منذ 7 سنوات | تكنولوجيا / الحياة

هل يبدو لك أنّ الكومبيوتر والخليوي والـ «تابلت» هي أشياء نظيفة تماماً، لا تزفر دخاناً ولا تبعث بتلوث؟ إذاً، أزف الوقت كي تغيّر النظرة إلى العلاقة بين الأدوات الإلكترونيّة وتلوث البيئة.

يعرف صنّاع الأجهزة التقنيّة ونشطاء البيئة سويّة، أنّ استخدام الإنترنت والهواتف الذكيّة تترتب عليه أعباء ثقيلة على البيئة. ويأتي جزؤها الأكبر من استهلاكها الضخم للكهرباء، بما فيه أثناء شحن البطاريّات، وأما الأجزاء الأخرى فتأتي من النفايات الإلكترونيّة التي تشكّل معضلة كبيرة، خصوصاً أنّ غالبية تلك الأجهزة التقنيّة الصغيرة الحجم، تحتوي على كميات مركّزة من المعادن كالليثيوم والكاديوم، التي لا تستطيع البيئة التخلّص منها، بل تستقر فيها سميّتها لآجال طويلة.

وبقول مختصر، تلقي العوالم الإلكترونيّة عبئاً ثقيلاً على البيئة. وإذ تصعب الإحاطة به في مقال واحد، من المستطاع وضع بعض النصائح للحدّ من التلوّث المرتبط بكميات الكهرباء التي تستهلكها الأجهزة التقنية.

لنبدأ بأمثلة بسيطة: من الممكن تقليل حجم الصور الرقميّة من خلال وضعها في أنساق مضغوطة على غرار الـ «جبيغ» JPEG، ما يقلل الوقت اللازم لتناقلها بين المستخدمين. وعند تحميل صورة ما على مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، يجدر الحرص على أن لا يزيد حجمها عن 2 أو 3 ميغابايت، فينخفض الوقت المستهلك في التحميل. وأثناء عرض أشرطة الفيديو على مواقع الـ «سوشال ميديا»، يجدر ألا نشغّل سوى ما نشاهده منها، كما يساهم ذلك في تقليص الأوقات التي نقضيها في تصفّح الشبكات الاجتماعيّة، وهي باتت مصدراً لقلق يطول شرح أسبابه ومعطياته.


ابحث وفكّر في الهواء

في سياق متّصل، يشكّل الإبحار على الإنترنت وعمليات البحث عن المعلومات عليها، أحد أبرز نشاطات الجمهور، بل يستغرق شطراً كبيراً من أوقات الاتصال مع الشبكة العنكبوتيّة. ويعني ذلك أن كميّات كبيرة من الكهرباء تستهلك في ذلك النشاط، مع ما يرافق ذلك من نفث لغازات التلوّث الكربونيّة. وهناك إجراءات بسيطة أيضاً تساهم في تقليص وقت البحث عن المعلومات على الإنترنت، كأن نسجّل على الحاسوب عناوين المواقع التي نكرّر زيارتها باستمرار، وتالياً استخدام العناوين للدخول إليها مباشرة، من دون المرور بعملية طلب الوصول إلى تلك المواقع بواسطة التفتيش عليها عبر محركات البحث.

من المستطاع فعل شيء مماثل أثناء عمليات البحث عن المعلومات، كإدخال الكلمات الرئيسيّة المتصلة مباشرة بالموضوع، وكذلك يفضل حفظ الصفحات التي نعثر فيها على ضالتنا من المعلومات ضمن «علامات الكتاب» («بوك مارك» Book Mark)، ما يسهّل الوصول إليها مباشرة في عمليات بحث لاحقة، وتخفيض كمية ثاني أوكسيد الكربون المتصل بالوقت الذي نقضيه في عمليات الإبحار على الإنترنت.

في السياق عينه، من المفيد استخدام محركات بحث من النوع التي تتبرع بشطر من أرباحها إلى منظّمات ناشطة بيئيّاً. وتندرج فيها محركات كـ «إيكو زيا» EcoSia أوZutopi الذي يعلن أنه يتبرّع بنصف أرباحه إلى منظمات كالـ «يونيسيف» و «الصندوق العالمي للطبيعة»، و «غود بلانيت» Goodplanet وغيرها.

وفي حال استخدام كومبيوتر (أو شاشة عرض «مونيتور» Monitor) قديم نسبيّاً، والركون إلى محرك البحث «غوغل»، من المفضل استخدام صفحة بحث سوداء (على غرار الحال في موقع «بلاكلي. كوم» blackle.com المستند إلى خلفية سوداء) لأنها تستهلك كمية أقل من الكهرباء بأثر تقليل الخلفيّة الإلكترونيّة اللازمة لإظهار الحروف والصور وغيرها. وتقاس الخلفيّة الإلكترونيّة بوحدة الـ «بيكسل» Pixel التي تتناسب أعدادها مع ما يعرض على الشاشة من حروف وصور. وكلما انخفضت كمية الـ «بيكسل» التي تستخدمها الشاشة، يخفّ استهلاك الطاقة.


لا تستهن بالهيّن!

ربما بدت تلك الإجراءات فائقة الخفّة والضآلة، وأنّها لا تصنع سوى فارق هيّن. ربما أثار الأمر شيئاً من الابتسام أو حتى الاستهزاء بها. والأرجح أن تأثير ما هو هيّن لا يظهر إلا عند وضعه في إطار الصورة العامة. وبقول آخر، يصح القول أن تلك الإجراءات واهية على مستوى المستخدم الفرد للانترنت، لكن ماذا يحصل عند ضربها بما نعرفه من أعداد عن الجمهور البليوني الواسع للانترنت؟

ولأخذ فكرة عن ذلك، ربما تكفي مطالعة الأرقام التالية وهي تعبّر عن حال الانترنت في 20 كانون أول (ديسمبر) 2016 الساعة الواحدة صباحاً، مع لفت النظر إلى أنها تتغيّر في كل ثانية! آنذاك، كان عدد مستخدمي الانترنت يبلغ قرابة 3.5 بليون مستخدم، والجمهور النشط على «فايسبوك» نحو 1.8 بليون شخص، وعدد الباحثين على المعلومات على «غوغل» قرابة نصف بليون باحث والمغرّدين الفاعلين على «تويتر» قرابة 308 ملايين شخص، وتناقل 175 مليون شخص صوراً عبر شبكة «بنتريست» Pinterest التي تشكّل جزءاً من الـ «سوشال ميديا». وفي ذلك اليوم، بِيع 25 ألف كومبيوتر، و173 ألف هاتف ذكي، و23 ألف جهاز «تابلت». وكذلك وصل العدد الإجمالي لمواقع الـ «ويب» إلى 1.2 بليون موقع تمّ اختراق قرابة ثلاثين ألف موقع منها، فيما نشطّت 212 ألف مدوّنة إلكترونيّة («بلوغز» Blogs).

هل اتّضحت الصورة أكثر؟ أليس جديراً أن يحاول كل فرد جعل عالمه الإلكتروني أكثر خفة وصفاءً، ولو.... قليلاً؟

تفاعل أخضر

في الآونة الأخيرة، مالت بعض المؤسّسات إلى تبنّي إجراءات تستند إلى مفهوم «التفاعلات الخضر» («غرين إنترآكشنز» Green Interactions). إذ أظهرت دراسة حديثة أن بريد «جي مايل» يعمل بطريقة تتسم بالكفاءة في استهلاك الكهرباء، بفضل كفاءة استخدام الطاقة في مراكز المعلومات التي تدير «جي مايل» في شركة «غوغل» العملاقة. وبالمقارنة مع نظرائه، يتدنى استهلاكه الطاقة بمقدار 80 ضعفاً! وعلى رغم أهمية الرقم، تجدر ملاحظة أن تلك الدراسة لم تأخذ في الاعتبار سوى استهلاك الطاقة في البنية الإلكترونيّة التحتيّة التي يستند إليها «جي مايل». ويبقى مهمّاً تذكّر أنّ مطالعة رسائل «جي مايل» وكتابتها على أجهزة المستخدمين هي التي تستهلك القسم الأكبر من الطاقة المتصلة، مع ما يترتّب عليها من نفث لغازات التلوّث. ويقدّر خبراء كثيرون أن حواسيب المستخدمين تبعث 407 ميغاطن من غاز ثاني أوكسيد الكربون سنوياً بالارتباط مع استخدامها البريد الإلكتروني، مع توقّعهم تضاعف الرقم بحلول العام 2030.

مع أخذ المعطيات الآنفة الذكر في الاعتبار، يتضّح أن الجمهور يستطيع المساهمة في الحدّ من الانبعاثات الكربونيّة، من خلال ضبط عدد رسائل البريد الإلكتروني وملحقاتها، وعدم إرسالها لسوى المستفيدين منها، مع الحرص دوماً على ضغط الملفات المرفقة بها. في ذلك الصدد، من المفيد كتابة النصوص بنسق ال «آتش تي أم أل» HTML، الذي يأخذ أقل قدر ممكن من السعات الإلكترونيّة. هل تنتبه إلى ما يتراكم من رسائل في بريدك، سواء تلك الواردة أو المرسلة أو المحذوفة؟ إذاً، إحرص على تفريغ صناديق بريدك بانتظام.

وفي الإطار عينه، ينبغي التذكير بأنّ الانبعاثات المتولّدة من استعمال الكومبيوتر تعتمد أيضاً على الجهاز بحد ذاته، بل أن الحواسيب وصناعتها مسؤولة عن 80 في المئة من تأثيراتها البيئيّة. ويستطيع المستخدم الفرد التأثير في تلك المعادلة أيضاً. إذا جرى الاحتفاظ بجهاز الكومبيوتر الشخصي لـ 7 سنوات بدلاً من 4 سنوات، ينخفض أثره بيئيّاً إلى ما يتراوح بين 20 و35 في المئة. وكذلك يجدر التنبّه إلى إيقاف تشغيل الكومبيوتر في الليل، إضافة إلى آلة الطباعة والمحرّكات الخارجيّة للأقراص الصلبة والـ «مودم» وغيرها من أجهزة الاتصال بالانترنت. ويفضل وضع الحاسوب في حال «النوم» (بمعنى أن يكون «حافظ الشاشة» Screen Saver أسود اللون) بعد 15 دقيقة كحد أقصى في حال عدم العمل. وكذلك يفيد تجنّب تثبيت البرامج والتطبيقات التي تستخدم كثيراً من الموارد الأساسيّة، مع الركون إلى استخدام البرمجيّات الحرّة التي غالباً ما تكون أخف «وزناً» بمعنى أنها لا تأخذ مساحة كبيرة على القرص الصلب للجهاز (كومبيوتر، هاتف ذكي، «تابلت»...) ولا تتطلب تشغيلاً واسعاً لـ «وحدة الرامج المركزيّة» («سي بي يو» CPU). وحتى إجراء كتنظيف الجهاز جيداً من الغبار كل بضعة شهور، يفيد في تجنّب ارتفاع حرارته التي ترفع معدل استهلاك الكهرباء فيه! وعند تعطل الكومبيوتر، يفضّل أن نفكر في إصلاحه أولاً، فلا يكون الشراء والاستبدال في مقدم الخيارات.

الكاتب:الدكتور غسان مراد


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024