إلى صراخ


لقد تحولت الهمسات من داخل الولايات المتحدة بوقف تمويل المنظمة الى صرخات، وسبق لدونالد ترامب ان وصف المنظمة في احدى تغريداته بأنها «مجرد نادٍ يجتمع فيه الناس معاً ليتبادلوا الاحاديث والاستمتاع بوقتهم»، وحتى صدور قرار بتعيين نيكي هيلي سفيرة للولايات المتحدة لدى المنظمة الدولية تقدم عضو مجلس النواب عن ولاية الاباما مايك روجرز بمشروع قرار لالغاء عضوية الولايات المتحدة في المنظمة.


لقد ثار الحديث عن الامم المتحدة مرات كثيرة، ومن زوايا مختلفة، فالبعض يعتبرها مؤسسة فريدة كونها دولة جامعة، وفي يدها سلطة جمع اطراف الصراعات على طاولة الحوار، كما انها تتصدى لاخطر التحديات البشرية على مستوى عالمي، ومع ذلك ففي اميركا الجديدة التي لا تؤمن كثيراً بالهياكل الدولية لما بعد الحرب العالمية الثانية، ومع انتهاج ادارة ترامب سياسات جديدة، فان الوقت أصبح مواتياً لاعادة تقييم ما الذي تعنيه الأمم المتحدة للأميركيين اليوم.


فالأمم المتحدة تسعى لاستئصال الفقر والقضاء على الجوع والحفاظ على السلم والأمن الدوليين، والحفاظ على النمو الاقتصادي وتأمين الحصول على الطاقة، وحماية التعددية ومكافحة التغير المناخي وغير ذلك، وقد ايدت الولايات المتحدة كثيرا من هذه الأهداف من خلال تقديم المساعدات المباشرة أو الاتفاقات الثنائية.

سياسات مغايرة


وفي حين قد تكون للرئيس ترامب سياسات مغايرة عن سياسات اسلافه من الرؤساء الأميركيين، فان معظم جاذبية خطابه تعود الى توقعات بأن يجلب نجاحه على المستوى التجاري الى الحكومة الأميركية من حيث زيادة الفاعلية، وتشجيع الشركاء والحلفاء على الايفاء بالتزاماتهم.


ومن المؤكد ان ترامب محق حين دعا الى عدم تحمل الولايات المتحدة دفع الفواتير عن الآخرين، وان الأعباء يجب تحملها من خلال تقاسم الفاتورة المترتبة على تحقيق الأهداف المشتركة على كل المستفيدين، وكان ذلك هو المبدأ المركزي للأمم المتحدة منذ تأسيسها عام 1945.


فالولايات المتحدة تشارك في معظم فعاليات المنظمة الدولية التي منها ما فيه مصلحة لها وأخرى ليس لها فيه مصلحة. فالتنوع البيولوجي الكوني يعني أدوية جديدة للأميركيين، والأمن الغذائي للخارج، ويعني ان نحمي المصادر الرئيسية للأغذية، والمياه الصالحة للشرب تعني صراعات مستقبلية أقل على مصادر المياه. والتقدم العالمي في مجال حقوق الإنسان، وحكم القانون مع التنمية المستدامة يعني عالم أفضل وأكثر أمناً واستقراراً في ظل قيادة الولايات المتحدة.

أولويات


ويساعد تمويل الولايات المتحدة لهذه البرامج اقتصادنا، ويكون له تأثير مضاعف في قواتنا المسلحة ومساعداتنا الخارجية، وهكذا يمكننا تخصيص مزيد من التمويل لمشاريع محلية، بدلاً من انفاقها على أغراض عسكرية في الخارج.


وربما تكون الحاجة أكبر ما تكون لتقاسم الأعباء في مجال الأمن.


لقد جعل ترامب من تعزيز الحدود واجراءات مكافحة الارهاب اولويات لإدارته، ويمكن للامم المتحدة المساعدة في كلا المجالين.


فمساعدات الامم المتحدة للاجئين حول العالم تساعد في تفادي حركة نزوح كبيرة، من شأنها زعزعة استقرار الدول المجاورة.


وفي مجال مكافحة الارهاب اتخذت الامم المتحدة خطوات منذ ادارة جورج دبليو بوش وما بعدها، لتنسيق الجهود مع كل مؤسسات مكافحة الارهاب الاقليمية والدولية تقريباً، بحيث يكون لكل دولة انظمتها الصارمة في هذا المجال وحدودها المشدّدة وانظمتها المصرفية الافضل، فضلا عن تحسن امكاناتها باستمرار للتعاطي مع التهديدات الارهابية.

بيئات تفرِّخ الارهاب


وكما قال وزير الخارجية الاميركي الاسبق كولين باول ذات يوم، فإن «الارهاب يزدهر في مناطق الفقر والبؤس واليأس، وحيث يجد الناس أن لا مستقبل لهم». وبشكل عام يكون تأثير الامم المتحدة في تقليص البيئات المفرّخة للارهاب من خلال منع الدول من ان تصبح فاشلة او ملاذات آمنة للارهابيين، وكما تعلمت الولايات المتحدة منذ عام 2001، فإن القوة العسكرية وحدها لا يمكنها وقف او منع وقوع الارهاب.


اما من زاوية الصراعات القائمة والحفاظ على السلم، فإن للمنظمة الدولية الآن، ست عشرة بعثة سلام دولية يصل قوامها مجتمعة الى 17 ألف رجل ما بين جنود ورجال شرطة ومراقبين عسكريين وموظفين مدنيين ومتطوعين من 125 دولة، ففي ميزانية المنظمة الدولية الراهنة، تصل تكلفة هذه العمليات اكثر من 7.87 مليارات دولار سنوياً، بينما وصلت ميزانية الدفاع الاميركية للعام المالي 2016 الى 600 مليار دولار.


ومقارنة بمساهمة الولايات المتحدة الطفيفة في ميزانية الامم المتحدة، والتي لا تتعدى 1 في المئة من ميزانيتها الدفاعية، يحصل الاميركيون بالمقابل، على فوائد كثيرة من المنظمة على شكل سلام في اجزاء واسعة من العالم وأمان للتجارة والاستثمار والسياحة الاميركية.


ولو حاولت الولايات المتحدة ان تفعل كل ذلك وحدها (وهو ما لا تستطيعه)، فسوف تكون لذلك تكلفة عالية من الارواح، وفي أموال دافع الضرائب الاميركي.


وأخيرا، تعتبر العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة أداة حاسمة لاحتواء السلوكيات الخطيرة وغير المقبولة لبعض الدول، مثل كوريا الشمالية وايران، دون الحاجة إلى استخدام القوة.


وتحشد الأمم المتحدة العالم لمحاولة ضمان ألا تشكل مثل هذه الدول تهديدا للعالم وخاصة الولايات المتحدة، بما تمتلكه من قدرات صاروخية وأسلحة دمار شامل أخرى.


وفي حين يأتي رد الأمم المتحدة بطيئا أحيانا، وتقف عاجزة عن الفعل احيانا اخرى، حين تعرقل احدى الدول العظمى مثل هذا التحرك كما هو الوضع في الحالة السورية. لكن بصورة عامة، فإن برامج الأمم المتحدة مكنت الولايات المتحدة من تحقيق مجموعة كبيرة من أهداف سياستها السابقة والراهنة.


والرئيس ترامب مدين لكل مواطن اميركي لتمويل الأمم المتحدة والانخراط في عملياتها حول العالم


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024