منذ 7 سنوات | اقتصاد / السفير

ـ 1 ـ
التدمير والترميم...
هذه أقوى لعبة الآن في عملية «تمديد الوقت» لأنظمة ومنظومة تُحتضر. والإيقاع السريع بين الترميم والتدمير يلهي أحيانا عن النظر والتحديق في إمكانية «تمديد الوقت الى ما لا نهاية».
خلافات تشكيل الحكومة في بيروت، وإجراءات تأجيل انفجار سعر الدولار في القاهرة، والتفاوض السري والعلني حول مصير الأسد وغيرها هي مجرد فقرات انتظارا لما بعد الجحيم المنتظر.
في الانتظار لعنة ما تجعل الناس تقبل بما تعرفه، كتمائم حماية من «المجهول»، هكذا مثلا تحولت الدعوة الى ثورة الغلابة في مصر يوم 11/11 إلى «احتفال كبير بالسكون» وبدت القاهرة كأن سكانها هجروا شوارعها.
هذه الدراما الغريبة التي تجعل حدثا غامضا سيطر على أحاديث الناس، المشحونة بالغضب من إجراءات تفتك بقدرات شرائح واسعة على الحياة وفرصها، والتي أعلنت الدولة عن شراستها في مواجهته، ينتهي إلى «سكون رهيب..».
كما أن التهليل الصادم بوصول ترامب في دول عربية وإسلامية مشهورة بثقافتها المحافظة، وترعى هوياتها الدينية والقومية، كما ترعى سيوفها قبل القتال، لم يكن مدهشاً، برغم أن النعرة الهوياتية لا تفوت لحظة إلا وتذكّر بسلطانها وقدرتها على تبرير وجود «الاستبداد» و «الفساد» معا..
والى أين ستصل مساعي الصلح بين مصر والسعودية، بعد زيارة محمد بن راشد ولي عهد الامارات للقاهرة والرياض واتصالات من أمير الكويت وأطراف من البحرين؟ هل هناك إمكان للقاء والتعاون بعد خطابات العداء والكراهية؟ أم هل يعاد بناء ما تهدم بغضبة سريعة من الأمراء، وعقاب بمنع البترول، ثم بتراجع عن صفقة «تيران وصنافير»... في تحولات دراماتيكية سريعة خفتت فيها خطابات العروبة والأشقاء لتحل محلها نعرات الشوفينية الصغيرة..
هل الشوفيني سيستعيد لسان العروبي بهذه السرعة؟ ام أن المصالح ستتصالح بأسرع مما يتبخر الماء؟
الأسئلة لا تخص تقييم مواقف أو ثباتها بل تخص فعالية لعبة التدمير والترميم.
ـ 2 ـ
في كل حركة، يختلط التدمير والترميم معا، في عملية يُطحن فيها «الوعي» الذي تراكم عبر أكثر من 60 سنة، وتحول فيها المواطن العادي أو الرجل البسيط أو «الرجل الصغير» كما أسمته أدبيات الأنظمة أو تعاملت معه، الى كائن معقد؛ لا يمكن تنميطه أو تثبيت وعيه عندما تتخيله الأنظمة والسياسيون والمؤسسات الامنية وكل الأجهزة التي تهتم بترويض أو تحريض ساكن هذه البلاد.
كيف سينجو هذا الكائن من سنوات المحن الصعبة؟ وهل سيظل عاديا أو بسيطا أو صغيرا. وفي نظر من؟ وكيف ستُبنى سياسات أو توجه له الدعاية؟ وكيف يمكن إعادة النظر في تسميات مثل «الشعب..» أو «الجماهير» ككتل وحشود تستهلك البروباغندا اليومية.. وهل سيبقى الكائن الذي مر بتجارب الجحيم المتعددة والمتنوعة، مجرد «زبون» ينتظر رشوة ليشتري سلطوية زعيم أو رئيس أو قائد ملهم.
هل يظل الزبون مستهلكا لخرافات استهلاك وحوش خرافية تتحدث باسم الوطن والدولة وتروّج بضاعة قاتلة؟
والأهم: ألم نصل الى مرحلة تبدو فيها المافياوات الحاكمة عاجزة؟ بمعنى آخر: هل فقرات «السيرك السياسي» يمكنها أن تداري أن المافيا تتورط في نفسها/وجودها كما لم يحدث في فترات الانسجام السياسي والاجتماعي، أي ان المافيا لم تعد قادرة لأنها مافيا.. ولن تنجح إلا بتدمير نفسها لا بترميمها.
ـ 3 ـ
هل تدمّر المافياوات الحاكمة في هذه البقعة نفسها؟
وهل هناك هبّات للأجسام الكبيرة (الشعوب أو الجماهير، سمّها كما شئت) دفاعاً عن حياتها وخروجاً من حالة «الزبائن» القديمة، وقود الأنظمة والأحزاب وأمراء الطوائف؟
أم أن الآتي سيأكل وقتاً من وصولنا الى لحظة تغيير جديدة، فيستهلك قرض الصندوق في مصر وقتاً، مثلما تفعل مشاورات الحكومة وقانون الانتخابات في لبنان، ليتوهّم امراء المافيا أن زبائنهم ما زالوا في جيوبهم الخلفية «على حطة أيديهم»...؟
أم أن كل ما يحدث مجرد تغيير أوزان الحصص في «تركة» المافيا؟
... الرعب كل الرعب أن يتصور تجار الكوارث أنهم قادرون على انتخاب زبائن في هذا الجحيم المنتظر.




أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024