منذ 7 سنوات | لبنان / الديار

اليوم، العيد الحادي والسبعون للجيش، حارس الهيكل من اقاصي الشمال الى اقاصي الجنوب، ومن اقاصي الشرق الى اقاصي الغرب.

المستشارون الاميركيون والمستشارون الروس، والمستشارون الاوروبيون الذين يزورون اليرزة، وبعيداً من الضوء، يعترفون بأن الجيش اللبناني لا يدافع عن لبنان فحسب بل ويدافع عن العالم...

العماد جان قهوجي اوضح، واستناداً الى وثائق، واعترافات، وتقارير بين يديه، ما هو هدف تنظيم «داعش» في لبنان الذي لو تمكن من النزول من الجرود والانتقال الى شاطىء المتوسط لتزعزعت استراتيجيات كثيرة في المنطقة، وصولاً الى القارة العجوز التي قال ايرفيه دوشاريت «انها تعيش شيخوختها على اسوأ وجه».

طرابلس هي الاولى في رأس ابي بكر البغدادي، الموصل هي الثانية، الرقة هي الثالثة، المتوسط بحيرة اسلامية، الاهم من كل هذا انه لو قام ذلك الثلاثي لكان الهدف هو مكة...

الاشقاء السعوديون الذين منحوا الجيش 3 مليارات دولار ما لبثوا ان ألغوها. الحجج لم تكن مقنعة بتاتاً، هل لبنان هو جبران باسيل؟ وهل «حزب الله» هو كل لبنان؟ ومنذ قيام الحزب هل نشبت اي مواجهة بينه وبين الجيش باستثناء ذلك السيناريو الذي وضعه آنذاك غازي كنعان ولاغراض كانت معروفة جيداً...

لا ريب ان هناك قسماً كبيراً من اللبنانيين ضد الحزب في سياساته الداخلية والاقليمية، وبين هؤلاء من هم الاولاد المدللون لدى المملكة، لا بل انهم ملكيون اكثر من الملك (وهذه عادة لبنانية قديمة).

حتى الآن، لا يفهم الساسة اللبنانيون لماذا الغيت «المكرمة». قيل ان انقلاباً ابيض حدث في السعودية على المملكة الاولى. الآن المملكة الثانية التي لها نظرتها، ووسائلها، واساليبها، المختلفة. ضاعت المليارات الثلاثة التي كان من شأنها ان تعزز امكانات الجيش الى حد كبير.

لن نذهب مع بعض اصحاب النيات السيئة ونقول ان الغاء الهبة كان لمنع الجيش من تحرير الجرود، وربما لابقائه ضعيفاً ولا يستطيع ان يواجه «ثورة المخيمات» الآتية لا محالة.

خطوط التماس مع الحرائق السورية، ومع المقاتلين الذين كما اتوا من فلوريدا، ومرسيليا، وماباكو، وصفاقس، وطشقند، وليفربول، اتوا من قاع الغيب، وخطوط تماس مع الاحتمالات الاسرائيلية، ومنذ تيودور هرتزل وحاييم وايزمان، وصولاً الى بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان، مروراً بدافيد بن غوريون وموشي شاريت.

الجيش الذي انقذ لبنان (ومعه الاجهزة الامنية) من الاخطبوط الارهابي في المدن والقرى والذي كان، لو بقي على انتشاره ليفجر لبنان من ادناه الى اقصاه، واسوأ بكثير مما حصل في سوريا...

لبنان داخل الاستراتيجية الاسرائيلية البعيدة المدى، والتي تتقاطع مع استراتيجيات عربية ذات بعد قبلي. المصريون هم من حذروا من ان خطة هيئة الاركان في اسرائىل السيطرة، في اي حرب مقبلة، على القمم اللبنانية باعتبارها منصات فضائية، وكادوا يقولون «منصات إلهية».

المصريون وغيرهم زودوا جهات لبنانية بمعلومات تؤكد ان الاسرائيليين يعتبرون ان من يسيطر على القمم لا يفرض الحصار على «حزب الله» من الاعلى فحسب، وانما يمسك بالمنطقة الكترونياً، وهم المتطورون جداً في هذا المجال.

وكما هو معروف، ففي الستينات من القرن الفائت، اقامت القيادة العربية الموحدة (الفريق  علي علي عامر) محطة رادارية تغطي المنطقة من الدردنيل الى السويس. القاذفات الاسرائىلية اغارت عليها ودمرتها.

حتى ان ملحقاً عسكرياً عربياً، وبمناسبة العيد الحادي والسبعين للجيش، قال لـ«الديار» «لو خصصت الدول العربية المشرقية، وتحديداً الدول الثرية، واحداً في المئة من نفقاتها العسكرية للجيش اللبناني لكان باستطاعة هذا الجيش، وبمنأى عن المخزون النووي لدى تل ابيب، ان يواجه الجيش الاسرائىلي.

والملحق العسكري يضيف ان الحكومات العربية تفتقد الحد الادنى من الرؤية الاستراتيجية، وبالتالي من التخطيط الاستراتيجي. يقول «ما زلنا في زمن داحس والغبراء او اذا شئت ما زلنا في زمن المناذرة والغساسنة».

عشية عيد الجيش كانت طائرات الـM.K. الاسرائيلية تجوب الاجواء اللبنانية تحديداً اجواء القاع الاوسط وصولاً الى السلسلة الشرقية. لماذا؟ هي الطائرات القاتلة في حرب تموز 2006، ولطالما وصفت بـ«الشياطين الطائرة» بهديرها القبيح، على مدى ايام، وهي تهدر، ما هو الهدف الذي تبحث عنه؟

الجيش حارس الهيكل، حارس الدولة وحارس الشعب. الرياح الاقليمية لعبت بالدولة ولعبت بالشعب. الدولة منقسمة على نفسها، والشعب منقسم على نفسه.

وحدها المؤسسة العسكرية التي بقيت موحدة وصامدة، لا فراغ بل استنفار، لا شلل بل حيوية لامتناهية، لا بقاء في الثكنات بل التواجد في كل «الاصقاع» اللبنانية...

الساسة والديبلوماسيون يتحدثون عن مخاطر كبيرة، وعن «فديرالية النازحين واللاجئين» فيما التصدع السياسي (والدستوري) في ذروته، وفيما التردي الاقتصادي، وفيما الاحتقان المذهبي (والاجتماعي)، وكلها تنذر بالشر المستطير.


ـ القيادة خارج التجاذب ـ


والمهم ان وباء الفساد الذي يضرب المؤسسة السياسية لم يصل، ولن يصل، الى المؤسسة السياسية. والمهم ان تكون الطبقة السياسية التي اغرقت البلد بالقمامة على مستوى المسؤولية (مسؤولية البقاء) ولو مرة واحدة وتبقي قيادة الجيش خارج نطاق التجاذب السياسي، والشخصي، والقبلي، والا فهي ستكون مسؤولة عن زعزعة المؤسسة التي هي اخر ما تبقى في لبنان وللبنان.

«الديار» استفتت جهات سياسية حول ما «ينتظرنا»، والمشهد الاقليمي يزداد تشابكاً. ثمة اجماع بأن الظروف الراهنة (والملبدة)  لا يمكن ان تكون ظروف التسوية، اي ان كل شيء مؤجل الى ان ينجلي، جزئياً او مرحلياً، الوضع العام في المنطقة.

غير ان اللافت ان مصادر ديبلوماسية اوروبية تعتبر ان «الزلزال التركي» حال دون انفجار كبير. فالامور بين السعودية وايران (بوجود الدور التركي) كانت تتطور على نحو خطر، حتى ان اجتماعات اطلسية عقدت بعيداً من الضوء من اجل تقييم الوضع، كما جرت اتصالات ومشاورات اميركية ـ روسية، واذ حدثت المحاولة الانقلابية، ساعد ذلك على نحو كبير في الحد من الايقاع المتسارع نحو الحرب.


 أين لبنان؟ ـ


المصادر اياها تشير الى ان التسوية في سوريا لم تعد بيد السعوديين او الايرانيين. الاميركيون والروس هم من يمسكون بالخيوط الآن. اين لبنان في هذه الحال؟

المصادر المذكورة تتحدث عن ان الايرانيين اعتادوا الصراعات، بما في ذلك الصراعات الدموية، ولم يختبروا منذ قيام الثورة الاسلامية عام 1979 وحتى اليوم «ترف العيش». دائماً في الخنادق. السعوديون في وضع مختلف. الآن هم في مرحلة انتقالية بين الرخاء والاستنفار.

وتقول المصادر ان السعوديين يعلمون انهم «غرقوا» في اليمن. لكأنها حرب ضد مجهول. ما يعنيهم، بالدرجة الاولى، الان هو الخروج من تلك المتاهة، حتى اذا ما انتهى هذا الاسبوع باتفاق بينهم وبين الحوثيين، بعد تدخل مباشر وضاغط من قبل امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح، فان التشنج سيتراجع الى حد كبير في المملكة.

هذا يفسح في المجال امام التفكير بصورة مختلفة في الازمة اللبنانية التي ترهق السعوديين ايضاً. صحيح ان كل الافرقاء اللبنانيين في حالة ضياع، لكن الاكثر ضياعاً هو الرئيس سعد الحريري، بمشكلاته المادية والسياسية، دون ان ينقذه من هذا الوضع سوى الدخول الى السرايا الحكومية.

الآن، كل شيء مجمد. قبل يوم واحد من ثلاثية الحوار لا معطيات حاسمة حول امكانية احداث ثغرة في حائط الازمة.

هل صحيح ان الاستحقاق الرئاسي ينتظر التسوية في اليمن؟

الذي ثبت من الاتصالات ان من المستحيل، في الظروف الراهنة، فصل الازمة اللبنانية عن سياقها الاقليمي.

هذا امر واضح بالنسبة لـ«نجوم» عين التينة الذين يبدأون غداً مسيرة الايام الثلاثة.


ـ بري: بين الصفر والمئة ـ


بري لا يملك معطيات محددة حول اي محاولات دولية (وجدية) لانجاز الاستحقاق الرئاسي. امام زواره يقول (مراسلنا محمد بلوط) «لا استطيع ان اقول عن جلسة الحوار انها آخر فرصة، لكنها بطبيعة الحال فرصة مهمة علينا اقتناصها. هي اشبه ما تكون بملف كرة قدم، فمن يريد ان يسجل هدفاً فليسجله داخل الملعب وليس خارجه».

يضيف «ان المخاض الكبير الذي تشهده المنطقة يفرض علينا الوصول الى  تفاهم على طريقة الدوحة من خلال حل كامل يبدأ بالرئاسة».

وعن احتمالات نجاح ثلاثية الحوار، قال بري «يمكن ان تكون من صفر الى مئة، وهذا يعتمد على تحمل الجميع مسؤولياتهم، واذا لم نسلك هذا المسار للوصول الى حل كامل سنكون كمن «يخبّص» خارج الصحن».

ولا يستبعد «اذا ما سارت الامور (في المنطقة) على نحو ايجابي ان تلوح مجدداً بوادر امل لتحسين الاجواء والتلاقي بين طهران والرياض. وهذا ما يساهم في حلحلة ازمة رئاسة الجمهورية بغض النظر عن الاسم او الشخص، مع العلم ايضاً انه لا بد من التوافق على الرئيس».

ليست الفرصة الاخيرة ما يعني ان تحديد موعد آخر للحوار وارد. مسلسل لبناني اطول بكثير من اي مسلسل تركي او مكسيكي. الثابت، عشية ثلاثية الحوار، ان رئىس المجلس وضع سلته جانباً ليستلهم الدوحة عام 2008 لعل الوحي يهبط على السادة المتحاورين.



أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024