منذ 7 سنوات | لبنان / الجمهورية

يعيش معظم الأحزاب اللبنانية حالاً من «الإنفصام السياسي» بين «المبادئ» والسلوكيات، بحيث تطغى التحالفاتُ الظرفية والتقلبات في المواقف على النظرة «الإستراتيجية» التي تُجاهر بها الأحزاب وتتغنّى بها.

لا نبالغ في القول إنّ المشاريع السياسية للأحزاب غابت أو تراجعت الى ما دون المرتبة الأولى لمصلحة التكتيكات والمصالح التي باتت تتحكّم بالقرارات والتوجّهات، وفي كثير من الأحيان خلافاً لمساراتٍ تاريخية طبعت «نضالات» هذه الأحزاب و«تضحياتها».


ويُعتبر «التخبّط» الذي رافق ولا يزال الترشيحات إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية واحداً من مجموعة أدلّة على صحّة الواقع المشار إليه.


فرئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون الذي أطلَّ على الحياة السياسية اللبنانية في العام 1988 من باب عدم جواز وجود أيّ سلاح غير سلاح الجيش اللبناني على الأراضي اللبنانية، يتّكل على «حزب الله» صاحب السلاح غير الشرعي الذي يُصادر قرارات الدولة اللبنانية ويشكّل رديفاً للجيش اللبناني، للوصول الى رئاسة الجمهورية اللبنانية.


ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي يعتبر «استراتيجياً» أنّ سلاح «حزب الله» هو المشكلة التي تمنع قيام الدولة في لبنان، رشّح إلى رأس الدولة النائب ميشال عون حليف «حزب الله» الذي يُغطّي بورقة التفاهم وبالمواقف اليومية سلاح «حزب الله» ودوره الإقليمي كامتداد للسياسة الإيرانية وأداة تنفيذية لاستراتيجيتها داخل لبنان وخارجه.


ورئيس تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري الذي يرفع شعار «لبنان أوّلاً» ويُحمّل النظام السوري و»حزب الله» مسؤولية ما تعرَّض له الشعبان اللبناني والسوري ولا يزالان من عمليات اغتيال وجرائم جماعية وتدمير وتهجير، رشّح إلى رئاسة الجمهورية رئيسَ تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية الذي يَصف نفسه بأنّه «شقيق بشار الأسد» والذي يعتبر نفسه «ابن خطّ الممانعة» الذي يُجسّده «حزب الله» في لبنان والنظام السوري وإيران على مستوى المنطقة.


وفرنجية الذي يرى في ترشيح تيار «المستقبل» له إلى رئاسة الجمهورية فرصة تاريخية قد لا تتكرّر بسهولة، بات يعتبر الحريري «حليفاً» على الرغم من إدراج الحريري كلّاً من حليفي فرنجية الرئيس بشار الأسد والسيد حسن نصرالله في خانة الخصوم لا بل أكثر، وبات يعتبر عون «خصماً» على الرغم من التحالف الذي يُجاهر به عون مع حليفَي فرنجية نصرالله والأسد.


أما نصرالله فيعتبر عون مرشحاً ثابتاً للحزب إلى رئاسة الجمهورية ما لم يُعلن هو (أي عون) تخلّيه عن ذلك، على الرغم من أنّ عون يعتبر نفسه حليفاً لـ«8 آذار» وليس مكوِّناً تنظيمياً من مكوِّناتها. وفي المقابل، يرفض نصرالله ترشيحَ فرنجية إلى رئاسة الجمهورية على الرغم من أنّ فرنجية كان منذ ما قبل 8 آذار 2005 ولا يزال الى جانب نصرالله يوم كان عون لا يزال في ساحة «14 آذار».


كلّ هذه الوقائع تشير الى أنّ الحياة الحزبية في لبنان باتت ترتكز على «مشاريع سلطة» لا على ثوابت سياسية ووطنية تناضل القوى السياسية لتحقيقها. فالسلطة يُفترض أن تكون وسيلة لتحقيق «المشروع السياسي»، في حين أنّ الأحزابَ السياسية في لبنان باتت تتصرّف وكأنّ الوصولَ الى السلطة هو المشروع السياسي بحدّ ذاته من دون اعتباراتٍ تُذكر للأهداف السياسية والوطنية التي قامت عليها هذه الأحزاب.


فالتحالفاتُ باتت تُبنى على حسابات الربح والخسارة الإنتخابية ولو كانت مع جهاتٍ تختلف لا بل تتناقض في القناعات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتنموية والرؤى الوطنية على المستويات كافة.


فالمتفقون في التوجّهات السياسية والإقتصادية يتواجهون انتخابياً، والمختلفون على الأسس والمبادئ ينتظمون في لائحة واحدة أو تحالف واحد في مواجهة حلفائهم الطبيعيين، وكأنّ همّ الأحزاب والقوى السياسية في لبنان لم يعد في مدى نجاحها في تحقيق رؤاها وتطلّعاتها ومشاريعها، وبات محصوراً في حجم كتلها النيابية والوزارية وفي حجم حصصها الإدارية والوظيفية والإقتصادية بمعزل عن «القناعات» التي على أساسها يجتمع من حولها محازبوها ومناصروها والرأي العام.


إنّ لبنان يعاني اليوم من محنة في الحياة الحزبية تجعل المحاصصاتِ السلطوية بديلاً عن تنافس المشاريع السياسية، وهو ما يدخل لبنان بفعل هذه السياسات الحزبية في عصرٍ من «الإنحطاط السياسي» يُرخي بثقله على الحياة السياسية في شكل عام، ويساهم في توجيه ضربة الى جوهر النظام الديموقراطي وآليات عمله وتكوين السلطة فيه.


لقد بات إنقاذُ الديموقراطية اللبنانية، وبالتالي لبنان الكيان والدولة، في أمسّ الحاجة الى أن تُعيد الأحزابُ والقوى السياسية النظرَ في أدائها على قاعدة التخلّي عن سياسة «الغاية تُبرّر الوسيلة»، واستبدالها بالعودة الى منطق النضال السياسي في سبيل مشروعٍ واضح المعالم والأهداف، تُبنى التحالفات مع مَن يتقاطع معه وتكون الخصومات مع مَن يختلف معه، مع ما يعنيه ذلك من فرز فريقٍ في الحكم وفريقٍ في المعارضة لتحويل الديموقراطية اللبنانية من شعارٍ بلا مضمون الى جوهرٍ للنظام السياسي الذي على أساسه قامت الجمهوريةُ اللبنانية.




أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024