منذ 7 سنوات | العالم / Huffington Post

أجرى دونالد ترامب هذا الأسبوع حواراً مع صحيفة "النيويورك تايمز" الأميركية، لتظهر مرة أخرى قلة معرفته بالعالم الذي قد يقوده في يناير/كانون الثاني القادم. وهو الحوار الذي سَلَّم فيه ترامب البلطيق تقريباً إلى فلاديمير بوتين. ومع استمرار الأسئلة، كشف المرشح الجمهوري عن قلة فضوله حول تاريخ بلاده. وحين ضغط عليه صحفيو "التايمز" لشرح سبب تمسكه بعبارة "أميركا أولاً"، على الرغم من علاقتها بالمجموعة المثيرة للجدل التي عارضت تدخل الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، أجاب ترامب قائلاً: "بالنسبة لي (أميركا أولاً) هي عبارة حديثة، لم أربطها بالماضي مطلقاً".

لو أن رجل المال البرتقالي أنفق الوقت لمعرفة بعض المعلومات حول أسلافه، لوجد ما يعجبه (من وجهة نظره) وما عليه تجنبه أيضاً. وكانت جماعة أميركا أولاً (AFC)، التي أُنشئت مطلع سبتمبر/أيلول من عام 1940، هي أكبر المنظمات المناهضة للحرب في تاريخ الولايات المتحدة، مع تنوع فكري وحزبي ملحوظ. وضمت حوالي 800 ألف عضو، لم يكن على أي منهم دفع أي مستحقات، واعتادوا الاجتماع في مناسبات مختلفة.

وعلى الرغم من تمويل أثرياء الجمهوريين، مثل رئيس Sears-Roebuck وناشر شيكاغو تريبون، لمعظم نشاطات هذه المجموعة، إلا أنها ضمت بين صفوفها أيضاً نورمان توماس، زعيم الحزب الاشتراكي، بالإضافة للعديد من الأعضاء الديمقراطيين البارزين في مجلس الشيوخ. كما انضم لصفوفها الكاتب اليساري سنكلير لويس، والمعماري فرانك لويد رايت ووالت ديزني، وتشارلز ليندبرج الطيار المشهور الذي نافست شهرته شهرة الرئيس فرانكلين روزفلت، بينما رفض جوزيف ب. كينيدي الانضمام، لكنه أخبر رئيس AFC أنه "سيبذل ما بوسعه لمساعدتهم".

توحد هذا الحشد المتنوع عازماً على البقاء خارج الحرب التي كانت المملكة المتحدة تحارب فيها وحيدة ضد دول المحور، بقيادة ألمانيا هتلر، والتي كانت قد احتلت معظم أوروبا بالفعل. وكغالبية المواطنين، اعتقد الأميركيون الأوائل أن وودرو ويلسون قد ارتكب خطأً فادحاً في 1917 حين أقنع الكونغرس بإعلان الحرب على ألمانيا، التي كان يحكمها القيصر فيلهلم الثاني وقتها. وبدلاً من العالم "الآمن للديمقراطية" الذي وعد به ويلسون، استولى الزعماء الشموليون على السلطة في ظل الضائقة الاقتصادية التي أصابت العديد من الشعوب بدايةً بإسبانيا ومروراً بروسيا وحتى اليابان.

قوانين صارمة

في منتصف الثلاثينات، سنّ الكونغرس العديد من قوانين الحياد الصارمة، وأظهرت نتائج استطلاعات الرأي تأييد الغالبية لإجراء تعديل دستوري من شأنه جعل الاستفتاء الوطني أساسياً قبل إرسال الشباب للقتال. وشهد الشهر الذي تأسست فيه مجموعة (أميركا أولاً) من عام 1940، نتائج استطلاع غالوب التي أشارت إلى الانقسام حول سؤال: "هل نبقى خارج الحرب أم نساعد إنكلترا على الانتصار حتى مع خطر التورط في الحرب".

وعَلِم فرانكلين روزفلت، الذي أراد إرسال السفن الحربية إلى حكومة ونستون تشرشل لصد النازيين، أن أمامه معركة لكسب الرأي العام.

لكن شمولية المجموعة وعدم انضباطها هي وقيادتها سرَّعَت من سقوطها. ولم يُمنَع مُعادو السامية من القيام بدور فاعل. كما رحب قادة المجموعة بأتباع تشارلز كولين، الكاهن الكاثوليكي المساند للفاشية الذي انتقد "المصرفيين الدوليين" أسبوعياً أمام جمهور الإذاعة الذين بلغ عددهم عشرات الملايين. بينما انتقد روزفلت وحلفاؤه السياسيون الذين رغبوا بمساعدة بريطانيا العظمى، المجموعةَ لكونها ملاذاً للمتعصبين.

وفي 11 سبتمبر/أيلول 1941، بعد أسابيع من غزو هتلر للاتحاد السوفييتي، أضحى تدخل الولايات المتحدة أكثر رجحاناً، وقرر نجم مجموعة AFC تقديم تحذير عاجل من العدو الداخلي. وقال ليندبرغ، الذي عارض والده عضو الكونغرس الحرب العالمية الأولى، في خطبة جماهيرية أمام حشد في دي موين أن اليهود "مسؤولون عن تغير سياستنا الوطنية من الحياد والاستقلالية إلى التورّط في الشؤون الأوروبية"، مضيفاً: "أهم الجماعات الثلاث الضاغطة على هذه البلاد نحو دخول الحرب هم البريطانيون واليهود وإدارة روزفلت".

واعترف ليندبرغ بأنه "لا يمكن لأي شخص ذي كرامة التغاضي عن الاضطهاد الذي تعرض له العرق اليهودي في ألمانيا" (لاحظ صيغة الماضي)، لكنه أضاف سريعاً: "خطرهم الأكبر في هذه البلاد يكمن في امتلاكهم وتأثيرهم على صحافتنا وأفلامنا وإذاعتنا وحكومتنا".

رد الفعل كان عنيفاً. أطلقت الحشود في دي موين صيحات الاستهجان، كما اتفق الصحفيون من مختلف الأطياف السياسية على أن البطل الوطني السابق بدا وكأنه يترجم رسالة من برلين. وقالت افتتاحية صحيفة San Francisco Chroncile، الصحيفة الجمهورية: "الصوت هو صوت ليندبرغ، أما الكلمات فكلمات هتلر". كانت AFC تخسر المعركة بالفعل، إذ بدأ العديد من الأميركيين في تأييد سياسة روزفلت لتقديم الدعم لبريطانيا العظمى والاتحاد السوفييتي. أما المجموعة المناهضة للحرب فانحدرت سريعاً بعد خطاب ليندبرغ، قبل أن تُحل عقب الهجوم على بيرل هاربر.

لا يعرف دونالد ترامب هذا التاريخ، مثلما لا يعرف غالباً باستخدام أحد مرشحي مجلس الشيوخ الحالي، ديفيد ديوك، نفس الشعار، لكنه يملك موهبة لتكرار الأخطاء التي أودت بمجموعة AFC إلى الهاوية. "خطته ستضع أميركا أولاً" كما قال في خطابه أمام الحزب الجمهوري مساء الخميس "ستكون عقيدتنا هي أميركا وليس العالم".

على الرغم من ذلك، للعالم، كما عرف الأميركيون منذ 75 عاماً، طريقته في توريطنا في مشكلاته سواء كانت تغير المناخ أو الإرهاب أو لاجئي الحرب. المرشح الذي يتاجر بالغضب والصور النمطية الكاذبة حول الأشخاص الفارين من العنف أو الفقر، لا يمكنه مساعدتنا في بناء مجتمع أكثر تسامحاً أو تعقلاً أو أمناً.



أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024