علامات خلفتها طلقات الرصاص على الجدران السميكة للقلعة الصليبية والنوافذ المحطمة للمطاعم السياحية القريبة -الأضرار الناجمة عن حادث إطلاق النار الأخير- تشهد على هشاشة الأردن أمام هجمات المتطرفين الإسلاميين.

يقول البعض إن الهجوم على قلعة الكرك، الذي نُفذ على يد أتباع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بالأردن، قد يشير إلى حملة أكثر عدوانية لزعزعة استقرار المملكة المؤيدة للغرب. وقال مسؤول أمني رفيع إن مهاجمي الكرك خططوا لتنفيذ هجمات متعددة في الأردن ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة.

فيما تنفي الحكومة، بحسب تقرير لوكالة أسوشيتد برس، انتشار ظاهرة التأييد لداعش، وتقول إن قوات الأمن الأردنية تستطيع أن تتعامل مع أي تهديد، لكن إطلاق النار الذي حدث يوم 18 ديسمبر/كانون الأول يُعدّ سابقة مقلقة.

فهي المرة الأولى التي ينفذ فيها داعش هجوماً على أحد المواقع المدنية في الأردن، وهو مزار سياحي شهير. كانت امرأة كندية واثنان من السكان المحليين من بين 10 أشخاص قتلوا.

وكان مطلقو النار الأربعة من أبناء العشائر الأردنية، التي تشكل ركناً تقليدياً لدعم النظام الملكي. وذكرت وسائل الإعلام المحلية أنهم تلقوا تعليماً جامعياً وأن أعمارهم تتراوح بين أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات، ما يؤكد تقبل بعض الأردنيين لأيديولوجية داعش.

انتقاد لاذع

في غضون ذلك، واجهت المؤسسة الأمنية انتقاداً لاذعاً بسبب فشلها في منع الهجوم، ودعا أكثر من ثلث أعضاء مجلس النواب إلى التصويت على حجب الثقة عن وزير الداخلية.

وقال مروان شحادة، الخبير في شؤون المسلحين، إن إطلاق النار في الكرك ينم عن "تغيير ملحوظ" في تكتيكات داعش. وأضاف: "عام 2017 سيكون عام تحديات أمنية كبيرة في الأردن".

وأكد المتحدث باسم الحكومة محمد المومني أن الأردن، عضو التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش، مستهدف، لكنه يتصدى للتهديدات بسبب التماسك الاجتماعي وقوات الأمن المدربة تدريباً جيداً، بحسب زعمه.

وأضاف: "نحن نعلم أننا نجحنا في منعهم في العديد من المناسبات الأخرى. إذا نظرتم إلى ما يحدث في البلدان من حولنا، ستظهر لك قدرتنا على الحفاظ على استقرارنا وأمننا".

تعود مواجهة الأردن مع داعش إلى عام 2014، عندما بدأت المملكة في تنفيذ ضربات جوية كجزء من حملة دولية لطرد داعش من سوريا والعراق، حيث استولى المسلحون على مناطق واسعة.

إلا أن ضربات الأردن العسكرية لم تمنع المتشددين من عبور حدودها، وجعلت المملكة هدفاً لهم.

في العام الماضي، قُتل سبعة من مؤيدي داعش وضابط أردني في تبادل لإطلاق النار أثناء مداهمة. وفي يونيو/حزيران، أرسل داعش سيارة مفخخة من سوريا أسفرت عن مقتل سبعة جنود أردنيين. نفذ مسلحون، كلٌ على حدة، ثلاث هجمات منفصلة في المنشآت الأمنية الأردنية، مع خمسة أميركيين بين القتلى. وقد التزم المسؤولون الأردنيون الصمت حيال دوافع المهاجمين.

بينما يرزح داعش تحت الضغط المتزايد في سوريا والعراق، قد يشكل تراجعه التدريجي هناك حافزاً أقوى لتنفيذ هجمات جماعية في أماكن أخرى لإثبات وجودها.

وقال ديفيد شينكر، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن الأردن هدف منطقي بسبب الوجود الواضح للمنشآت الغربية والأجانب.

ويتوقع أن تقدم الولايات المتحدة 1.6 مليار دولار من الدعم الاقتصادي والعسكري لحليفها خلال عام 2017.

وأوضح شينكر أن قلق الولايات المتحدة بشأن الأردن لا يزال يطغى عليه الاضطراب المجاور. وأضاف أن "القضية هنا بواشنطن تكمن في أن التهديد كبير للغاية، ولكن الأردن قادر على التعامل معه".

فرض الأردن حملة على المشتبه بأنهم متعاطفون مع داعش منذ عام 2014، إذ يقضي مئات منهم عقوبات بالسجن، كما صدر ضد خمسة منهم مؤخراً حكم بالإعدام.

بعد إطلاق النار في الكرك، اعتقلت قوات الأمن العشرات من الناس. وقال وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية وائل عربيات إن اثنين وعشرين من الدعاة المتشددين الذين رفضوا الدعاء لضحايا الكرك سيعاقبون.

من ناحية أخرى، يقول منتقدون إن الأردن فشل في معالجة الأسباب الأوسع لتقبل بعض الأردنيين لأفكار داعش، والذين كان المئات منهم يقاتلون في صفوفه بالعراق وسوريا.

وأشار مصلح الطراونة، نائب الكرك الذي قاد حملة في البرلمان مؤخراً لإقالة وزير الداخلية، إلى أن نسبة البطالة في منطقته قد ارتفعت إلى 25%، وأن خريجي الجامعات لا يمكنهم العثور على وظائف. وقال إن تنظيم داعش وجد وسيلة للدخول إلى القبائل الأردنية من خلال الفقر والبطالة.

نكسة أخرى للسياحة

ويعد ارتفاع نسبة البطالة نتيجة سياسات طويلة الأجل التي قد تستغرق سنوات لعلاجها، بما في ذلك الركود الاقتصادي الناجم جزئياً عن عدم الاستقرار في المنطقة. ويعتبر حادث إطلاق النار في الكرك نكسة أخرى لصناعة السياحة، التي تشكل القطاع الحيوي للاقتصاد الأردني.

حتى الأسبوع الماضي، كان الضرر الذي خلفه حادث الكرك لا يزال مؤثراً.

غطت شظايا الزجاج من النافذة المحطمة أرضية مطعم شهاب عند باب القلعة. وقال جمال صعوب (شاهد عيان) إن ليندا فاتشر، مدرسة كندية متقاعدة، كانت تقف أمام المطعم عندما توقفت شاحنة بيضاء تحمل المهاجمين الأربعة بالقرب منها، ثم فتحوا النار، ما أدى إلى مقتلها.

وقال النادل عبدالعال إبراهيم (52 عاماً) في مطعم قلعة الملك القريب، إن أربعة سياح من فرنسا وإيطاليا كانوا يتناولون طعام الغداء عندما سُمع دويّ الطلقات، ثم ثقبت طلقتان الباب الزجاجي لقاعة الطعام.

وقد تبادل المهاجمون إطلاق النيران مع قوات الأمن لعدة ساعات من شقوق في جدران القلعة قبل مقتلهم.

كانت هناك تكهنات بأن خلية الكرك استهدفت القلعة دون تخطيط مسبق، بعد اكتشاف مخبأ لهم في وقت سابق من ذلك اليوم. وقال عاطف آل سعود، رئيس مديرية الأمن العام، في الأسبوع الماضي إن الخلية خططت لتنفيذ هجمات ليلة رأس السنة عن طريق أحزمة المتفجرات.

وكان عدد من السياح القادمين من الولايات المتحدة وإيطاليا وسويسرا يمشون خارج القلعة الأسبوع الماضي، قبل يوم واحد من إعلان استئناف تشغيلها.

وقالوا إنهم يشعرون بالأمان لأن احتمال حدوث هجوم ثانٍ في نفس المكان ضعيف. وقالوا أيضاً إن هجمات المسلحين يمكن أن تحدث في أي مكان، لافتاً إلى الحوادث الأخيرة في برلين وإسطنبول.

فيما قالت إيميلي كليمر (31 عاماً)، وهي أكاديمية أميركية من بيت لحم، ولاية بنسلفانيا، التي تشعر بالأمان في العاصمة الأردنية عمان، حيث تعمل، أكثر مما تشعر في الولايات المتحدة. وأضافت أن قوات الأمن الأردنية تتخذ الاحتياطات اللازمة، وتتفاعل بسرعة.



أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024