هل الكلام فى الجنس هو العيب أم الجنس نفسه؟ ربما يكون الكلام فى الجنس أكثر عيبًا من الجنس نفسه لدى العرب؛ مما يجعلهم يستشعرون الحرج فى الحديث عنه صراحة، حتى بين الأزواج الذين يربطهم عقد مقدس، رغم ممارستهم للأمر بصورة طبيعية، لكن يحدث هذا -ربما- بطريقة  روتينية وشبه آليه دون مناقشة تفاصيله وطرق تجويده، وقد تصبح مناقشة العملية الجنسية بينهما، واحتياجات كل زوج من الآخر أمرًا أكثر حرجًا من تعرى كل منهما أمام الآخر، فاللفظ الجنسى لدينا قد يكون خادشًا للحياء أكثر من الجنس نفسه.

ولهذا نستخدم منذ صغرنا التلميح فى التعبير عن الأمر؛ بداية فيما يخص أعضاء الجسم التى نستخدمها فى قضاء الحاجة التى سيكون لها دور فيما بعد فى ممارسة العملية الجنسية بعد أن نبلغ السن التى تسمح لنا بيولوجيًّا بذلك.

يبدأ التلميح بإعطاء أسماء حركية لأماكن قضاء الحاجة فى الجسم، ليتعرف عليها الطفل، فما أن يكبر قليلًا ويدخل فى طور المراهقة حتى يكتشف أن هذه ليست أسماءها الحقيقية، وأن لها أسماء أخرى يستخدمها أقرانه فى الشتيمة فيبدأ التعرف على الأعضاء التناسلية للجنس الآخر من خلال  تبادل الشتيمة، إما بذكر العضو التناسلى نفسه دون إضافة أى عبارات تكوّن منه جملة مفيدة، وإما بصيغة اتهام للشخص الآخر بأنه يفعل فيه كذا هو أو أحد أقاربه حين يدعى بابن كذا. ولأن ذكر هذه الأعضاء عيب، لذا يصبح للشتيمة وقعها المؤثر فى جلب الإحساس بالإهانة.

حتى يحين وقت الزواج فيستمر استخدام التلميح عند نصح العريس، ومع الغمز واللمز يبدأ ظهور مرادفات أخرى للعملية الجنسية مثل «المسائل» أو تعبير لا معنى له مثل «السيكو سيكو»؛ رغم براءة الطرح فى إعطاء المتزوجين قديمًا خبرتهم للمقبلين على الزواج، أو ببعض الفضول فى التعرف على ما قام به العريس بعد زواجه من رفع الرأس وما إلى ذلك، رغم أن الأمر عملية بيولوجية بحتة لا علاقة لها برفع الرأس مثلها مثل تناول الطعام والشراب، والنوم؛ إلا أن ذكر الجنس فى الحوار يبدأ فى جذب معانٍ أخرى كالشرف وإثبات الرجولة والكرامة، مما يجعل  الشخص يشعر أنه فى اختبار، وحين يكون غير مكتمل القدرة الجنسية  يشعر أنه موسوم فى رجولته؛ رغم أن الأمر متصل أكثر بكونه ذكرًا أكثر من كونه رجلًا، لذا يكتب على العيادات أمراض الذكورة وليس أمراض الرجولة، رغم أن الأمر متصل بوظائف جسمية مختلة، مثلها مثل المعدة عند طبيب الباطنة أو تعثر التبول عند طبيب أمراض المسالك البولية، وهنا يصبح الكلام فى التعثر الجنسى ليس عيبًا فقط، بل وجرحا للمشاعر وتقليلا من قيمة الشخص.

ومن الأسباب التى تجعل الكلام فى الجنس عيبًا أن الجنس هو العملية البيولوجية الوحيدة التى لا يستطيع الإنسان أن يقوم بها بمفرده -فى إطارها الطبيعى- فلا بد من وجود الذكر والأنثى معا، وفكرة الحديث عن الجنس والعيب فى العالم العربي مرتبطة بوجود الأنثى طرفًا وما نفرضه على الأنثى من هيمنة ذكورية، ولوجود الفعل نفسه مرتبطًا بالأماكن المغلقة وغرف النوم؛ فيظل الجنس هو الرغبة الأكثر خصوصية التى تصبح فضيحة إن كُشفت تفاصيلها على الملأ، سواء كانت علاقة شرعية أو لا، وإذا كان هذا الأمر له علاقة بخصوصية العلاقة، فإن القصد هو مناقشة الفكرة لا مناقشة خصوصياتها.

وهكذا تصبح الرغبة فى تعلم الطريقة الصحيحة لممارسة الجنس أيضا نوعا من العيب رغم أنه من المنطقى والبديهى أن الجهل بالأشياء ليس عيبًا، فالفتاة المتزوجة حديثًا التى تجهل طريقة تقشير البطاطس لا بد أن تسأل عن الطريقة التى تقشر بها البطاطس حتى تصير خبيرة، والجنس كذلك، يصبح الكلام فيه عيبًا بعد الزواج حتى نعجز عن الحصول على المعلومة الصحيحة، نخجل من الذهاب إلى العيادات المتخصصة التى تعلمنا؛ رغم أنه من الطبيعى أننا لا نملك الخبرة الجنسية لأننا متزوجون حديثا والمفترض أننا لم نمارس الجنس بطرق ملتوية من قبل.

الكلام فى الجنس عيب يلاقى الكثير من النهر والزجر واللوم، فيظل  المتزوجون حديثًا جاهلين به؛ مما يجعلهم عاجزين عن كسب الخبرة الاحترافية التى تحول الجنس من مجرد وسيلة للإنجاب إلى وسيلة للإشباع والاستمتاع بالحياة، فيجهلون مصادر المعرفة الموثوقة، ثم يلامون فى النهاية إن ظلوا فى الجنس مجرد هواة.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024