ماذا بعد انتهاء هدنة حلب؟ ماذا سيليها في السياسة وفي الميدان؟ لعلها الأسئلة الأكثر إلحاحاً الآن. بالأمس، عند الساعة السابعة مساء، انتهت رسمياً الهدنة الإنسانية التي كانت أعلنتها دمشق وموسكو في مدينة حلب، من دون تسجيل خروج أي من المسلحين أو المدنيين من الأحياء الشرقية للمدينة، فيما تولّت قذائف «جبهة النصرة» مهمة حرمان الأهالي والجرحى من أدنى فرصة المغادرة المتاحة، خاصة بعدما تسبّب القصف على معبر الكاستيلو بإصابة جنديين روسيين.

انتهاك الفصائل للهدنة المعلنة لم يكن وليد الأمس. مرّت على حلب سلسلة من عمليات القصف والعربات المفخّخة التي ضربت الأحياء الغربية خلال الأيام الماضية، في هجوم تحت عنوان «تحريرها»، وانتهى الآن بمئات الضحايا المدنيين، وعشرات القتلى في صفوف المسلحين.

الهدنة التي استمرّت عشر ساعات هدفت الى إجلاء الراغبين من مقاتلين ومدنيين من الأحياء الشرقية التي تسيطر عليها فصائل «المعارضة» عبر ثمانية معابر، خُصّص منها معبران أساسيان هما الكاستيلو والخير - المشارقة لخروج المقاتلين.

وقال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن «لم يسجل المرصد خروج أي شخص، سواء (أكان) مدنياً ام مقاتلاً، من الأحياء الشرقية من حلب»، مشيراً إلى أن «الهدوء (كان) سيد الموقف في حلب».

غير أن وكالة «سانا» ذكرت أن سبعة صواريخ اطلقت على طريق الكاستيلو، مشيرة الى إصابة مراسل قناة «الإخبارية» بجروح، فيما أشارت وزارة الدفاع الروسية الى أن عسكريَّين روسيين أصيبا بجروح في عملية قصف من قبل مسلحين استهدفت معبر الكاستيلو، مضيفاً أن قرابة 50 صحافياً روسياً وغربياً وعربياً جرى إجلاؤهم من المعبر الإنساني، وأن البث الحي من المنطقة تمّ تعليقه مؤقتاً.

عضو المكتب السياسي في حركة «نور الدين الزنكي» ياسر اليوسف وفي تعليقه على الهدنة، قال: «لسنا معنيين بها ولا نثق بالروس ولا بمبادراتهم ».

ونقلت وكالة «رويترز» عن المسؤول في وزارة المصالحة السورية في حلب فادي اسماعيل، قوله: «أتمنى أن يُخرِجوا المدنيين، لكن أتوقّع أنه (أمر) غير قابل للتحقيق في ظل هذه الظروف»، لافتاً إلى أن المقاتلين من جبهة «فتح الشام» (جبهة النصرة مسبقاً) يمنعون خروج أيّ كان من المغادرة، مشيراً الى «أننا نتواصل مع بعض المسلحين الذين يمتلكون الرغبة في الخروج. للأسف الشديد رغبة المسلحين على مستوى فردي وليست على مستوى فصائل».

وعندما سُئل عمَّا سيلي عدم خروج أحد من تلك الأحياء أجاب: «حتماً هناك عمل عسكري».

ومن جهته، قال متحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ديفيد سوانسون: «الأمم المتحدة لن تكون معنية بأي شكل في إجلاء مدنيين من شرق حلب». واعتبر أن المبادرة الروسية «إعلان أحادي الجانب»، مؤكداً أن «عمليات إجلاء المرضى لا يمكن أن تحصل إلا إذا اتخذت الأطراف المعنية بالنزاع كافة الإجراءات اللازمة لتأمين بيئة مناسبة، وهذا ما لم يحصل».

من جهتها، أوضحت المتحدثة باسم مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، جيسي شاهين، أن المنظمة ضد إجلاء المدنيين ما لم يكن ذلك طوعاً.

بدوره، رأى وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير أن الهدنة غير كافية لكونها «لا تمنح الوقت الكافي لإجلاء المرضى أو الجرحى المصابين بجروح خطيرة، أو لإيصال المساعدات الإنسانية لسكان حلب».

وعلى جبهة أخرى في سوريا، ذكرت وكالة «أعماق» المرتبطة بـ «داعش» أن مقاتلي التنظيم دمّروا، أمس الأول، مروحية عسكرية روسية في منطقة حويسيس في ريف حمص الشرقي.

من جهتها، ذكرت وكالات أنباء روسية أن مروحية روسية هبطت اضطرارياً قرب مدينة تدمر السورية، وتعرّضت لإطلاق نار بعدما لامست الأرض، لكن الطاقم عاد بسلام إلى قاعدة حميميم الجوية. وكانت المروحية تقدّم مساعدات إنسانية إلى قرية تبعد نحو 40 كيلومتراً شمال غرب تدمر.


سياسياً

حذّر رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف من تفكك سوريا إلى تجمعات إرهابية على غرار ما حدث في ليبيا، مشدداً على أن وجوب مشاركة الرئيس السوري في أي عملية سياسية تؤدي لوقف الحرب.

وقال في حوار مع التلفزيون الصيني الرسمي: «الأهم هو أن يكون مستقبل سوريا قابلاً للتنبؤ حتى تكون دولة مستقلة ولا تتفكك إلى عدد من التجمعات الإرهابية كما حدث في ليبيا».

وأوضح ميدفيديف أن «لا وجود لحل عسكري للقضية السورية، على القوى التي تريد سلاماً في سوريا، أن تجلس إلى طاولة المفاوضات للاتفاق على مستقبل سوريا ونظامها السياسي المستقبلي».

ولفت إلى أن الحوار السياسي بشأن الأزمة في سوريا يجب ألا يمسّ بمستقبل الرئيس السوري، قائلاً «الرئيس بشار الأسد رئيس شرعي وعلى رأس عمله ويجب أن يشارك في هذه العملية».

وأكد ميدفيديف أن هناك «جدالاً ساخناً» تخوضه روسيا مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية حول الفصل بين «المعارضة المعتدلة» والإرهابيين في سوريا، مشيراً الى أن هذه المسألة هي ما يعيق التوصل إلى تسوية للأزمة.

وفي هذا الإطار، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن على الولايات المتحدة أن تتخلّص من وهمها بشأن إمكانية «ترويض» الإرهابيين.

وأضافت خلال حوار مع إذاعة «الصين الدولية»: «لدى زملائنا الأميركيين وهمٌ، وهو أنه يمكن ترويض الإرهاب واستمالته. هذا غير ممكن. الإرهاب مثل الأفعى، تلدغك ما إن تدير ظهرك، ولا يمكن اللعب معها».

وتابعت «نحن نعرف جيداً أن دولاً غربية وإقليمية وظفت جهوداً كبيرة وأموالاً ووسائل تقنية لصالح جبهة النصرة وتنظيمات إرهابية أخرى، ولكنْ هؤلاء إرهابيون ومن غير الممكن اللعب معهم».

وأشارت زاخاروفا إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تصطدم فيها روسيا بمثل هذا النهج الأميركي، معتبرة أن تصرفات الأميركيين، التي لم تدمّر «جبهة النصرة»، هي «دليل واضح على حقيقة أنهم يقومون بحمايتها».

بدوره، دعا المبعوث الصيني إلى سوريا شي شياو يان كلاً من روسيا والولايات المتحدة إلى التخلي عن طموحاتهما الجيوسياسية في سوريا، من أجل الوصول إلى تسوية للأزمة، موضحاً أن بلاده ستوسّع مشاركتها في الجهود السياسية لوقف الحرب.

وأكد خلال تصريحات صحافية في بكين، أن الشعب السوري هو مَن يقرّر مستقبل بلاده، ويمكن لـ «المعارضة» أن تساهم في ذلك، لافتاً إلى أن الحل «يكمن في أربع خطوات هي: وقف إطلاق النار، والعملية السياسية، وآليات المساعدات الإنسانية، ومكافحة الإرهاب».

وأكد المبعوث الصيني أنه «تجب علينا محاربة الإرهاب من دون تمييز وأينما وجد، ولا سيما تلك التنظيمات الإرهابية المدرجة على لوائح الإرهاب للأمم المتحدة، بما فيها تنظيم داعش الإرهابي وجبهة النصرة وحركة تركستان الشرقية»، معرباً عن استعداد بلاده لتبادل المعلومات الاستخبارية مع الأطراف والدول المعنية للتوصل إلى حل، والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024