منذ 7 سنوات | العالم / السفير


لم يعد بالإمكان أمام هيلاري رودهام كلينتون استغلال ترشيحها كأول امرأةٍ من قبل أحد الحزبين الرئيسيين في البلاد للسباق الرئاسي، وتلميعُ صورتها وسط كمٍّ هائل من الفضائح مُرشحٍ للارتفاع، أن تفعلَ أكثر مما فعلته خلال أيام المؤتمر الديموقراطي التي تُختتم اليوم لاختيار خليفةٍ محتمل لباراك اوباما في البيت الأبيض. غداً، ستنتهي مفاعيلُ جزء من الحملة الانتخابية الرئاسية للعام 2016، لتبدأ أخرى أكثر شراسة، في معركةٍ كان من المتوقع لها ان تكون كلاسيكية ونمطيةٍ بامتياز، ولكن كُتب لها ان تكون الأكثر فضحاً لعورات كواليس السياسة الأميركية، ومعها التبدلات في المزاج الشعبي، والتحولات التي طرأت على الأحزاب نفسها.

و«كسرت» كلينتون، أمس الأول، السقفَ المتوقع للفوز بالترشيح، ومعه احتكار الرجال للوصول إلى هذه المرحلة من السباق في تاريخ الولايات المتحدة. هذه الايجابية سُجّلت للمؤتمر، ومعها التوحد ضد «عدو اميركا»، دونالد ترامب. لكن «انعطافةً» مُتوقعة لوزيرة الخارجية السابقة نحو اليمين، بعد حملة اتسمت بمحاولة محاكاة جزءٍ من برنامج منافسها بيرني ساندرز لكسب التأييد، ستعيد تصفير المعركة الانتخابية بعد «ورشة» دعم استمرت اربعة ايام، اختتمها اوباما نفسه بالأمس. المؤتمر، وسط كل ذلك، سلّط الضوء على تغييرات في المشهد الديموقراطي على ابواب انتخابات رئاسية يُراد منها أيضاً، بكل عزمٍ ووضوح، الإطاحة بسنوات الحكم الجمهوري في مجلسي الشيوخ والنواب.

لكن قبل الخامس والعشرين من الشهر الحالي، كان الاعتقاد السائد أن الجمهوريين وحدهم يتخبطون لـ«ابتلاع» مرشحٍ اسمه دونالد ترامب. بعد ذلك التاريخ، فتح الديموقراطيون سجالاً آخر لن تنتهي مفاعيله مع انتهاء المعركة الرئاسية في 2016: وسط تحولات طرأت على الحزب، وانقسامات برزت أكثر تجلياتها بظهور حالة «بيرني»، لم يأت حظُّ الديموقراطيين بأفضل من مرشحةٍ، هي الأقل شعبية في تاريخ البلاد والأكثر غموضاً، والأكثر تقلباً.

فضائح.. وشعبية متدنية

ولعل اكثر العبارات توصيفاً لما حصل داخل المؤتمر، هو ما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز»، من ان بيل كلينتون، وهو احد الرؤساء الأميركيين الديموقراطيين الأكثر شعبية، جاء إلى المؤتمر لـ «انقاذ زوجته من أن تكون أكثر الأشخاص الذين يعملون في الشأن العام والمعروفين غموضاً وقلة معرفة من قبل الشعب»، مع أربعة أرقام «صادمة» للوزيرة السابقة مع بداية مؤتمرها، في مقابل ارتفاع شعبية ترامب، ليتجاوزها بنسبة التأييد في استطلاعات الرأي الأخيرة بشكل اكثر وضوحاً، رغم ان الحظوظ العامة للوصول إلى البيت الأبيض تبقى متقدمة لصالحها بنسبة 55 في المئة.

وبعد فضيحة مدوية فجرّها «ويكيليكس» بتسريبه 20 ألف رسالة الكترونية للحزب الديموقراطي تؤكد عمله ضد ساندرز لصالح كلينتون، ومحاولة طمس الفضيحة برميها على «المخطط الروسي»، تحدث موقع «بوليتيكو» عن فضيحة أخرى تتعلق بالتبرعات للحزب التي لم تذهب للولايات بل لصالح «مؤسسة كلينتون».

وسط ذلك، لا تزال ترددات فضائح بريد كلينتون خلال توليها رئاسة الديبلوماسية الأميركية قيد تحقيقٍ لم ينته بعد اعادة فتحه من قبل وزارة الخارجية نفسها بقيادة جون كيري. هكذا، استرجعت «ذي اتلانتك» لفضائح آل كلينتون من البريد الخاص إلى سيدني بلومنتال، المُرّوج لهجوم بنغازي (2012) على انه هجوم «عفوي»، إلى ملايين الدولارات التي جنتها العائلة من إلقاء الخطابات، إلى «مؤسسة كلينتون» التي أصبحت «طريق ايصال هذه العائلة إلى .. تقريباً كل شيء»، إلى فضائح «وايت ووتر» (استثمارات آل كلينتون في العقارات في السبعينيات) ومونيكا غايت»، لتواجه كلينتون في اول ايام المؤتمر بـ68 في المئة من الناخبين الذين يعتقدون انها غير مؤهلة للثقة و56 في المئة يرون ان صورتها لم تكن ابداً بهذا السوء، و38 في المئة فقط سيكونون فخورين إذا اصبحت رئيسة، ونصف الناخبين الديموقراطيين لا يزالون يفضلون ساندرز.

انعطافة.. وسط انعطافات

ووصف أحد القياديين الديموقراطيين تصويتَ المؤتمر لصالح كلينتون بأنه كمثل من يأمرك بأن «تغلق انفك، وتصوّت لهذه المرشحة». خلف الكواليس، يراد لكلينتون ديموقراطياً ان تكون الوسطية بين اوباما وترامب، وتقنياً ان تُمسك بالعصا من الوسط، لقيادة حزبٍ اختلف جذرياً عن ذاك الذي قاد زوجها إلى البيت الأبيض منذ أكثر من 20 عاماً، مع ما يُحسب لها من قدرةٍ على «التحول» في أوقات قصيرة. فالحزب الذي أصبح «أقل بياضاً وأكثر ليبرالية»، مع قاعدة أكثر تعليماً، واقل تقبلاً للوصول إلى حلول وسط مع «الجمهوريين»، يُدرك ان كلينتون ستتحرك إلى اليمين في المعركة مع ترامب لتحصل علــى اصوات المترددين من الجمهوريين، وستعود إلى براغماتيتها المتشددة القريبة من «المحافظين الجدد» لكسب المعركــة الأخــيرة، ولكـنه يتوقع منها العودة اليه في نهاية المطاف.

في هذه الأثناء، أظهر برنامج الحزب الديموقراطي الجديد الذي أُقّر في بداية المؤتمر، أنه يميلُ إلى «اليسار» أكثر من أي وقت مضى، مع إدانته لمبدأ «عدم التكافؤ»، مشيراً الى ان واحدا في المئة من السكان يمتلكون ثروة الولايات المتحدة، باستعارة لشعار حركة «احتلوا وول ستريت». كما تبنى الحزب رفع الحد الأدنى للأجور، والتحرك ضد طمع «وول ستريت»، والدعوة لإصلاح الحملات الانتخابية، والترحيب بالإجهاض وحقوق المثليين، في تناقض واضح مع كل ما لم يمرره الجمهوريون في الكونغرس، يضاف اليها مواجهة العنصرية وتغيير قوانين حيازة الاسلحة والاستمرار في «التحالف» لمكافحة الإرهاب مع رفض تشويه صورة المسلمين. وغاب عن المؤتمر في أيامه الأولى أي ذكر لتنظيم «داعش» لضرورة التوحد ضد ترامب، وتفادي النقاش حول طروحاته العنصرية لمواجهة الإرهاب.

وفيما يؤكد الديموقراطيون ان كلينتون لن يكون امامها أي خيار سوى الحكم من الوسط للوصول بالحزب إلى الكونغرس، وهو ما دفع باراك اوباما إلى القاء كل ثقله في حملتها الانتخابية، للحفاظ على ارثه الذي يخشى ان يضيع كما ضاع معه ارث جورج بوش الابن، تُرجح معظم التقارير الإعلامية ان تعود كلينتون إلى «أصلها»، بعدما لم تقدم أي التفاتة نحو النزعة «التقدمية» داخل الحزب، باختيارها تيم كاين نائباً لها، بدلاً من ان تختار السناتورة اليزابيث وارن التي كانت مرشحة لهذا المنصب، معتبرين أن ذلك إشارة اولى منها على إصرارها بان تحافظ على «الستاتيكو» داخل المنظومة السياسية، من دون أخذ المتغيرات الطارئة بعين الاعتبار.

الأولوية لترامب

هكذا، ينتهي مؤتمر الديموقراطيين بجرعة دعم قوية من اوباما لكلينتون، على ان يتفرغ الرئيس الأميركي في الأشهر المقبلة أكثر لدعم حملتها بحسب ما اكدت وسائل الإعلام الاميركية، بعدما كان ساندرز قد طالب باختيارها بـ «التزكية»، في اقوى رسالة دعم ممكنة في مواجهة ترامب.

ولن يلتزم الحزبُ الديموقراطي، الذي يعيش معركته نحو التحول، على الأرجح، بالبرنامج الذي أقره في الأشهر المقبلة، في مقابل التركيز على الحشد للمعركة المصيرية مع دونالد ترامب، التي أكد ساندرز أنها معركة مصيرية للولايات المتحدة بأكملها.

مواكبة مزاج القاعدة الشعبية للحزب الديموقراطي، التي هي مزيج مختلط من الاعراق والإتنيات والاقليات، ستكون مؤجلة، أو ستكون غير ملزمة في المدى المنظور، والسباق إلى البيت الابيض سيقوده حصان هيلاري كلينتون التي لم تفصح عن أي استراتيجية محددة للسياسة الأميركية المقبلة.

حتى اللحظة، يبدو السباق الرئاسي الأميركي، ديموقراطياً، مرهوناً فقط بما تحضره الإدارة الأميركية الحالية لـ «تنظيف» البيت امام كلينتون، وتحقيق جملة انجازات داخلية وخارجية تساعد على فوزها، وهو «جميلٌ» من غير المعروف بعد كيف سترّده.. كما لم يعد من المعروف كيف سترد الجميل لساندرز.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024