منذ 7 سنوات | اقتصاد / الأناضول

بعد الحذر، هل تضطر فرنسا إلى تطبيق سياسة التقشّف لكبح ارتفاع نفقاتها العامة في ظل عجز هذا المؤشر عن التراجع بالشكل الذي يؤمّن لها الإستقرار المطلوب في موازنتها العامة؟ 

تساؤل أجاب عنه قضاة محكمة الحسابات الفرنسية، في تقرير الهيئة الصادر الأربعاء الماضي، الذين شددوا من خلاله على أنه يتحتم على الحكومة المقبلة بذل "جهود غير مسبوقة بشأن النفقات". 

دعوة كشفت أن ما ينتظر الحكومة المقبلة، والتي من المتوقع أن تنبثق عن انتخاب رئيس جديد للبلاد، في الانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل/ نيسان ومايو/ أيار المقبلين، يتجاوز كبح ارتفاع النفقات العامة، إلى وقفه (الارتفاع) بشكل كامل. 

من الناحية التقنية، يترافق الوقف الكامل لارتفاع النفقات العامة في بلد ما مع تبني سياسة تقشّف، سعيا نحو تقليص الفجوة مع الإيرادات، ما يساعد في مرحلة موالية على خفض الدين العام. 

وتمثّل النفقات العامة في فرنسا، في 2015، نحو 57% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل أقل من 47% في بقية بلدان منطقة اليورو في العام نفسه. 

بعض المراقبين لا يستبعدون أن تجد فرنسا نفسها، في المستقبل القريب، في مرحلة تقشف، وهي التي تكابد منذ 2010 من أجل الحد من دينها العام، ودفعه تحت سقف الـ 3% من الناتج الإجمالي، وقد كان من المفروض أن تكون نجحت في مهمّتها هذه منذ 2013، وفق توقّعات خبرائها. 

وضعية تشي بأنه لم يتبق أمام فرنسا إلا العام الجاري لإنقاذ مؤشراتها الكلية من التهاوي أكثر، والإفلات من سيناريو التقشف المخيف، مع أن الهيئة الرقابية الفرنسية تساورها شكوك حيال إمكانية تحقيق هذا الهدف، وفي وقت تظل فيه حتى هذه النقطة ثانوية مقارنة مع الإشكال المحوري. 

فالمعضلة التي تواجهها باريس هي أنه حتى في حال تمكّنت من النزول بعجزها إلى عتبة الـ 3%، فإنها مضطرة إلى مواصلة خفضه، علما وأن دينها العام يظل مرتفعا للغاية، حيث يمثّل أكثر من 97% من الناتج المحلّي الإجمالي، في حين أنه من المفروض أن لا يتجاوز الـ 60% وفق معايير ماستريخت (معاهدة الإتحاد الأوروبي/ الإتفاقية المؤسّسة للمنظمة). 

ولمواجهة الإنتقادات بهذا الشأن، تعهّدت باريس لشركائها الأوروبيين بالحدّ من هذا العجز بين عامي 2018 و2020، بمعدّل 0.7 نقطة مئوية في المتوسط من الناتج الإجمالي المحلّي. 

وما تقدم يعني أنه يتعين على فرنسا التقليص من نفقاتها العامة، وهذا أمر بديهي ولا جديد فيه، لكن اللافت هو أن البلد الأوروبي لم يتمكّن أبدا من الحدّ من نفقاته، وأن كل ما حدث هو أنه خفض من نسق ارتفاعها. 

بالأرقام، تراجعت النفقات الفرنسية العامة، من 2000 إلى 2009 بـ 2.3%، في حين انخفضت بـ 0.9% في الفترة الفاصلة بين 2010 و2016. 

المختصون يرون أن فرنسا تجد نفسها مضطرة، للإيفاء بتعهّداتها، للحدّ من ارتفاع نفقاتها إلى الصفر بين 2018 و2020، وهو المشروع الذي تسوّق له الحكومة الاشتراكية حاليا لدى الاتحاد الأوروبي. 

غير أن لمحكمة الحسابات الفرنسية رؤية مغايرة لهذه الجزئية، حيث تشدّد على أنّ الحدّ من ارتفاع النفقات لوحده لا يكفي، وإنما يتعينّ وقف الارتفاع بشكل جذري. 

خلاصة الأمر هو أن توصيات الهيئة تستبطن شكوكها في تقديرات حكومة بلادها، وذلك لثلاثة أسباب:

- نسبة نموّ مبالغ في تفاؤلها: 

الحكومة الفرنسية الحالية قدّرت أن معدّل النمو سيسجّل من جديد ارتفاعا سنويا إلى حين بلوغه +2 % في 2020، أي المستوى الذي سيمكّن آليا من الزيادة في الإيرادات العامة، غير أن محكمة الحسابات تخشى عدم ارتفاع النمو، على الأقل إلى المستوى المستهدف من قبل الحكومة.

أما عن السبب، فرأى قضاة المحكمة أنه لو كان النمو سيسجل الإرتفاع المنتظر لحصل ذلك عند تراجع أسعار النفط وأسعار الفائدة.

- قرارات حكومية "مضادّة"

بالنسبة للمحكمة الفرنسية، فإن القرارات المتخذة من قبل الحكومة الحالية، والتي من المنتظر أن تظهر تأثيراتها بعد 2017، ستزيد من النفقات العامة، من ذلك الزيادة في أجور الموظفين الحكوميين وفي ميزانية الدفاع، علاوة على احتمال إعادة رسملة عدد من الشركات الحكومية بينها العملاق "أريفا" الناشط في مجالات متعددة مثل الطاقة النووية. 

- ارتفاع منتظر لأسعار الفائدة 

المحكمة أوضحت أنّ ارتفاع النفقات العامة بشكل معتدل بين 2010 و2015، يعود بالأساس إلى انخفاض الفائدة التي تدفعها الدولة الفرنسية لدائنيها.

وضع قالت المحكمة إنه لن يدوم بأي حال، وقدّرت أن "المخاطر التي يمثّلها عبء الفائدة على المدى المتوسّط لا يستهان بها". 

ما يتعين على الحكومة المقبلة فعله، هو"عدم الإكتفاء" باستقرار النفقات، وإنما العمل على خفضها بـ 0.3 % في 2020.. هكذا قالت المحكمة والتي قدّرت أن هذا التمشي سيجبر الحكومة القادمة على "إعادة النظر في المهام الموكلة إلى الإدارات الحكومية"، وعلى "القيام بخيارات". 

كما رأت الهيئة الفرنسية أنه ينبغي تحديد أهداف "سياسات التدخل" الحكومية بشكل أفضل، خاصة في قطاعات "السكن والتدريب المهني والصحة".




أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024