منذ 7 سنوات | أنت وطفلك / Huffington Post

ربما لم يهتم آباؤنا بمسألة تنظيم وقت جلوس الأطفال أمام شاشات الأجهزة الإلكترونية لعدم انتشارها قبل سنوات عديدة، بينما أصبحت هذه القضية تؤرق الآباء في الوقت المعاصر لتعدد صورها وتوافرها في متناول الأطفال، بل ومغرياتها التي تجذب الأطفال لقضاء ساعات طويلة أمامها كالألعاب والتطبيقات وأفلام الكارتون، ولكن هل ينبغي على الآباء تحديد ساعات لا يمكن تجاوزها أمام تلك الشاشات؟

تقول الإرشادات الرسمية إنه لا ينبغي على الأطفال من عمر 5 إلى 18 عاماً أن يقضوا أكثر من ساعتين في اليوم أمام الشاشات، بينما على الأطفال الذين تقل أعمارهم عن عامين عدم الجلوس أمام الشاشات مطلقاً. إلا أنه في عالم تنتشر فيه الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية من العسير الالتزام بهذه الحدود.

وجد استفتاء حديث للرأي أجراه برنامج الأطفال ABC Behind the News أن 56% من المشاركين تعدّوا معدل الساعتين المسموح بهما يومياً. وتوصل مسح آخر أُجري على أطفال أستراليين تتراوح أعمارهم بين 8 إلى 16 عاماً إلى نتائج مشابهة. إذ أظهرت الدراسة أن 45% من الأطفال ذوي الثماني أعوام و80% من الأطفال ذوي 16 عاماً تجاوزوا النسبة المُوصى بها بأقل من ساعتين كحد مسموح به لكل يوم.

إرشادات غير قابلة للتطبيق

نحن نميل إلى تبرير الاستخدام المفرط للأطفال بعدم شعورهم بالمسؤولية، لكن التفسير المختلف والمعقول جداً هو أن تلك الإرشادات التي نعتمد عليها لتحديد مدة جلوس الأطفال أمام الشاشات المختلفة عفا عليها الزمن.

لقد عشنا سنوات من قبل ظهور الأجهزة اللوحية والعديد من الأجهزة التي نستخدمها الآن ولم تكن قد اخترعت بعد.

كانت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال قد وضعت تلك الإرشادات التي نتبناها بخصوص قضاء الأطفال أوقاتهم أمام الشاشة عام 1990 لترشيد استخدام الأطفال للتلفزيون. وعلى وجه الخصوص كانت تلك الإرشادات متعلقة بمشاهدة الأطفال للمواد التي تحتوي على مشاهد عنيفة.

وبينما كانت تلك الإرشادات ذات صلة بالواقع في ذلك الوقت، اختلفت الشاشات كثيراً في العشرين سنة الأخيرة، وأظهر لنا التعامل مع الأطفال أن تحديد ساعتين بشكل صارم لاستخدام الشاشات لم يعد قابلاً للتطبيق إذا كنت قد نشأت عام 2016.

لقد خلّف الاستخدام المستمر لهذه الإرشادات شعوراً بالإحباط لدى كثير من الآباء، وإحساساً بالذنب أو بعدم الثقة بشأن طريقة تفكيرهم وأدائهم. يحاول الآباء الالتزام بحدود الوقت لكن ليس من الممكن تطبيق ذلك عندما يكون على أطفالهم قضاء 3 ساعات أمام حاسبهم الآلي لإنهاء واجبهم المنزلي المتبقي.

في بعض الأحيان تكون الإرشادات والقواعد وحتى القوانين ملزمة قانونياً لكن مر عليها الكثير ولم تعد تُقدم الدعم الهادف. على سبيل المثال، كان هناك شرط للمنتجين في بعض أجزاء من الولايات المتحدة وكندا بأن يصنعوا السمن بألوان مختلفة حتى لا يخلط المستهلكون بينه وبين الزبدة، وقد كانت كيباك هي آخر مكان في أميركا الشمالية يوقف هذا الشرط عام 2008.

ورغم الإثارة والدهشة اللتين ترافقان تلك القوانين، إلا أن العديد يتساءلون عن علاقة هذه القوانين بالحياة المعاصرة.

ويبدو أن الإرشادات التقليدية المقدمة للآباء والمربين حول استخدام الأطفال للشاشات تسير وفق نفس المسار، ولم تعد تتناسب مع الواقع الذي تقوده التكنولوجيا.

إعادة النظر في الدراسات السابقة

وفي إشارة للانتشار المتزايد للتكنولوجيا في عالمنا أعلنت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أنها ستُراجع مبادئها التوجيهية حول علاقة الأطفال بالشاشات.

وتقول الأكاديمية إنها أدركت أنه في عالم طغى عليه الوقت الذي نقضيه على الأجهزة الإلكترونية فإن سياسة تحديد وقت الجلوس أمام الأجهزة الإلكترونية يجب أن تتغير وإلا سيتبدد العمل بها.

ستُنشر المبادئ التوجيهية الجديدة لاحقاً هذا العام ومن المتوقع أن تطول المدة المسموح بقضائها أمام الشاشة. من غير الواقعي لطلاب المدارس العليا قضاء ساعتين فقط كل يوم أمام الأجهزة الإلكترونية خاصة، عندما يجبرهم الواجب المدرسي على فعل ذلك وأكثر.

إن الوقت ليس بالضرورة أفضل مقياس للتأكد من استخدام الأطفال الجيد للأجهزة الإلكترونية، لكنه جزء من النهج الصحي والمتوازن للحياة. فالغرض من استخدام الأجهزة الإلكترونية ليس واحداً، ومن المتوقع أن تُقر المبادئ التوجيهية الجديدة استخدام الأطفال للأجهزة الإلكترونية لأغراض مختلفة.

هناك استخدام استهلاكي، وآخر إبداعي، وثالث للتواصل. وهناك فرق كبير بين قضاء ساعات طويلة لمشاهدة فيديو حول حلوى الشيكولاتة غير المعبأة، وبين محادثة فيديو مع أحد الوالدين الذي يقيم بالخارج.

ويُعد البديل الأفضل هو تحديد استخدام الأطفال للشاشة بالاستناد إلى جودة النشاط ومستوى التحفيز الذي يحصل عليه الأطفال. فهناك أكثر من 80 ألف تطبيق يتم تصنيفه على أنه تعليمي، لكن تختلف جودة الخبرة التي يقدمها كل منها للطفل. يجب أن يخصص وقت أكبر للأنشطة المبدعة التي تحفز الخيال وتسمح بالتواصل الهادف مع الآخرين من الأنشطة التي تُقدم قيمة تعليمية قليلة.

وفي الوقت نفسه يجب ألا نغض الطرف عن الوقت المفرط الذي نقضيه على الإنترنت، إذ أفاد 15% من المشاركين في المسح السالف ذكره بأنهم لا يستطيعون الاستمرار دون التكنولوجيا حتى لو ليوم واحد.

ويمكن للتصفح القهري غير المتوقف للنصوص المختلفة والرسائل والأخبار والمواقع وغيرها من التطبيقات أن يتعارض مع الحياة اليومية لأي شخص، التي تشمل العمل والعلاقات المختلفة. إن كان الطفل يقضي ليله ونهاره على الشاشة فإن هذا الأمر يحتاج إعادة تقييم وترتيب.

إلا أن الرسالة النهائية التي نريد إيصالها هي أنه مهما كان المصدر الذي نعتمد عليه لتنظيم استخدام أطفالنا للأجهزة الإلكترونية فإنهم يحتاجون إلى تعلم تنظيمه بأنفسهم.

يجب أن نُعرّفهم بمفهوم الاستخدام الواعي، فكلما ازدادت أعمارهم ازداد تعداد الأجهزة الإلكترونية، وازداد كذلك احتياجهم لاستخدامها؛ لذا تصبح مساعدتهم في إدراك أهمية تحقيق التوازن أحد المهارات الحياتية الأساسة والهامة.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024